مقالات رأي

نصائح لتدريس المواضيع المحظورة في العالم العربي

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

تنويه من المحرر: يأتي المقال أدناه ضمن سلسلة مقالات حول الحرية الأكاديمية في الجامعات العربية، بناءاً على استطلاع للرأي أجرته الفنار للإعلام بالتعاون شبكة العلماء في خطر حول الرقابة الذاتية لدى الأكاديميين والباحثين العرب. للإطلاع على التقرير الخاص بالإستطلاع اضغط هنا.

“المناقشات العامة (بما في ذلك المناقشات في الفصول الدراسية) حول القضايا السياسية أو الدينية والوعظ والتعبّد الجماعي – فيما عدا الإسلام – محظورة.”

هذا ما يذكره كتيب جامعة في المملكة العربية السعودية. وقد صادفتُ هذا الحظر الصريح عندما تقدمت بطلب للحصول على وظيفة في المؤسسة في عام 2013. في وقتها، كان قسم الدراسات العامة يبحث عن عضو جديد لتدريس التاريخ السعودي وطلبوا مني تقديم اقتراح لمساقٍ معين.

أثناء المقابلة، سألتُ عن كيفية تدريس مواضيع أخرى مثل العلاقات الدولية دون مناقشة “القضايا السياسية”. أخبرني أحد الأساتذة عن اتفاق غير رسمي بينه وبين طلابه بأن يقول لهم “أريد الاحتفاظ بعملي. وأنتم ترغبون في الاحتفاظ بمنحكم الدراسية. أعتقد أننا نفهم بعضنا البعض؟”

بينما يبدو مثل هذا الترتيب ناجحًا بالنسبة له، فهل هناك أي طرق أخرى لعدم وقوع المحاضر في المشاكل؟

قواعد ضمنية لضبط النفس

لم أصادف سوى القليل من الجامعات التي تعترف بصراحة بوجود حدود في الخطاب مثل الجامعة السعودية. ومع ذلك، تعدّ مؤسسات التعليم العالي في كل مكان مقيدة بالبيئات القانونية والاجتماعية التي تعمل فيها.

منذ العام 2013، أعمل في جامعة فرجينيا كومنولث في قطر، وقد كنتُ محظوظًا للتمتع بحرية أكاديمية هائلة. لم يتم إخباري مطلقًا عن الموضوعات التي يمكنني التحدث عنها وتلك التي لا يمكنني التحدث عنها في الفصل الدراسي. مع ذلك، وبصفتي موظفًا في كومنولث فرجينيا ومقيم في دولة قطر، فأنا ملزم بالقوانين الأميركية والمحلية. كما لدي التزام بإنشاء بيئة تعليمية آمنة يشعر فيها الطلاب من مختلف الخلفيات والهُويات بالدعم والاندماج. ويعني هذا أيضًا احترام ثقافة الدولة المضيّفة، قطر.

لكن، وبصفتي مدرسًا للتاريخ، لا يمكنني تجنب الموضوعات المحظورة تمامًا. كيف يمكنني تدريس مقرر دراسي عن أوروبا في العصور الوسطى أو الشرق الأوسط الحديث، على سبيل المثال، دون ذكر السياسة أو الدين؟

لكن، وبصفتي مدرسًا للتاريخ، لا يمكنني تجنب الموضوعات المحظورة تمامًا. كيف يمكنني تدريس مقرر دراسي عن أوروبا في العصور الوسطى أو الشرق الأوسط الحديث، على سبيل المثال، دون ذكر السياسة أو الدين؟

بالطبع، تعتبر “القضايا السياسية أو الدينية” مصطلحات غامضة وفضفاضة، وحتى كتيب الجامعة السعودية لا يحددها بشكل أوضح من ذلك. كما أن قوانين معظم البلدان حول العالم غير دقيقة للغاية في ما يخص مثل هذه الأنواع من الكلام، بما في ذلك النقاشات التاريخية التي يتم تجريمها. (تشمل الاستثناءات الهولوكوست وغيرها من حالات إنكار الإبادة الجماعية).

منح الطلاب حرية الاختيار

تختلف وتتغير اهتمامات الطلاب الفردية في الموضوعات المحظورة. كمدرس، يمكنك قياس مستويات راحتهم من خلال تقديم مواد مختلفة. بإمكان الطلاب التحضير لدرس حول الحركات الإسلامية، على سبيل المثال، من خلال الانتقاء من مجموعة متنوعة من المقالات حول الوهابية والإخوان المسلمين وحركة طالبان والقاعدة وغيرها.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

إذا كنت تمثل أيًا من مجالات العلوم الإنسانية أو العلوم الاجتماعية، فقد تشعر أنك مضطر للتحدث عن الجنس في مرحلة ما، وهو مجال آخر قد يكون حساسًا. إذا لم تكن متأكدًا من نوع القراءات المراد تخصيصها، اطلب من المشاركين في المساق الاختيار من بين قراءات مختلفة أيضًا. تتضمن مناهجي حول تاريخ الشرق الأوسط نصوصًا عن الملكات والمفكرين النسويين والإماء، الفتيات المستعبدات. يمكن للمشاركين في المساق الذين يهتمون أكثر باستكشاف الهويات الذكورية والهويات الجنسية غير الثنائية التعرف على ذوي الشوارب أو المخصيّين بدلاً من ذلك. قد يرغب الطلاب الذين يقدمون مواد حساسة لزملائهم في الدراسة في التفكير في توجيه تحذيرات بشأن المحتوى. حتى إذا كانت مؤسستك لا تعمل في سياق محافظ بشكل خاص، فقد تظل مثل هذه البيانات التحذيرية موضع تقدير. (اقرأ المقال ذو الصلة: الجنس والأكاذيب: دراسة نقدية للحياة الجنسية للمرأة في المغرب).

يفضل بعض الطلاب الموضوعات العامة وغيرها من الموضوعات الهامشية، مما يؤدي إلى توسيع نطاق دروسنا. من المثير للدهشة أن إحدى الحلقات المفضلة دائما بين طلابي حلقة من بودكاست التاريخ العثماني حول قضية نادرًا ما يتم تناولها في وسائل الإعلام القطرية: الانتحار بين النساء. يتناول برنامج البودكاست الشهير هذا الفترة المبكرة من تاريخ الجمهورية التركية بدلاً من قطر المعاصرة. ربما اختار العديد من طلابي هذه الحلقة لأنها تتعلق بزمان ومكان مختلفين عن ذلك الذي يعيشون فيه.

تثري دراسات الحالة من مجموعة متنوعة من البلدان والعصور بالتأكيد أي منهج دراسي فيما تزيل الموانع في ذات الوقت. إذا كنت خبيرًا في العلوم السياسية في الكويت وترغب في شرح الدولة الريعية، فيمكنك بسهولة إعطاء أمثلة من دول منظمة أوبك الأخرى. من المحتمل أن يفهم المستمعون الكويتيون ما يتعلق ببلدهم حتى لو بقيت إشاراتك ضمنية. إذا كنت تريد تحليل الأنظمة الملكية، فلا داعي للالتزام بالأنظمة الحالية. التاريخ القديم مليء بالعديد من الأمثلة.

ربما تشعر بالأمان الكافي في منصبك الأكاديمي بحيث لا تقلق بشأن تجاوز الخطوط الحمراء. لكن لا تنس أبدًا أن المتدربين قد لا يتمتعون بذات الامتياز.

بالإضافة إلى ذلك، لا تنسى العوالم الخيالية. إذا كنت باحثًا في الدين وتقلق بشأن الإساءة إلى الطلاب الذين يلتزمون بتقاليد معينة، فلماذا لا تغامر في روحانية “حرب النجوم” أو عوالم الخيال العلمي والخيال الأخرى المبنية بشكل متقن؟

دور الغموض والأسماء المستعارة

ربما تشعر بالأمان الكافي في منصبك الأكاديمي بحيث لا تقلق بشأن تجاوز الخطوط الحمراء. لكن لا تنس أبدًا أن المتدربين قد لا يتمتعون بذات الامتياز. لا تُصر على أن يبدي كل واحد منهم رأيًا واضحًا في موضوع سياسي. اسمح ببعض الغموض، وشجعه! بدلاً من جعل الطلاب يكتبون المقالات بحجة واحدة، يمكنهم إنشاء أعمال فنية مرئية مع مساحة لتفسيرات متعددة. غالبًا ما تكون هذه هي النصوص أكثر إثارة للاهتمام. بدلاً من ذلك، سيكون بإمكان المتعلمين كتابة سيناريو أو أي شكل آخر من أشكال الحوار. من خلال السماح لشخصيات مختلفة بالتحدث، يمكنهم إخفاء قناعاتهم الحقيقية واستكشاف وجهات نظر مختلفة في ذات الوقت.

كما هو الحال أثناء عملية مراجعة الأقران بالضبط، هناك أيضًا قيمة في عدم الكشف عن الهوية في الفصل الدراسي الافتراضي. يشارك الأكاديميون بانتظام في التحكيم المزدوج التعمية للأوراق البحثية. يعني هذا أنه لن يكون بإمكان مؤلف المخطوطة ولا مُراجعها معرفة هوية الآخر. يمكن تطبيق إجراء مماثل على مقالات الطلاب، بشرط أن يكون الفصل كبيرًا بدرجة كافية. في الاجتماعات الافتراضية، اسمح للطلاب بإيقاف تشغيل كاميراتهم واستخدام الصور الرمزية والألقاب بدلاً من أسمائهم الحقيقية. كما أنصح بتجنب تسجيل الجلسة، إلا إذا أعطى كل مشارك موافقة مستنيرة.

أخيرًا، لا تشعر بالإحباط إذا ما استمر مستوىً معين من الرقابة الذاتية. على الرغم من تفضيل معظم المعلمين للمناقشات الحية، إلا أن الصمت يمكن أن يكون قويًا أيضًا. يصحّ هذا بشكل خاص عند التفكير في الأحداث الصادمة في الماضي. إذ تعدّ لحظة الصمت، لدقيقة أو دقيقتين، جزء من العديد من الاحتفالات المحترمة، على سبيل المثال في يوم الهدنة أو 11 أيلول/ سبتمبر. ومع ذلك، حتى في التخصصات غير المرتبطة بالتاريخ، تعدّ فترة التأمل أو التأمل اليقظ مفيدة.

منذ بداية جائحة كوفيد-19، أصبح نداء “ابق بأمان!” عبارة متكررة. بذلت الجامعات في جميع أنحاء العالم جهودًا كبيرة لوقف انتقال فيروس كورونا. لكن يجب علينا أيضًا التأكد من أن جميع أفراد مجتمعنا يشعرون بالأمان الكافي للتحقيق في الأمور السياسية المثيرة للجدل ونشر الأفكار التي يحتمل أن تكون خطرة.

يورغ ماتياس ديترمان أستاذ التاريخ في جامعة فرجينيا كومنولث في قطر. يمكن الاتصال معه من خلال البريد الإلكتروني: [email protected]  وعلى تويتر على @JMDetermann.

Countries

تعليق واحد

  1. لكن ثمة كتب في الساحة الفكرية العربية بدأت تظهر لكن مع حوف واستحياء في تداولها، ومنها كتاب (حدائق الجنس) لمحمد الباز، ويتناول موقف التراث من الجنس ويتضمن عرضا للفتاوى وكتب التراث التي عالجت الجنس على لسان علماء الإسلام، ودور الجنس في المجتمع والموقف الديني منه
    في حين أن نص بعض الروايات السعودية لكتاب سعوديين كبار مثل روايات الدكتور تركي الحمد، وسيف الإسلام بن سعود وغازي القصيبي، عملت نصوصها على استنهاض حاسة التأمل والنقد لدى المتلقي، يضاف إلى ذلك استفادة المتلقي من المعلومات السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية التي ترد برواياتهم. إن كُتَّاب هذه الروايات الجنسية وغيرهم تحولوا بفعل نصهم الروائي من كتاب إلى مسوقين للجنس، وكأنهم يبحثون عن دور خلاصي من همومهم وأوجاعهم الشخصية
    لقد ورد في في الأدب التربوي عدة دراسات تناولت التربية الجنسية من جوانب مختلفة بحث نشط العديد من الأكادمين على إختلاف إتجاهاتهم الفكرية و العقائدية و المذهبية في هذا المجال غير أن الواقع المجتمعي يشير أن عبء المسؤولية في تدريس هذا المنهج يقع على عاتق المؤسسات التربوية النتمثلة في المدرسة مع ضروررة تدريس التربية الجنسية ضمن البحوث الدراسية ، و أن تقدم وفق طرائق و أساليب تربوية مقنعة تتناسب مع المرحلة العمرية للطلبة ، و تجيب على كافة إستفساراتهمو أسئلتهم المنطقية و المسروعة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى