مقالات رأي

لماذا يعزف الطلاب العرب عن التقدم للدراسة في الخارج

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

يعزف الكثير من طلاب وطالبات العالم العربي عن الدراسة في الخارج والالتحاق بجامعات كبرى، لأسباب تتعلق بالتمويل وعدم ثقتهم بجودة التعليم في بلادهم وغيرها الكثير من الأسباب.

لكنني أستطيع القول، استناداً إلى خبرتي الشخصية والعملية، أن هذه فقط أعراض المشكلة وليست المرض نفسه الذى يجب أن نعالجه.

فمن خلال رحلتي للدراسة في الخارج وحصولي على الماجستير من جامعة هارفارد الأميركية، واحدة من أكبر جامعات العالم، وجدت أن هناك سببين رئيسيين لهذا العزوف، وكلاهما مرتبط  بتصورات الفرد عن نفسه وهذا راجع لأسباب داخلية ليست خارجية. وتأكدت هذه القناعة عقب سنوات من العمل في مجال الاستشارات والإرشاد الأكاديمي والمهني وأدركت أن السبب الأول نفسي، في حين أن السبب الثانى مهاري،  لأن أغلب المتقدمين للدراسة في الخارج  يفتقرون لبعض المهارات التي تشكل عصب التجربة.

“العجز المكتسب”

السبب النفسي، والذي أطلق عليه عالم النفس الشهير مارتن سيلجمان مصطلح “العجز المكتسب” learned helplessness ، وهذا النوع من العجز النفسي، لا يأتي لعيب خلقي أو بسبب حادث طارىء  أو نتيجة لدوافع قهرية لا حيلة للمرء فيها، بل يكتسبه الفرد منذ نعومة أظفاره عن غير عمد.

ويبدو أنه نتاج للمناخ الأسري ونمط التربية الشائع في البيئة المحيطة؛ لكن تأثيره  يمتد داخل العقل  ليصبح معتقداً ضمن المعتقدات الراسخة، وبفضل هذا التأثير يستجيب الفرد لما يتلقاه من ملاحظات من محيطه مثل: “أنت لن تستطيع؛ أنت لا تملك الكفاءة الكافية؛ أنت غير مؤهل، أنت لا تستحق الدراسة في هذا المستوى من الجامعات الكبرى….”

https://www.bue.edu.eg/

مرة تلو الأخرى، يعتاد الطالب الاستماع لهذه المقولات المحبطة  كلما حاول خوض تجربة جديدة غير مألوفة بالنسبة للمحيطين به. لاحقاً، قد يجد نفسه يردد هذه العبارات المثبطة لنفسه من دون أن يشعر، فيتحول من حديث خارجي من الآخر لحديثه الداخلي المدمر لنفسه ولطموحاته.

أتذكر أنني اقترحت على زميل لي، كنت أراه  من بين  المتفوقين، أن يتقدم لدراسة الدكتوراه  في هارفارد ، لكنه سخر وتهكم من الفكرة  قائلا:”هارفارد!!! أتعلمين مستوى اللغة الذي تحتاجه! ومستوى التفوق الذي تتطلبه!…..”

أتذكر أنني اقترحت على زميل لي، كنت أراه من بين المتفوقين، أن يتقدم لدراسة الدكتوراه في هارفارد ، لكنه سخر وتهكم من الفكرة قائلا:”هارفارد!!! أتعلمين مستوى اللغة الذي تحتاجه! ومستوى التفوق الذي تتطلبه!…..”

تعجبت آنذاك، لأن زميلي حكم على نفسه بالفشل مسبقاً قبل أن يسمع أو يقرأ أي شيء عن المتطلبات، ورأى أنه لا يستحق  الفرصة، وزاد من تعجبي أن زميلي درس الماجستير فى الولايات المتحدة وحصل على تقييم مرتفع!

أهمية التعبير عن الذات

أما السبب المهاري، فيتعلق بنقص وضعف مهارة التعبير الإيجابي عن الذات  في مجتمعاتنا، لأن الثقافة الشائعة وطرق التعليم لا تساعدان على ذلك.

يتعلم الطالب في حصة التعبير أن يعبر عن كل شئ خارجه، الأحداث، والمواقف،   ربما يكتب عن زيارته لمعرض الكتاب أو عن يوم أنفقه مع أسرته فى الحديقة أو على البحر، لكنه لم يتعلم أبدا التعبير عن مكنون نفسه وما يجول بخاطره من أفكار ومعتقدات ومشاعر وتخوفات. لذلك غالباً ما يعجز عن الكشف عن طموحاته وأحلامه، وخططه المستقبلية فضلاً عن خوفه من تعليقات محيطه إذا تجرأ وخرج عن المألوف باتجاه  الخيال، الذي هو أعظم ما يمتلك الناس.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

من ناحية أخرى، تنتشر ثقافة  شائعة في مجتمعنا تمنع الطفل من ذكر صفاته المحمودة أو إنجازاته لأن ذلك يترجم من الأهل والمحيطين على أنه نمط من التفاخر والتكبر، بينما يجب أن يربى على التواضع، وقد يؤدي هذا إلى أن يصبح “متواضعا” فى كل شئ: أحلامه، وثقته بنفسه، واختياراته. ثم يتعجب الأهل لماذا تراجعت قدرات الطفل بعد أن صار شاباً!  ويتهامسون بأسى “لقد كان نابغة فى طفولته”. أجل، كان كذلك قبل تسميم عقله الباطن بكل هذا السموم.

عايشت فى “هارفارد” طلابا متواضعين جداً فى مستوياتهم العلمية والاجتماعية والاقتصادية، لكن مجتمعاتهم رسخت فيهم أنهم جيدون وقادرون ويستحقون المكانة التي وصلوا إليها ومن ثم يستطيعون ذكر إنجازاتهم فى خطابات التقديم للجامعة بكل أريحية ودون تأنيب الآخرين ولا تأنيب أنفسهم أو اتهامها بالتكبر والتفاخر والغرور.

تعزيز ثقة الطلاب بأنفسهم

أظن أنه قد حان الآوان لتعلم تلك المهارة، والدليل أننى تعلمتها  شخصياً بعد أن بلغت الثلاثين عاماً عقب الكثير من المحاولات الفاشلة،  بل أصبحت أقوم بتدريسها ومراجعة ملفات الطلبة المتقدمين للحصول على منح دراسية ومساعدتهم فى فهم ذواتهم وتقييم مهاراتهم قبل التقديم.

وكلما واجه طلابي مشكلة، ابتسم وأتذكر أننى خلال دراستى بهارفارد كنت أحاول بالكاد أن أنجح، ولازمني لفترة الشعور بأني غير مؤهلة  للتفوق كما تفوقت فى جامعة القاهرة، وإذ  بي أفاجأ عندما بلغت نهاية العام الدراسي بحصولي على جائزتين للتفوق، وليس جائزة واحدة، ثم أصبحت فيما بعد المتحدث الرسمي باسم الجامعة فى مصر وبقيت في المنصب  لأربع سنوات متتالية. كما كنت من ضمن الأعضاء المؤسسين لجمعية خريجي هارفارد بمصر. وهذا هو الدليل الأكبر على أن تحقيق الأحلام لا يرتبط بعمر معين وإنما يحتاج الى الكثير من الاجتهاد والمثابرة والفشل وإعادة المحاولة.

إن تحقيق حلم الدراسة في أكبر جامعات العالم يبقى ممكنا إذا أراد الطالب ذلك واختاره اختياراً حراً، لكن تطبيق هذه الإرادة يحتاج الى صور مختلفة من الدعم.

إن تحقيق حلم الدراسة في أكبر جامعات العالم  يبقى ممكنا إذا أراد الطالب ذلك واختاره اختياراً حراً، لكن تطبيق هذه الإرادة يحتاج الى صور مختلفة من الدعم.

علينا أولا، إخباره بأنه جيد ويستحق الحصول على الفرص الممتازة.

ثانيا، مساعدته في التعبير عن ذاته وتعليمه تلك المهارة وتدريبه عليها. إذ أن خطاب التقديم المسمى بعدة أسماء منها Personal Statement أو Motivation Letter هو أهم جزء فى التقديم على الجامعة وهو الذي يحدد بدرجة عالية جداً مدى اقتناع اللجنة بالطالب.

فى النهاية، أعتقد بشدة إن التعبير عن الذات والثقة بالنفس من أهم معايير النجاح وتحقيق الأهداف سواء كانت أهدافاً دراسية، أو مهنية، أو حياتية. وأنه من الأفضل دائما أن نبدأ الطريق من الطفولة، لأن ذلك يختصر خطوات كثيرة،  لكن إذا تجاوزنا هذا العمر فإنه من الممكن أيضاً تدارك ما فات بالتدريبات المناسبة.

د. سماء حسني، خبيرة الاستشارات الأكاديمية والطلابية، والمديرة المؤسسة لوحدة الاستشارات والدعم الطلابي بجامعة القاهرة، وهي أيضاً مدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بجامعة القاهرة. يمكن التواصل معها عبر البريدي الإلكتروني: [email protected]

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى