أخبار وتقارير

رسالة حب وتضامن تقرب المسافات بين مسارح بيتسبرغ وبيروت

في حفل انطلاق برنامج “ولادة الورق“، اجتمع فنانو الأداء في لبنان والولايات المتحدة عبر الإنترنت لقراءة الشعر ومشاركة القصص الشخصية وغناء الأغاني الشعبية وعرض الأعمال الفنية وإبهار الجمهور. يهدف مشروع المسرح التفاعلي المبتكر هذا إلى ربط مدينتين معروفتين بتاريخ يزخر بالفن النابض: بيتسبرغ وبيروت.

بدأ منظمو “ولادة الورق” في استقطاب مشاركين بالمراسلة في كلتا المدينتين هذا الربيع، وسيتوّج المشروع بسلسلة من العروض عبر تطبيق زووم من المقرر أن تستمر من 24 إلى 29 حزيران/ يونيو. تعدّ  المسرحية جزء من مهرجان لمدة خمسة أشهر لـ “المسرح عبر البريد”، لتكون بمثابة رد على الأزمة الإنسانية في بيروت و”رسالة حب إلى مصلحة البريد”.

يُطلق على السلسلة الأوسع اسم المسرح البريدي أو “Post Theatrical“، ويتم تنظيمها من قبل شركة RealTime Interventions المسرحية ومقرها مدينة بيتسبرغ. ساهمت عشرات الفرق في أعمال هذه السلسلة، ولجميعها علاقة بالبريد. تعدّ مسرحية “ولادة الورق”، التي تدور أحداثها حول رسائل وصناديق إعانة تنتقل من بيتسبرغ إلى بيروت، العرض الأخير للمهرجان.

في حفل الإطلاق في 9 حزيران/ يونيو، قالت مولي رايس، الكاتبة المسرحية والمديرة الفنية لشركة Real Time، إنها كتبت الإصدار الأول من “ولادة الورق” في عام 2003. في تلك الحالة، كان العمل يربط ما بين تكساس ونيويورك. في نهاية ذلك العرض، أعطت أعضاء الجمهور عنوانًا وطلبت منهم الكتابة إليها. قالت رايس، “تلقيت رسائل بريدية على مدار عامين”.

أكدت الآثار اللاحقة لذلك العرض لرايس مدى حرص جمهور المسرح على إقامة العلاقات واستمرارها. لذلك عندما جعلت إجراءات إغلاق كوفيد-19 الحضور الشخصي للمسرح مستحيلًا، فكرت رايس مرة أخرى في المسرح عن بعد. وقالت أنها فكرت أيضًا في “ولادة الورق”، لأن الورق أعطى الناس “طريقة للتواصل عبر المسافات، تمامًا مثل التكنولوجيا التي نستخدمها الآن، أي تطبيق زووم.”

مع وضع هاتين الفكرتين في الاعتبار، قررت رايس قائلة، “إذا كنا سنقوم بتقديم مسرح عن بعد، فلماذا لا نبتعد بالمسرح أكثر ونتواصل مع بيروت؟”

اجتمع العديد من الشركاء لحضور العرض التفاعلي الذي استمر لمدة خمسة أيام، بما في ذلك مجتمع فنون مدينة اللجوء “City of Asylum” في بيتسبرغ ومجلة راستد راديشيز، وهي مجلة أدبية وفنية مقرها بيروت. وبذلك، يَعِد العرض بأداء ترفيهي وتضامن مع مجتمع الفنون في بيروت، الذي عانى في أعقاب انفجار المرفأ في 4 آب/ أغسطس 2020 ومعدلات التضخم المتصاعدة وانخفاض قيمة العملة في لبنان. (اقرأ المقالين ذي الصلة: انفجار بيروت يعصف بقطاعها التعليمي وبيروت ما بعد الانفجار: خسائر فنية وثقافية فادحة).

إذا كنا سنقوم بتقديم مسرح عن بعد، فلماذا لا نبتعد بالمسرح أكثر ونتواصل مع بيروت؟”

لماذا بيتسبرغ وبيروت؟

عندما فكرت الشركة المسرحية لأول مرة في مد الجسور وتقليص المسافة بين بيتسبرغ وبيروت، قالت رايس “لقد فكرنا في صديقتنا ميليا عياش،” وهي ممثلة وكاتبة مقيمة في بيروت قضت وقتًا في بيتسبرغ. ستكون عياش نجمة العرض ومديرته.

أضافت رايس إنهم قد استقطبوا، بالنسبة للعرض الجديد من “ولادة الورق”، حوالي أربعين متطوعًا لكتابة الرسائل وتجميع صناديق الإعانات وشحن الطرود من بيتسبرغ إلى بيروت. سيتم فتح هذه الرسائل والطرود في الوقت الفعلي، كجزء من العرض.

على مدار العروض، من المتوقع أن تحبك عياش أيضًا بحثًا أجرته رايس حول عناصر التاريخ والبستنة المشتركة بين بيتسبرغ وبيروت.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

في مقابلة نشرت على موقع HVY، قالت رايس إن العمل “يرقص على الخط الفاصل بين المسافة والحميمية، وبين الواقعي والمتخيل.”

قالت رايس، في حفل الإطلاق، “نعتقد أنك إذا ما نظرت بجدية كافية، ستجد الصِلات. لذلك سوف نكتشف نوع الروابط التي سنجدها.”

في الواقع، تشترك كل من بيتسبرغ وبيروت بامتلاك تاريخ من الفن النابض بالحياة والنضال الاقتصادي. على الرغم من تعافي بيتسبرغ إلى حد كبير من انهيار صناعة الصلب الأميركية في أوائل الثمانينيات، إلا أن تلك الحقبة لا تزال محفورة في ذاكرة المدينة.

قالت عياش في حفل الإطلاق إن المدينتين تشتركان أيضًا في حب الموسيقى والفن والحفلات. ربما لهذا السبب، تم إرهاق كليهما بالمقارنة مع باريس. فبينما أطلق على بيروت لقب “باريس الشرق الأوسط”، أُطلق على بيتسبرغ لقب “باريس أبالاتشيا”.

تعرف كلتا المدينتين بالتأكيد معنى تجربة التغير السريع في الثروات. قالت رايس في حفل الإطلاق، “في أوقات الأزمات، يحتاج الناس للتعبير عن أنفسهم وأن يكونوا أكثر اتصالاً.”

تضامن يتجاوز الحدود

بينما جمع حدث الإنطلاق الفنانين على جانبي المحيط الأطلسي، فقد كان ذلك بمثابة فرصة لجمع تبرعات لمجلة راستد راديشيز، حيث تعمل عيّاش كمحررة. كانت المجلة التي تتخذ من بيروت مقرًا لها أيضًا من صلات الربط بين بيروت وبيتسبرغ، حيث شاركت في تأسيسها ريما الرنتيسي من بيروت، وكريستال هوفمان من بيتسبرغ.

“راستد راديشيز” ولدت لتسليط الضوء على الأعمال من لبنان والمنطقة، ولاسيما أعمال الشباب. في النهاية، أردنا إنشاء مجتمع بإمكانه دعم بعضه البعض.”

ريما الرنتيسي
مؤسسة مجلة راستد راديشيز في بيروت

قالت الرنتيسي في حفل إطلاق “ولادة الورق” إن “راستد راديشيز” ولدت لتسليط الضوء على الأعمال من لبنان والمنطقة، ولاسيما أعمال الشباب. في النهاية، أردنا إنشاء مجتمع بإمكانه دعم بعضه البعض.”

أضافت الرنتيسي أن دعم المجتمع أصبح أكثر أهمية في ظل الوضع الاقتصادي الحالي. بسبب ارتفاع أسعار الورق والحبر، “أصبحت الكتب سلعة رفاهية”. ومع ذلك، لا يزال المحررون يحاولون إبقاء راستد راديشيز في متناول القراء المحليين. قالت الرنتيسي “يعني هذا أننا نعتمد الآن أيضًا على المجتمع الدولي لدعم عملنا.”

كما سلط حفل الانطلاق الضوء على أعمال تضامن أخرى. حيث قرأت الكاتبة السورية اللبنانية نور تركماني، المقيمة في بيروت، مقتطفات من مقالها المثير للذكريات والمتعدد الطبقات، “مجاعة وسفينة وأغنية شعبية تتجاوز الحدود“.

يتتبع المقال تاريخ الأغنية الشعبية “الروزانا”، والتي يعتقد أنها نشأت خلال المجاعة الكبرى في جبل لبنان (1915-1918). من غير الواضح ما الذي حدث بالضبط للسفينة المسماة “الروزانا” وما إذا كانت قد رست في بيروت. لكن التاريخ الشعبي وراء الأغنية يتحدث عن مساعدة مفاجئة أتت من التجار السوريين.

حبكت قراءة تركماني أيضًا قصصًا من عام 2020، بما في ذلك العنف والتضامن تجاه اللاجئين السوريين داخل لبنان. في الختام، يعود المقال إلى عام 1915، حيث تروي القصص تهريب تجار حلب للإمدادات إلى البيروتيين الجائعين. تكتب تركماني قائلة، “عمل تضامني وقح. رسالة حب من نوع ما.”

تقف رسائل تضامن مثل هذه أيضًا وراء فكرة “ولادة الورق”. يأمل منظموها أيضًا ألا يكون هذا العرض تبادلًا لمرة واحدة. في النهاية، يأملون أن يغادر الجمهور والمشاركين على حد سواء العرض مزودين بطريقة “ملموسة للتواصل مع بعضهم البعض في المستقبل.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى