أخبار وتقارير

المصريون ينعون إيفلين بوريه “سيدة الفخار” التي غيرت قرية تونس

يُظهر فيلماً تسجيلياً بعنوان “راوية” أخرجته المصرية الراحلة عطيات الأبنودي في العام 1995 الفتاة راوية عبد القادر، إحدى بنات قرية تونس بالفيوم شمال صعيد مصر وهي تتعلم فنون الخزف والفخار مع  الفنانة التشكيلية السويسرية ايفلين بوريه التي وافتها المنية في الأول من حزيران/يونيو الجاري.

يكشف الفيلم الذي حاز جوائز عالمية ومحلية عديدة كيف نجحت بوريه في خلق كيان يساعد الريفيات على تغيير أقدارهم عبر الفن.

قالت راوية عبد القادر، بطلة الفيلم وهي الآن إمراة على مشارف الخمسين، ” كنت طفلة صغيرة عندما ساعدتني ايفلين على اللعب بالفخار مع ولديها ماريا وانجلو، ثم دعتني لتعلم حرفة الفخار وفن الخزف وبعدها تغيرت حياتي  إلى الأبد. لا أستطيع  اليوم تخيل أيامي بدونها.”

غيرت بوريه، التي شيعها مئات الفلاحين في قرية تونس نهاية الأسبوع الماضي، واقع القرية بحيث حولتها إلى واحدة من أهم وجهات السياحة الثقافية والفنية في مصربفضل المدرسة التي أسستها لتعليم فنون الفخار والخزف.

 قال محمد عبلة، مدير مركز الفيوم للفنون أحد المراكز الفنية التي برزت في القرية، “وهبت بوريه للقرية روحها التي تعيش بها الآن إذ نجحت في جعلها قبلة للفنانين والمثقفين من جميع أنحاء العالم”

الولع بمصر

انتقلت بوريه إلى للعيش في مصر قبل أكثر من 50عامًا بعد دراسة الفنون الزخرفية في جنيف، وزواجها من سيد حجاب، شاعر العامية المصرية الراحل. استمر الزواج لفترة قصيرة أقامت خلالها في القرية واستعملت أحد بيوتها كمرسم خاص. لاحقاً، ادت إلى بلادها لفترة وجيزة بعد انفصالها، وهناك تزوجت من مصمم الأزياء السويسري ميشيل بوريه وأصرت بعد زواجها منه على العودة  لمصر والاستقرار معه في قرية تونس التي أحبتها وربت طفلتها (ماريا) وابنها (أنجلو) فيها.

قالت عبد القادر بطلة فيلم عطيات الأبنودي وأبرز تلميذات بوريه ” لم تكن  الراحلة  امرأة تعيش في عزلة، بل كانت جزءاً من نسيج القرية، تأكل  مع الأهالي وتجلس معهم،وتسير مثلهم بأقدام حافية وتريد أن تعرف كل أسرار البيوت وتعمل على حل أزماتها.”

أما عن تجربتها في التعلم من بوريه، قالت “عندما أسست بوريه مدرستها لتعليم الفخار كنت أول فتاة تدرس معها والوحيدة أيضا. أنقذتني من الزواج المبكر وأصبحت في نظر الغالبية خارجة عن التقاليد وعندما سافرت معها  إلى  مارسيليا عدت لأجد كل نساء القرية يردن لبناتهن أن يكررن تجربتي.”

” لم تكن الراحلة امرأة تعيش في عزلة، بل كانت جزءاً من نسيج القرية، تأكل مع الأهالي وتجلس معهم،وتسير مثلهم بأقدام حافية وتريد أن تعرف كل أسرار البيوت وتعمل على حل أزماتها”

راوية عبد القادر
 بطلة فيلم عطيات الأبنودي وأبرز تلميذات بوريه

بعد نجاح عبدالقادر فى التعلم وكسب الرزق من الفخار توافد أبناء القرية على مدرسة بوريه،  التي اضطرت إلى تحديد عدد المقبولين في المدرسة  ونجحت راوية في تعليم أفراد أسرتها  قبل أن تتزوج من زميل شاركها تجربة العمل مع ايفلين

تمتلك عبدالقادر الآن ورشة كبيرة في القرية وعلامة تجارية وزبائن  يشترون أعمالها الخزفية من صالات العرض  التي تعمل معها وعرض أعمالها في مختلف أنحاء العالم.

قالت “أقنعت بوريه أهالي القرية بعملها الجاد وبفضل روحها المتسامحة ساعدت الجميع لذلك ستبقى سيرتها حية. فهي لم تغيرحياتي وحدي بل غيرت القرية كلها وعلمتني المصداقية والالتزام والحرص على الجودة.”

موهبة وروح استثنائية

تعتقد هبة حلمي، فنانة الخزف المصرية، أن بوريه فهمت “التركيبة النفسية للفلاحين” وكانت جزءاً من تفاصيل حياتهم اليومية. إذ كانت تتبادل معهم الزيارات ووصفات الطعام كما كانوا يلجأون لها  للحصول على وصفات لعلاج أمراضهم حيث كانت على دراية واسعة بالطب البديل والعلاج بالاعشاب ولذلك استطاعت أن تمثل مصدرا من مصادر الثقة والآمان.

قالت “عاشت كأي فلاحة رغم أن القرية حين جاءتها كانت تفتقر الى المياه والكهرباء لكنها كافحت  لأجل تغيير واقعها بشكل غير معتاد.”

من مراسم دفن ايفلين بوريه في مصر

بدوره، يعتقد عبلة أن بوريه لم تكن شخصية عادية، بل فنانة استثنائية لها روح المعلم.

قال”بفضل سعيها المتواصل لتعليم الفلاحين والأطفال فنون الخزف والفخار وتأسيس مدارس ارتفعت نسبة الإقبال على التعليم وارتفع مستوى المعيشة بالقرية بعد أصبح الخزف أحد مكونات الاقتصاد الإبداعي وتحولت القرية لوجهة للإقامة الفنية أو السياحة وهو ما ساهم كذلك في الارتقاء بالسلوك اليومي حيث تنعم القرية بدرجة من الرقي في التعامل مع الغرباء يندر أن توجد في قرى أخرى.”

أما بدر الرفاعي، الكاتب والمترجم المصري، فيقول إن سر نجاح بوريه يأتي من قدرتها على العمل بين البسطاء “تعاملت  الراحلة مع الناس بدون نزعات استشراقية ودون أي شكل من أشكال التعالي على الثقافة المحلية.”

ويؤكد الحاج عبد الستار عبد السميع، أحد الذين تعلموا فنون الخزف والفخار في مدرسة بوريه أن الراحلة كانت تغمره بحنان الأمهات لذلك فإن غيابها لا يمكن تعويضه.

قال “كنت ألعب مع أولادها عندما طلبت مني الالتحاق بالمدرسة وهناك تعلمت كل شيء الكتابة والقراءة والفن.” موضحاً أن بوريه زرعت الثقة في نفوس أبناء القرية “علمتنا أن أطفال الريف قادرين على الإبداع ورسخت في حياتنا قيما جديدة عن الالتزام والصراحة.”

“علمتنا أن أطفال الريف قادرين على الإبداع ورسخت في حياتنا قيما جديدة عن الالتزام والصراحة.”

الحاج عبد الستار عبد السميع
 أحد الذين تعلموا فنون الخزف والفخار في مدرسة بوريه

وداع رسمي ومحلي

ودعت السفارة السويسرية في مصر الراحلة في بيان رسمي وصفها بـ” الرائدة في خدمة المجتمع الإبداعي وتنمية المجتمع وأحد أعمدة الجالية السويسرية في مصر.” كما حيت وزارة التضامن الاجتماعي المصرية جهود بوريه وأكدت في بيان “أن القطاع الحرفي بأكمله لن ينسى الدور الكبير الذي لعبته الراحلة “

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

أما غادة والي، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة في فيينا، فقد كتبت على حسابها على موقع فيسبوك “فقدت مصر اليوم أحد محبيها الذين أخلصوا لها، وفقد العاملين في التنميه أحد رواد التنمية.

وخلافا لما هو معتاد لم يتم دفن جثمان الراحلة في مقابر السويسريين  في القاهرة، بل تم دفنها بحسب وصيتها في مقابر المسيحيين بإحدى القرى المجاورة لبحيرة قارون.

فيلم راوية لعطيات الأبنودي

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى