مقالات رأي

الرصاص الإسرائيلي ينهي أحلام وتعليم شاب فلسطيني

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

أكره فلسطين بقدر حبي لها. أريد مغادرة هذا المكان، لكنني أريد البقاء هنا إلى الأبد أيضًا. أصبح هذا التناقض الذهني كابوسي اليومي. لا أستطيع العيش بعيدًا عن وطني، لكنني لا أزال راغبة في المغادرة. أسعى للحصول على الحرية والأمان. أريد أن أتخلص من مخاوفي بشأن مستقبل ابنتي البالغة من العمر 10 أشهر. من المفترض أن تشعر بالأمان والاستقرار في منزلك. بالنسبة للفلسطينيين، لا يمكن تحقيق هذا الحلم.

رائحة الدم والموت والغاز المسيل للدموع هي الأشياء الوحيدة التي عشتها منذ الطفولة، فصراخ وبكاء المعزين أصواتًا أسمعها يومياً. في 17 أيار/ مايو، كنتُ أحاول الاستمتاع بالقهوة مع أصدقائي. لكن رائحة الغاز المسيل للدموع أفسدت ذلك، بسماعنا صوت ثلاث طلقات مدوية. سمعنا الصوت بوضوح. أغلقنا النافذة، في محاولة لفصل أنفسنا عن الواقع الخارجي.

سمعت صوت إشعارات من هاتفي. كانت جميع الرسائل تتحدث عن أحد الشهداء. ثم تلقيت رسالة تفيد بأن الشهيد هو ابن عمي عبيدة. بدأت حالة الإنكار. ماذا؟ كيف؟ و لماذا؟ اتصلت بوالدي. أكدّ والدي الخبر وقال إن جنود الاحتلال قد قتلوا عبيدة بإطلاق ثلاث رصاصات عليه في منطقة الصدر.

خلال حياته القصيرة، اُعتقل عبيدة (17 عاما) ثلاث مرات بتهمة رشق الحجارة وهي تهمة شائعة بحق الأطفال الفلسطينيين الذين اعتقلهم جنود الاحتلال في الضفة الغربية.

خلال حياته القصيرة، اُعتقل عبيدة (17 عاما) ثلاث مرات بتهمة رشق الحجارة وهي تهمة شائعة بحق الأطفال الفلسطينيين الذين اعتقلهم جنود الاحتلال في الضفة الغربية.

لم يعتد عُبيدة أبدًا على أساليب التدريس التقليدية في المدارس الفلسطينية، وكان يتطلع دائمًا إلى تطوير مهاراته العملية. في عام 2016، قررت وزارة التربية والتعليم في فلسطين إنشاء قسم للتعليم المهني والتقني في المدارس الفلسطينية لمساعدة الطلاب على اكتشاف مهاراتهم وتوجهاتهم المهنية، وكان عبيدة أحد هؤلاء الطلاب الذين التحقوا بالبرنامج الجديد، مع التركيز على الطهي.

انضم عُبيدة، الشيف الموهوب، إلى قسم الطبخ المهني في بيت ضيافة تاليثا كومي في بيت لحم وكان من المفترض أن يتخرج في غضون أشهر. لكن الرصاصات الثلاث أنهت حياته.

شارك عبيدة تجربته كطفل في فيلم قصير من إنتاج حركة الدفاع عن أطفال فلسطين وإخراج ماثيو كاسيل. وقد كتبت صحيفة الغارديان وغيرها من المؤسسات الإخبارية عن الفيلم وتجربة الشاب.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

إلى متى يتوجب عليّ أن أعيش في خوف من إمكانية أن تغادر ابنتي أو أي فرد من أفراد عائلتي المنزل من دون أن يعودوا أبدًا؟ إلى متى يتوجب عليّ رؤية عمي وزوجته يموتان كل يوم، حدادًا على وفاة شاب استثنائي؟

في اليوم الحادي عشر من الاعتداءات على غزة، وبحسب وزارة الصحة في غزة، قُتل 63 طفلاً من أصل 219 شخصًا. وكان هناك طفلان بين القتلى العشرة في إسرائيل.

منذ اليوم الأول للاعتداءات على غزة، توقفت الحياة؛ لا مدارس، ولا جامعات، ولا حياة. كنا نمسك هواتفنا طوال اليوم لمتابعة الأخبار – إخلاء حي الشيخ جراح، والاشتباكات في الضفة الغربية والقصف الشديد على غزة.

أعاد الهجوم على غزة ذكريات طفولتي. أتذكر عندما كنتُ في العاشرة من عمري، وكيف أرعبني ضجيج الطائرات. كنت أعلم أنهم كانوا يجلبون الموت لنا. في الوقت الحاضر، ما زلتُ أشاهد الطائرات تحلق فوق منزلي وأنا أحمل ابنتي بين ذراعي. أذهلها الصوت. نظرت إلى السماء وهي تشير إلى الطائرة مبتسمة. لم أستطع أن أخبرها أن تلك الطائرة يمكن أن تقتلنا في أية لحظة.

لا أريد أن تشعر ابنتي بالخوف من الذهاب إلى مدرستها، أو أن أتصورها تستنشق رائحة الغاز المسيل للدموع أو تشاهد الجنود الإسرائيليين يقتحمون مدرستها كما حصل معي عندما كنت في المدرسة.

أتساءل إن كانت هذه الفوضى ستنتهي بموتنا كما حدث مع عُبيدة؟

إن الاضطراب المتكرر، وحالة الشلل، في حياتنا أمرٌ مثير للسخط. فجأة، يصبح كل شيء عالقا. لا يمكننا التحرك أو الدراسة أو العمل أو القيام بأي شيء. علينا فقط الاكتفاء بمشاهدة القتل والدمار الواسع النطاق في فلسطين.

لا أريد أن تشعر ابنتي بالخوف من الذهاب إلى مدرستها، أو أن أتصورها تستنشق رائحة الغاز المسيل للدموع أو تشاهد الجنود الإسرائيليين يقتحمون مدرستها كما حصل معي عندما كنت في المدرسة.

لا أريد أن يتعطل تعليمها بسبب الهجمات أو الحداد أو الاشتباكات. يتعرض الشباب الفلسطيني للعنف كل يوم، ويؤثر العنف عليهم نفسيا. فوّت بعض أصدقائي المواعيد النهائية للاختبار النهائي. وكان من غير الوارد الاحتفاظ بقدرتهم على الدراسة والتركيز.

وسواء أتخرجوا أو لا، يواجه العديد من الشباب الفلسطيني مستقبلاً تنعدم فيه الوظائف والبيئة المستقرة. وفقًا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغت نسبة بطالة الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين الـ 18 و28 حوالي 40 بالمئة في العام الماضي.

المستقبل في فلسطين غير واضح، والأمر يزداد ضبابية بمرور الوقت.

أسماء جوابرة صحافية فلسطينية ومعيدة في كلية بارد القدس.

أتمنى فقط أن تكون حياة ابنتي مختلفة تمامًا عن حياتي. أريد لها الحق في الحرية والانتقال والتعليم بدون رائحة الدموع ونحيب المعزّين.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى