أخبار وتقارير

أساتذة الجامعات في لبنان ضحايا نظام عمل جائر

ملاحظة المحرر: يأتي التقرير أدناه ضمن ملف من أربعة تقارير حول المزايا الوظيفية التي يتمتع بها أساتذة الجامعات الحكومية والخاصة في ١١ دولة عربية. للإطلاع على التقرير الرئيسي، الرجاء الضغط هنا.

يعتقد البعض أن قطاع التعليم العالي في لبنان، والذي يبلغ عدد سكانه ستة ملايين نسمة، يستقطب الكثير من الكفاءات المحلية المؤهلة للالتحاق بهيئة التدريس خاصة مع وجود أكثر من 40 جامعة في البلاد. لكن الواقع يخالف ذلك تماماً في ظل تفاقم معاناة أساتذة الجامعات في السنوات الأخيرة لاسيما منذ الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تجتاح البلاد منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019. تسبب التضخم الهائل وانخفاض قيمة الليرة اللبنانية وندرة العملة الأجنبية إلى إجبار العديد من المؤسسات على خفض الرواتب وإلغاء المزايا الوظيفية وتسريح الموظفين. (اقرأ التقرير ذو الصلة: أزمة مزدوجة تعصف بالطلاب والجامعات في لبنان).

تشعر هالة عوجي، أستاذة تاريخ الفن المساعد في الجامعة الأميركية في بيروت، بأنها في وضع جيد، على عكس الزملاء الذين يعملون بدوام جزئي وبعقود غير قابلة للتجديد.

قالت “أعمل في منصب عضو هيئة تدريس دائم، وهو ما يمنحني عقداً أطول مدته تصل إلى 3-4 سنوات قابلة للتجديد بعد انقضاء السنوات الأربع الأولى.”

فقدت الليرة اللبنانية نحو 80 بالمئة من قيمتها، مما أثر سلباً على أعضاء هيئة التدريس في الجامعة الأميركية في بيروت، الذين كانوا يتقاضون رواتبهم بالعملة المحلية. تحظى عوج، بصفتها عضو هيئة تدريس بدوام كامل، بحزمة من الامتيازات الجذابة والتي تشمل تغطية التأمين الصحي لها ولأسرتها، ومزايا تعليمية لأطفالها، وإعانة سكنية مؤقتة، كما يحق لها الحصول على خطط التقاعد.

قالت “بالنسبة لي ولمعظم زملائي، ممن يعيلون أسرهم، فإن إحدى المغريات للحصول على وظيفة بدوام كامل في الجامعة الأميركية في بيروت هي حزمة المزايا، والتي تعتبر سخية إلى حد ما، خاصة عند مقارنتها بمثيلاتها في الجامعات المحلية والدولية الأخرى.”

خلال العام الدراسي 2020-2021، منحت الجامعة أعضاء هيئة التدريس المتفرغين جزءاً من رواتبهم بالدولار الأميركي. مع ذلك، لا يبدو واضحاً ما إذا كان سيتم الاستمرار في ذلك في العام الدراسي المقبل أم لا.

الجامعة اللبنانية ترزح تحت ضغط هائل

لا ينطبق الشيء ذاته على أعضاء هيئة التدريس غير المتفرغين. إذ تعمل ريا بدران على تدريس الفن المعاصر على مدار السنوات السبع الماضية على أساس عدم التفرغ.

قالت “لم تكن ظروف العمل للمدرسين بدوام جزئي مثالية بالفعل، ولكن من الواضح أنها ساءت بدرجة كبيرة مع انخفاض قيمة العملة. حيث انخفضت قيمة رواتبنا بشكل كبير إلى أقل من 200 دولار شهرياً. في حين يتم تجديد عقودنا كل فترة، الأمر الذي يضعنا في موقف مضطرب ومتأرجح للغاية، لأنه بإمكان الجامعة الأميركية في بيروت عدم تجديد هذه العقود في أي وقت شاءت.” (اقرأ التقرير ذو الصلة: الأزمة الاقتصادية تعصف بمستقبل أساتذة الجامعات في لبنان).

“لم تكن ظروف العمل بدوام جزئي مثالية بالفعل، ولكن من الواضح أنها ساءت بدرجة كبيرة مع انخفاض قيمة العملة. حيث انخفضت قيمة رواتبنا بشكل كبير إلى أقل من 200 دولار شهرياً.”

ريا بدران
عضو هيئة تدريس متفرغة تدرس الفن المعاصر

يشعر موظفو الجامعة اللبنانية، وهي الجامعة الحكومية الوحيدة في البلاد والتي تأسست في عام 1951 وتضم 16 كلية في جميع أنحاء البلاد، بالأزمة المالية والاقتصادية بشكل أكبر. كما  تأثرت الجامعة بسبب الإضرابات والاحتجاجات التي قام بها أعضاء هيئة التدريس لسنوات. وقد كان التوظيف بدوام كامل للأساتذة التعاقديين وتعيين الأساتذة المتفرغين أمراً متكرراً منذ أوائل التسعينيات، إلا أن المظالم والشكاوى ظلت بلا استجابة بل إنها تفاقمت مع الأزمة الاقتصادية. (اقرأ التقرير ذو الصلة: لا أساتذة جدد.. الجامعة اللبنانية في خطر).

يتقاضى الأساتذة المتعاقدون في الجامعة اللبنانية رواتبهم بالساعة، بينما يتقاضى الأساتذة بدوام كامل رواتب شهرية على أساس عقود قابلة للتجديد تلقائياً بشكل سنوي، في حين أن أعضاء هيئة تدريس غير الدائمين لديهم عقود مفتوحة.

من جهة أخرى، فإن التعيينات في الجامعة تعتمد على الانتماء السياسي والديني – وهو نظام يحدد الاستقرار الوظيفي للأفراد والإنجازات الأكاديمية والمنح البحثية والوصول إلى المسؤوليات الإدارية والأكاديمية. ويعكس النظام حالة التبعية والسيطرة التي فرضتها الطبقة السياسية اللبنانية على أعضاء هيئة التدريس في الجامعة اللبنانية منذ نهاية فترة الحرب الأهلية في عام 1990، إلى جانب التأثير السلبي على جودة التعليم.

عمل زياد أبو علوان، البالغ 63 عاماً، لمدة 18 عاماً على أساس عقد بالساعة قبل الحصول على وظيفة بدوام كامل.

قال علوان، والذي يعمل اليوم أستاذاً مشاركاً في كلية الفنون الجميلة والعمارة بجامعة لندن، “كنت محظوظاً بالحصول على عقد دائم بعد ثلاث سنوات لأن الحكومة فتحت الباب للترقية وأنا أنتمي إلى الطائفة ذات الصلة اللازمة لضمان التوازن الطائفي. ويصل بعض المعلمين إلى سن التقاعد البالغ 64 عاماً ولا يزالون يعملون على أساس عقد بالساعة.”

“كنت محظوظاً بالحصول على عقد دائم بعد ثلاث سنوات لأن الحكومة فتحت الباب للترقية وأنا أنتمي إلى الطائفة ذات الصلة اللازمة لضمان التوازن الطائفي. ويصل بعض المعلمين إلى سن التقاعد البالغ 64 عاماً ولا يزالون يعملون على أساس عقد بالساعة.”

زياد أبو علوان
أستاذا مشاركاً في كلية الفنون الجميلة والعمارة بجامعة لندن

إضرابات دون جدوى

يتمتع أعضاء هيئة التدريس في الجامعة اللبنانية بدوام كامل ومسار دائم بامتيازات من خلال صندوقهم المشترك، بما في ذلك تغطية صحية أفضل من موظفي الدولة الآخرين، فضلاً عن تمويل التعليم العالي المعفى من الضرائب لأبنائهم ورواتب التقاعد.

لكن  أعضاء هيئة التدريس المتفرغون يخشون من فقدانهم للكثير من هذه المزايا مع الاقتطاعات المقترحة في ميزانية الجامعة بموجب سياسة الحكومة للتقشف الاقتصادي.

ويعمل الغالبية العظمى من أساتذة الجامعة اللبنانية منذ سنوات على أساس تعاقدي بالساعة. وقد راقب أعضاء هيئة التدريس إضراباً لمدة أربعة أسابيع في فبراير في آخر أعمالهم الاحتجاجية المتكررة.

قال أنطوان عواد، المحاضر في كلية الفنون الجميلة والعمارة بالجامعة اللبنانية، “نشعر أننا نتعرض للاستغلال. أنا أقوم بإلقاء المحاضرات لمدة 11 عاماً على اساس التعاقد بالساعة على أمل الحصول على عقد بدوام كامل، ولكن دون جدوى.”

https://www.bue.edu.eg/

يتابع عواد بخيبة أمل “كوني مسيحياً مارونياً، فأنا أعمل في الفرع الذي يهيمن عليه الشيعة، ومن ثم فليس لدي أي فرصة للترقية. وللأسف، فإن الجامعة اللبنانية هي نموذج مصغر للبنان. حيث تنظم الانتماءات الطائفية والسياسية عمليات التوظيف والترقية بما يتماشى مع المحاصصة الطائفية. ولذلك، لا طموح أو أمل في التقدم إلا إذا كنت في الفرع المختص بطائفتك.”

لا يحصل الموظفون المتعاقدون على أي من المزايا المقدمة للمدرسين العاملين بدوام كامل وذوي المسار الدائم. حيث يتعين عليهم تجديد عقودهم بشكل سنوي وتقديم ما لا يقل عن 175 ساعة تدريس سنوياً. وقد يضطرون إلى تدريس ما يصل إلى 350 ساعة حسب الحاجة، ولكن لا يتم تعويض ساعات العمل الإضافية لهم بأية أجور.

الهجرة هي الحل

انخفض متوسط دخل المدرسين التعاقديين في الساعة البالغ 68 ألف ليرة من 42 دولاراً أميركياً إلى أقل من 6 دولارات أميركية في القيمة، وذلك بالتزامن مع انخفاض قيمة الليرة اللبنانية.

“كوني مسيحياً مارونياً، فأنا أعمل في الفرع الذي يهيمن عليه الشيعة، ومن ثم فليس لدي أي فرصة للترقية. وللأسف، فإن الجامعة اللبنانية هي نموذج مصغر للبنان.”

أنطوان عواد
المحاضر في كلية الفنون الجميلة والعمارة بالجامعة اللبنانية

قال عواد “لقد تم الضغط علينا إلى أقصى مدى. وسيبحث الكثيرون، بمن فيهم أنا، عن وظائف في الخارج بمجرد أن تتاح لنا الفرصة.”

وفي ظل غياب النقابات العمالية، أنشأ أساتذة الجامعات جمعيات للضغط من أجل الحصول على حقوقهم. كما أن رابطة الأساتذة المتفرغين ولجنة المعلمين التعاقديين في الجامعة اللبنانية غير فعالة إلى حد كبير.

قال أبو علوان “تسيطر عليها الأحزاب السياسية وتعرقل أعمالهم المشاحنات والانقسامات السياسية.”

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

في الجامعة الأميركية في بيروت، يعتبر اتحاد الكلية، وهو جمعية يقودها أعضاء هيئة التدريس، بمثابة منتدى لأعضاء هيئة التدريس لمناقشة القضايا المتعلقة بالحوكمة المشتركة والرواتب وظروف عمل أعضاء هيئة التدريس.

قالت عوجي “لا يوجد حالياً نقابة ذات نفوذ كاف لضمان حماية حقوق أعضاء هيئة التدريس في أي مؤسسة لبنانية للتعليم العالي،” وأضافت “وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك حاجة ماسة، لا سيما بالنظر إلى الظروف الأليمة التي يعيشها لبنان اليوم، لتأسيس نقابة لضمان تحقيق الأجور العادلة والمساواة، وتعديلات الرواتب لمواجهة التضخم المفرط، والحق في الحصول على المزايا، والحماية العامة لأعضاء هيئة التدريس من ظروف العمل غير العادلة.”

https://www.bue.edu.eg/
Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى