مقالات رأي

“حظر نشر” رواية تستحضر شهرزاد لمواجهة التحرش

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

يستعير الروائي المصري هيثم دبور في عنوان روايته الجديدة “حظر نشر” أحد أبرز المُصطلحات المُرتبطة بعالم الصحافة والمطبوعات ويقتحم عالماً مسكوت عنه مجتمعياً خاص بقضايا التحرش بالنساء في أماكن العمل.

صدرت الرواية مؤخراً عن دار الشروق المصرية، وعبر أحداثها يخلق الكاتب مُستويات زمنية مُتعددة تعالج فكرة البوح كسبيل للخلاص والحصول على الحقوق المُستلبة ومقاومة التواطؤ المجتمعي.

يستهل الكاتب سرده من داخل أروقة قصور عالم “ألف ليلة وليلة”، حيث تبدأ أول مشاهد الرواية بصوت “شهرزاد” التي وقعت لتوّها فريسة الملك “شهريار” الذي تقدمه الرواية كملك يُعوّض عجزه وبؤسه بتعذيب جارية جديدة كل ليلة، ضمن دائرة موصولة من الكراهية والجنون.

تقع الرواية في 294 صفحة، وتستند على حيّل الحكي التي أنقذت شهرزاد من براثن الملك عبر قيامها بسرد الحكايات حتى مطلع كل فجر، فاستطاعت إغواءه بالترقب المُثيرليلة بعد ليلة.

يمهّد حضور شهرزاد في الرواية الطريق لحكاية أخرى لها طابع معاصر، إذ يُطل “شهريار” بوجهه القبيح كملكٍ مُغتصب، حيث ينتقل السرد بين العالم التراثي، وعالم آخر مُعاصر بطلته الرئيسية هي “منى”، التي يرسم العمل ملامح تفوقها العلمي وكفاءتها التي رشحتها للعمل كمُتحدثة إعلامية لإحدى الوزارات في مصر دون أن  يرد اسم الوزارة على مدار الرواية.

إلا أن بطلة الرواية تتعرض لحادث تحرش تتهم فيه الوزير المسؤول في الوزارة، وتلجأ لاستخدام الإعلام الذي تُمثله كوسيلة لفضح فعل التحرش. وترسل بيانات إعلامية للصحف حول ما تعرضت له من الوزير.

تقع الرواية في 294 صفحة، وتستند على حيّل الحكي التي أنقذت شهرزاد من براثن الملك عبر قيامها بسرد الحكايات حتى مطلع كل فجر، فاستطاعت إغواءه بالترقب المُثيرليلة بعد ليلة

مسرح مُعاصر وأبطال من التاريخ

يظهر انحياز منى من البداية للشجاعة والتدوين، وعدم التقليل من واقعة التحرش رغم الضغوط المُجتمعية، فيصير بيانها حول واقعة التحرش طوق نجاة كالذي استعانت به شهرزاد قبلها من آلاف السنوات عندما قررت أن تكتب عن الملك “شهريار” المُغتصب للنساء.

مع تقدم السرد يتجلى الخيط الرابط بين حيّوات أبطالها المُتفرقة، مُعاصرة كانت أو تُراثية، تجمعهم قوة الحكاية كرد فعل على الاستضعاف، تجعل الرواية من “ألف ليلة وليلة” مسرحًا أقل بهجة من الصورة النمطية التي رسّختها المُعالجات الدرامية حول صورة الحب الساحرة التي تجمع بين شهرزاد وملكها، وأسس فوق أطلال تلك المملكة الخيالية سرده المعاصر.

Harassment
صدرت رواية “حظر نشر” عن دار الشروق المصرية باللغة العربية.

ونجد أصداء صناعة “الترند” في الرواية، حيث تنأى البطلة بقضيتها من أن تتحول لسلعة مؤقتة تتلقفها الصفحات، وتسعى لصيغة جادة لتناولها بعيدًا عن الضجيج المُزيف الذي سرعان ما يخبو سريعًا: “تنظر منى إلى الشارع، لا تريد أن تكون محور اهتمام المارة لساعات، يخفت بعدها اهتمامهم بقضيتها بعد صعود حدث آخر يطرأ على السطح.

تغلق البطلة حساباتها على كل مواقع التواصل الاجتماعي، فهي لا تريد ذبُابه المُزيف، ولجانه المصنوعة، وآراء من يجلسون في مقاعدهم لتأمل العالم عبر الشاشات”.

الطبعة الأولى

إلى جوار حادثة الاغتصاب، يتضافر في الرواية خيط سردي ثالث يستلهم سيرة تاريخية حقيقية للشيخ عبد الرحمن الصفتي الشرقاوي، العالِم الأزهري الذي عُهدت إليه مهمة تصحيح أول نسخة مطبوعة من “ألف ليلة وليلة” يقررها محمد علي باشا والي مصر(1805- 1848 م) نشرها في المطبعة البولاقية التي أدخلت لأول مرة فن الطباعة إلى مصر.

تسرد الرواية ما أحاط بهذا الشيخ من اتهامات طلبة الأزهر في هذا الوقت بالفجور، بسبب قبوله مهمة تصحيح الكتاب باعتباره كتابًا تراثيًا مليئًا بالحكايات الجريئة الفاضحة.

ويُحسب للكاتب تتبع السيرة المطمورة للشيخ عبد الرحمن الصفتي، التي صاغها على لسان أحد طلابه المُخلصين وهو الشيخ محمد عيّاد الطنطاوي الذي يسرد علاقته بشيخه الصفتي وتقديره لدوره في تصحيح أحد أبرز كتب التراث الحكائي: “يتناول الطنطاوي المخطوط الضخم، يفر أوراقه، ينظر إلى خط شيخه المُنمق المرسوم، تقع عيناه على صفحات الطبعة التي تنتظرها مطبعة بولاق لتكون النسخة الأولى المصرية الكاملة من (كتاب ألف ليلة وليلة)”.

تغلق البطلة حساباتها على كل مواقع التواصل الاجتماعي، فهي لا تريد ذبُابه المُزيف، ولجانه المصنوعة، وآراء من يجلسون في مقاعدهم لتأمل العالم عبر الشاشات.”

إيقاع القضية

تُبرز الرواية كيف استمرت “حكايات ألف ليلة وليلة” بعد مئات السنوات هدفًا لقوى تستهدف منع إعادة طباعتها، عبر ربطها في تجاور سردي مع قضية معاصرة تقدمها أزمة البطلة “منى” مع الوزير، وصولًا لصدور قرار قضائي يفرض على قضيتها “حظر نشر” فيُمنع بحكم هذا القرار تداولها إعلاميًا حتى البت القضاء في أمرها.

يضع الكاتب عراقيل أمام نشر “منى” لقصتها في الصحافة، ما بين ضغوط اجتماعية وأسرية، وأخرى تتعلق بحساسية اتهام وزير في الدولة بالتحرش الجنسي. ويُكثّف الكاتب أحداث المواجهة الزمنية بين منى والوزير المُتهم خلال فترة خمسة أيام فقط تتقاطع خلالهما الأحداث والأبطال ما بين داعمين لمنى في قضيتها وبين فريق يسعى للتشكيك في روايتها.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

ويظهر النص الروائي خلفية الكاتب هيثم دبور في ممارسة العمل الصحفي لعدة سنوات، قبل أن يتفرغ لكتابة سيناريوهات لعدد من الأفلام السينمائية منها “فوتوكوبي” و”عيار ناري” و”وقفة رجالة”.

وحققت روايته الأولى “صليب موسى” اهتمامًا جماهيريًا ونقديًا، علاوة على أعماله في القصة القصيرة، كما حصل على جائزة الشاعر “أحمد فؤاد نجم” لشعر العامية عام 2014 عن ديوانه ” يأكلهن سبع عجاف”.

لقراءة المزيد عن نزعة التزام الصمت حيال التحرش بالمرأة في العالم العربي، راجع المقالات التالية من الفنار للإعلام:

حملات إلكترونية تكشف ضعف سياسات حماية النساء من التحرش في الجامعات المصرية

قضية طارق رمضان وتكميم أفواه النساء المسلمات

استطلاع: حالات تحرش متكررة في الجامعات الأردنية

التحرش الجنسي بالجامعات.. صمت وإنكار وخوف من الفضيحة

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى