أخبار وتقارير

شاهنده كريم: رحيل ذاكرة العمارة الإسلامية

القاهرة  –بعد مسيرة أكاديمية امتدت لأكثر من ثلاثة عقود تنقلت خلالها شاهنده كريم، أستاذة علم المصريات والعمارة الإسلامية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، بين الحقب التاريخية المختلفة لتتبع مراحل تطور العمارة الإسلامية، رحلت عن عالمنا في الثالث من آب/ أغسطس الجاري.

 ونعى قسم الحضارات العربية والإسلامية في الجامعة الأميركية الراحلة في بيان رسمي ووصفها “بالزميلة المخلصة المتفانية في عملها، والتي دفعت أجيالاً من طلاب الجامعة إلى الثقافة المادية لمصر والعالم الإسلامي من خلال دوراتها الدراسية.”

 بدأ المسار الأكاديمي لكريم، التي تأثرت في شغفها بتاريخ العمارة الإسلامي بوالدها المعماري الرائد سيد كريم، عقب حصولها على درجة البكالوريوس في قسم الحضارات العربية والإسلامية من الجامعة الأميركية. تخصصت كريم في دراسة العصر المملوكي وعمائر أمراء السلطان الناصر محمد ابن قلاوون في مدينة القاهرة، والتي حصلت فيها على شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة عام 1987.

أكاديمية استثنائية

قالت جيهان رضا، أستاذة تاريخ العمارة والفن الإسلامي بالجامعة الأميركية بالقاهرة في مقابلة هاتفية، “كانت شاهنده أكاديمية استثنائية في كل شيء تفعله. وجمعت الكثير من الصفات المتميزة، كالشغف الدائم بدراساتها، والابتكار في طرق التدريس، فضلاً عن جانب إنساني يتمثل في احترام الطلبة وإتاحة الوقت لهم بصبر وحب، ودعمهم دوماً في مساراتهم المهنية.”

لاحقاً، تطورت علاقة رضا مع الأكاديمية الراحلة من طالبة ماجستير في قسم العمارة الإسلامية عام 1994 إلى زميلة وصديقة لها في نفس قسم الحضارات العربية والإسلامية بالجامعة الأميركية في القاهرة خلال السنوات الأخيرة .

تميزت الأكاديمية الراحلة بقدرتها على شرح تطور العمارة الإسلامية منذ نشأتها في الجزيرة العربية مروراً بالمناطق والبلاد الإسلامية المختلفة، بحسب رضا، التي أوضحت أنها نجحت في مساعدة طلابها في القدرة على التمييز ليس فقط بين طراز العصور المختلفة، ولكن أيضا عوامل البعد الجغرافي وتأثير الموروث المعماري في كل منطقة على نمط مبانيها خلال مختلف مراحل الدولة الإسلامية.

كانت شاهنده أكاديمية استثنائية في كل شيء تفعله. واجتمعت فيها صفات: الشغف الدائم بدراساتها، والابتكار في طرق التدريس، فضلاً عن جانب إنساني يتمثل في احترام الطلبة وإتاحة الوقت لهم بصبر وحب، ودعمهم دوماً في مساراتهم المهنية.”

جيهان رضا
أستاذة تاريخ العمارة والفن الإسلامي بالجامعة الأميركية بالقاهرة

بدورها، تعتقد هند مصطفى، مؤسس منظمة النديم للتراث والتنمية، أن إجادتها للغات الأجنبية المتنوعة جعل نظرتها للعمارة دوماً ثلاثية الأبعاد بالعودة للمراجع بهذه اللغات لتوثيق تاريخ العمارة في المراحل التاريخية التي تكتشفها.

نهج جديد لتدريس العمارة الإسلامية

خلال سنوات التدريس في الجامعة الأميركية بالقاهرة، اتبعت كريم نهجا جديداً في التدريس يتمثل في اصطحاب الطلبة أسبوعياً في رحلات – سيرا على الأقدام- في شوارع المدينة القديمة للعاصمة المصرية ليتابعوا تطورها المعماري خلال الحقب الإسلامية المختلفة.

يصف سيف الرشيدي، الباحث في تصميم المدن وتاريخ الفن والعمارة الإسلامية وأحد طلابها السابقين، الراحلة بكونها”أيقونة” في تاريخ العمارة الإسلامية، وعلامة مميزة لكل من تتلمذ على يديها أو تشارك معها في تجربة عمل.

قال الرشيدي، الذي يشغل منصب مدير مؤسسة بركات البريطانية المهتمة بدعم وتشجيع دراسة وحفظ الفن والتراث والعمارة والثقافة الإسلامية، “نشعر بالحزن الشديد ليس فقط لخسارة أكاديمية متميزة ولكن لخسارة إنسانة عظيمة أيضاً.”

ويضيف الرشيدي أن علاقته بكريم ساهمت في تشكيل وعيه بضرورة القراءة عن المباني ليس من أجل النظر إليها، ولكن لفهم مراحل تطورها عبر التاريخ والمجتمعات التي أنتجتها.

“نشعر بالحزن الشديد ليس فقط لخسارة أكاديمية متميزة ولكن لخسارة إنسانة عظيمة أيضاً.”

سيف الرشيدي
الباحث في تصميم المدن وتاريخ الفن والعمارة الإسلامية

يتفق محمد عماد فتيح، الباحث في مركز العمارة الإقليمي بالجامعة الأميركية في القاهرة مع الرشيدي على الحضورالطاغي لكريم خلال تدريسها لطلابها إلى جانب تمكنها من أدوات البحث والتحليل في موادها العلمية.

قال فتيح، والذي تعرف عليها خلال دراسته في ماجستير تخصص العمارة والفن الإسلامي في عام 2018، إن الأكاديمية الراحلة كانت تتميز ب”السرد الممتع” خلال محاضراتها الذي ساهم في تحويل موضوعات الدراسة حول تاريخ العمارة لسيناريو فيلم.

العمارة العثمانية: الحلقة الأخيرة من رحلة غنية

خلال العقد الأخير من مسيرة كريم، تغيرت اهتماماتها البحثية في مجال العمارة من العصر المملوكي إلى العمارة الدينية في العهد العثماني وتطوراتها وأنواعها من السلطان سليم حتى نابليون، وذلك بعد اكتشافها غياب مرجع واحد يحوي مباني هذه الحقبة في مصر، ويشرح السياقات الاجتماعية والاقتصادية لهذا التراث خلال هذه الفترة التاريخية. (اقرأ المقال ذو الصلة: العمارة الحديثة في القاهرة: كنز ينتظر الاكتشاف).

وبعد سنوات طويلة من التقصي في شوارع القاهرة لتتبع تاريخ تطوير العمارة العثمانية، سجلت الأكاديمية الراحلة كافة خبراتها ودراساتها خلال عقدها الأخير في دراسة موسعة بعنوان “القاهرة العثمانية: العمارة الدينية من عهد السلطان سليم حتى نابليون”، والتي ستصدر عن دار نشر الجامعة الأميركية في القاهرة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل .

“إن هذا الاهتمام يعد “نادراً” في الأوساط الأكاديمية، حيث يتم عادة التغاضي عادة في الدراسات البحثية عن العمارة العثمانية في القاهرة لصالح المباني الأكثر شهرة من فترات سابقة.”

جوناثان بلوم
أستاذ الفن الآسيوي والإسلامي في جامعة بوسطن الأميركية

قال جوناثان بلوم، أستاذ الفن الأسيوي والإسلامي في جامعة بوسطن الأميركية، في مقابلة عبر البريد الإلكتروني “إن هذا الاهتمام يعد نادراً في الأوساط الأكاديمية، حيث يتم عادة التغاضي في الدراسات البحثية عن العمارة العثمانية في القاهرة لصالح المباني الأكثر شهرة من فترات سابقة.”

ضمت أبرز دراسات الأكاديمية الراحلة “المسجد المملوكي للأمير حسين: إعادة إعمار” و”آثار الجمالية” و”مسجد أسلم البهائي في القاهرة” و”مسجد الأمير قيسون بالقاهرة”و”مسجد ألماس الحاجب في القاهرة”.

وكشفت كريم في كتابها الأخير عن الكيفية التي قام بها الرعاة والبناؤون المصريون في تلك الفترة بدمج الأنواع والتقنيات المحلية بشكل خلاق مع أفكار وأشكال جديدة والتي غالباً ماتكون أجنبية، مما أضاف إلى السجل المعماري الفريد والغني بالفعل في القاهرة، بحسب بلوم .

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

قالت رضا “يعترينا جميعا الحزن الشديد لعدم تواجدها معنا للاحتفال بهذا الإنجاز العلمي وجهود سنين طويلة كللتها بهذا الكتاب، الذي أصبح خير خاتمة لحياة مهنية ثرية وبراقة.”

Countries

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى