أخبار وتقارير

عمران القيب: طموحاتنا كبيرة رغم قلة الموارد

تعيش مؤسسات التعليم العالي في ليبيا أوضاعاً مضطربة منذ اندلاع الثورة التي أطاحت بمعمر القذافي عام 2011، وما تلاها من انقسامات في المؤسسات الرسمية بين الشرق والغرب الليبي وتردي الوضع الاقتصادي وأخيراً  انتشار وباء كوفيد-19.

لكن بعض التغييرات الإيجابية بدأت تلوح بالأفق خاصة مع تسلم حكومة الوحدة الوطنية الليبية الجديدة السلطة بشكل رسمي منتصف أذار/مارس الماضي، تمهيداً لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في نهاية العام الجاري. أنهى انتخاب السلطة المؤقتة انقساماً شهدته البلاد منذ عام 2015 بين الشرق مقر البرلمان المنتخب المدعوم من الجيش الوطني الليبي، والغرب مقر حكومة الوفاق المعترف بها دولياً سابقاً.

في ظل كل هذا، يعمل عمران القيب، وزير التعليم العالي والبحث العلمي بحكومة الوحدة الوطنية الليبية على مواجهة تحديات كبيرة مازالت تعيق العملية التعليمية كتردي الأوضاع المالية للأساتذة، وضعف ميزانية الوزارة وضرورة تطوير الخدمات التعليمية للجامعات الليبية وضبط جودتها.

قال القيب خلال مقابلة مع الفنار للإعلام عبر الإنترنت “ورثنا تركة ثقيلة من المشاكل والعراقيل التي نحاول جاهدين تذليلها بما يضمن إصلاح العملية التعليمية ويحقق آمال وتطلعات الليبيين.”

يوجد داخل ليبيا، البلد الغنية بالنفط، نحو 14 جامعة حكومية تتوزع على مدن مختلفة، بالإضافة إلى أكاديمية للدراسات العليا تتوزع فروعها في الكثير من المناطق. بينما يصل عدد الجامعات الخاصة في ليبيا إلى 19 جامعة، من بينها 7 جامعات فقط حاصلة على الاعتماد من المركز الوطني لضمان الجودة. (اقرأ التقرير ذو الصلة: تصنيف محلي لتعزيز مفهوم جودة التعليم في الجامعات الليبية).

ويبلغ عدد طلاب الجامعات نحو 402,392 ألف، تمثل نسبة الطالبات منهم 52.70 في المئة للعام الدراسي 2020/2021، بحسب الوزير الليبي.

الجودة أولاً

بدأ الوزير الليبي مهامه برصد مؤشرات التعليم الجامعي والتغيرات التي طرأت عليها لغرض تقييمها ومتابعتها وتحديد مواطن الضعف والقوة بما يساعده لاحقاً على تصميم برامج لإصلاح وتصحيح مسار التعليم العالي والبحث العلمي، على حد قوله.

“ورثنا تركة ثقيلة من المشاكل والعراقيل التي نحاول جاهدين تذليلها بما يضمن إصلاح العملية التعليمية ويحقق آمال وتطلعات الليبيين.”

ومن أجل مواجهة الارتفاع المستمر في عدد الجامعات الخاصة منذ اندلاع الثورة، شكل القيب لجنة فحص وتقييم انتهت إلى إصدار قرار بإغلاق 20 كلية وجامعة خاصة في مدن مختلفة. وستستمر هذه اللجنة في مهامها الشهور المقبلة لفحص وتقييم بعض الجامعات الحكومية. (اقرأ التقرير ذو الصلة: إغلاق 20 مؤسسة أكاديمية خاصة في ليبيا بسبب تدني جودة خدماتها التعليمية).

وأوضح الوزير الليبي أن هذه القرارات هي جزء من خطة لإعادة هيكلة الجامعات الحكومية والخاصة من ناحية العدد والتوزيع الجغرافي، مؤكداً أن تأسيس معظم الجامعات التي صدر قرار بإغلاقها جاء نتيجة ظروف سياسية واجتماعية ولكونها غير خاضعة للمعايير العلمية عند إنشائها.

قال “هناك بعض الكليات تباشر الدراسة في مسجد أو بيت، كما أن هناك كثير من المباني المستغلة حالياً من قبل جامعات لكنها ليست مخصصة لهذا الغرض ولا ترقى لمستوى المبنى التعليمي،” موضحاً أن الوزارة تسعى “إلى إنشاء عدد من الكليات ضمن مبنى واحد، لكن تظل محدودية الموارد المالية عائقاً دون تنفيذ ذلك.”

يرفض القيب الانتقادات التي تطال الجامعات الخاصة في ليبيا والتي تعتبرها مجرد مؤسسات تسعى للربح دون تحقيق فائدة حقيقية. إذ يعتقد أن الجامعات الخاصة “رافد حقيقي للتعليم الحكومي شريطة خضوعها لمعايير الجودة.”

“نعالج الخلل الذي كان سبباً في وجود عدد هائل من الخريجين من حملة الشهادات الجامعية لكن دون عمل

مؤخراً، أقر الوزير تشكيل لجنة مختصة لدراسة وتقديم نتائج حول جودة المخرجات التعليمية وفقاً لأهداف محددة.

قال “نعالج الخلل الذي كان سبباً في وجود عدد هائل من الخريجين من حملة الشهادات الجامعية لكن دون عمل، ونسعى من خلال لجنة مختصة لدراسة الوضع ومن ثم اتخاد قرارات مناسبة حيالها بما يضمن توافق مخرجات العملية التعليمية في ليبيا مع سوق العمل المحلي والدولي.”

قلة الموارد المالية التحدى الأكبر

لتحسين أجور الأساتذة التي لم تشهد أي زيادات منذ خمسة أعوام، وافقت وزارة التعليم العالي في نيسان/أبريل الماضي على زيادة أجورهم بنسبة 70 في المئة، كما تمت زيادة قيمة ساعات العمل الإضافية أسبوعياً من 15  إلى 22  دولار أميركي للساعة الواحدة. لكن حتى الأن لم يتم تطبيق ذلك فعلياً. (اقرأ التقريرين ذي الصلة: وعود بزيادة أجور أساتذة الجامعات الحكومية في ليبيا و إضراب الأساتذة يغلق الجامعات في ليبيا).

قال القيب “يتطلب تحقيق ذلك تمرير قانون من البرلمان وتضمينه في الميزانية واعتمادها وهذا للأسف لم يحدث. وهو ليست من صلاحيات الوزارة.”

مع ذلك، يوضح الوزير أن وزارة التعليم العالي نجحت في صرف أجور الأساتذة المتوقفة منذ عام ونصف مضافاً إليها بعض الزيادة. كما تم حصر الديون المستحقة لهم، وبدأت وزارة المالية في سدادها مع تسديد مستحقات مالية للإجازات العلمية.

https://www.bue.edu.eg/

وتُشكل أزمة قلة الموارد المالية التحدي الرئيسي للمسؤول الليبي أمام تنفيذ إصلاحاته التي يطمح لها.

قال” نقف عاجزين أمام صيانة المباني الجامعية وإعادة اعمار مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي التي لحقت بها خسائر كبيرة خلال الحرب وتجهيزها بما يتوافق والتطور الحاصل في العالم بسبب قلة الموارد المالية.”

وأوضح القيب أن الميزانية المقدرة للتعليم أكثر من مليار دينار ليبي؛ لكن بعد انخفاض سعر الصرف أصبح المبلغ قليلاً جداً. فقبل عام كان سعر الدولار يسجل 1.3 دينار ليبي، لكنه يسجل اليوم نحو 4.53 دينار ليبي.

لأول مرة يتم إطلاق برامج دراسات عليا في تخصصات العلوم التطبيقية كالطب والكيمياء والفيزياء”

قال “لدينا التزامات لشركات منفذة لبعض المشاريع، وهناك مشاريع تحتاج إلى إعادة تقييم بسبب تغيير سعر الصرف وهناك مباني تحتاج إلى إزالة والبناء من جديد كما هو حاصل في جامعة بنغازي.” (اقرأ التقرير ذو الصلة: ليبيا: العنف يغلق الجامعات ويُهجر الأساتذة).

مع ذلك، يؤكد القيب أن جميع الجامعات في البلاد تعمل الآن.

انعكست محدودية الموارد المالية أيضاً على وقف حركة الإيفاد للخارج منذ عام 2015 .لحل هذه المشكلة، أطلق القيب المشروع الوطني للايفاد بالداخل، والذي سيبدأ العمل فيه الشهر المقبل، حيث اعتمد  أكتر من 84 برنامجاً تعليمياً لطلاب الماجستير والدكتوراه داخل الأكاديمية الليبية للدراسات العليا وكذلك الجامعات الليبية من خلال أقسام الدراسات العليا.

وكشف الوزير أنه لأول مرة يتم إطلاق برامج دراسات عليا في تخصصات العلوم التطبيقية كالطب والكيمياء والفيزياء، موضحاً أن ذلك يظل حلاً “جيداً” للتعامل حالياً مع أزمة الإيفاد الخارجي.

ونظراً لنقص التمويل الحكومي، يطمح الوزير الليبي لتنفيذ مشروع إعادة إعمار مؤسسات التعليم العالي الليبية استناداً إلى مساهمات من القطاع العام والخاص والمنظمات الدولية.

دعم البحث العلمي

بصفته مستشاراً سابقاً للبحث العلمي بالهيئة الوطنية للبحث العلمي بليبيا، يدرك الوزير الحالي كم المشاكل التي تواجه عمل المؤسسات البحثية في بلاده، وأبرز الصعوبات التي تواجه الباحثيين الليبيين في الجامعات.

قال القيب “يظل البحث العلمي المقياس الأبرز الذي يُقاس به تقدم الشعوب، والعامل الأهم لإحداث أية نقلة تنموية.”

لهذا كانت أولى قرارات القيب تشكيل لجنة من جانب الهيئة الليبية للبحث العلمي لإعادة تقييم المراكز البحثية التابعة لها بما يتناسب والأهداف التي أنشئت من أجلها وبما لايعزلها عن محيطها المحلي.

“هدفي الرئيسي يكمن في دعم المواهب من المبتكرين في المجال العلمي وتكريمهم والتواصل معهم ودعم مشاريعهم العلمية، واستقطاب أبرز الاكاديميين والباحثين الليبين المتميزين في الخارج. لكن تحقيق هذا الهدف رهن بتوفر موارد مالية

كما أطلق برامج تدريبية مشتركة بين المراكز البحثية التابعة لهيئة البحث العلمي مع مراكز بحثية في الخارج كالمركز الأكاديمي العالمي بالمملكة المتحدة لعقد مجموعة من ورش العمل المتنوعة الخاصة ببعض المهارات العلمية والبحثية التي تلبي الاحتياجات الأكاديمية لطلبة الدراسات العليا والباحثين وأعضاء هيئة التدريس.

آخيراً، يطمح القيب لإنشاء مدينة العلوم في بلدية السواني الليبية، لتكون حاضنة لكافة الباحثين.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

 قال “هدفي الرئيسي يكمن في دعم المواهب من المبتكرين في المجال العلمي وتكريمهم والتواصل معهم ودعم مشاريعهم العلمية، واستقطاب أبرز الاكاديميين والباحثين الليبين المتميزين في الخارج. لكن تحقيق هذا الهدف رهن بتوفر موارد مالية.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى