أخبار وتقارير

عام على الكارثة: التكنولوجيا الرقمية تُبقِي انفجار مرفأ بيروت علامة في الذاكرة

تنويه المحرر: مع الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت، تنشر الفنار للإعلام تقريرين، الأول أدناه: عن كيف يستعيد الشعب اللبناني هذه الذكرى المؤلمة باستخدام التكنولوجيا، والثاني كيف يصورها طلاب كليات الفنون في أعمالهم الفنية

في الرابع من آب/أغسطس 2020، توقف الزمن في بيروت عند الساعة السادسة وثماني دقائق مساءً، لحظة انفجار مرفأ بيروت، ومقتل المئات وإصابة الآلاف. وبرغم مرور عام على تلك الفاجعة، فإنها تبدو في عقول العديد من أهل بيروت، كأنها كانت بالأمس.

ظلت ذكريات ذلك اليوم واضحة قوية، بفضل التكنولوجيا الرقمية، فقد سبق الانفجار المدمر، انفجار آخر صغير وحريق في أحد المستودعات، لذلك كان كثيرون يصورون بالفعل ما يجري في المرفأ بكاميرات هواتفهم الجوالة، عندما اندلع الانفجار الثاني الهائل. وهكذا، شاء القدر أن يتم توثيق الانفجار، وكذلك تداعياته لحظة بلحظة. (اقرأ المقال: انفجار بيروت يعصف بقطاعها التعليمي).

كما كانت التكنولوجيا حلقة وصل بالعالم الخارجي، ومصدرًا للمعلومات في اللحظات التي أعقبت وقوع الانفجار.

في البداية، اعتقد الكثير من أهل بيروت أنهم يتعرضون لقصف جوي، وطاردتهم ذكريات الحرب. واعتقد البعض أن مولّد الكهرباء في بناياتهم قد انفجر.

قالت داليا توما، التي كانت تسكن سابقًا في بيروت، ” إن من كانوا خارج بيروت أو خارج البلاد سبقوا أهلها في معرفة ما يجري. لم نكن نعرف طبيعة ما يحدث. خيّل إليّ أنها قنبلة أو انفجار ما”.

اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي

تحقق السبق المعلوماتي لمن هم خارج لبنان، بفضل أولئك الذين صوروا من شرفاتهم بهواتفهم الجوالة الانفجار لحظة وقوعه، وقاموا برفع مقاطع الفيديو الخاصة بهم على حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، ومن ثمَّ بادرت شبكات الأخبار الدولية ببثها.

“لا تزال الذكريات حاضرة بقوة وبكل التفاصيل. أذكر أن جسدي ارتج يمينًا ويسارًا بينما أقف بالكاميرا مترقبًا تطاول عمود دخان عقب الانفجار الذي سمعت دويّه قبلها بنحو 35 ثانية.”

أحمد عجم
دي جي ويوتيوبر لبناني شاب

كان أحمد عجم، وهو دي جي ويوتيوبر لبناني شاب، جالسًا في شرفته بعد الانفجار الأول، وشعر أن هناك خطبًا ما، لذلك بادر بالتقاط الكاميرا. قال “لا تزال الذكريات حاضرة بقوة وبكل التفاصيل. أذكر أن جسدي ارتج يمينًا ويسارًا بينما أقف بالكاميرا مترقبًا تطاول عمود دخان عقب الانفجار الذي سمعت دويّه قبلها بنحو 35 ثانية”.

يحظى عجم بعدد كبير من المتابعين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لذلك كانت سلامته محل اهتمام العديد من الأصدقاء، علاوة على أفراد العائلة. وعقب دقائق من الانفجار، وقبل أن تتعطل شبكة الإنترنت، قام بالبث الحي عبر إنستجرام، ليطمئن متابعيه، وليعرض لقطات واضحة للأضرار التي لحقت بمنزله، وسط سحابة غبار كثيفة.

لعبت قوة التكنولوجيا في تلك اللحظات دورًا محوريًا في نقل الأخبار، لمن هم خارج لبنان، وتهافت الناس على الاطمئنان، صوتًا ونصًا، على أحبائهم في بيروت. وقد مثّل ذلك تناقضًا كبيرًا مع حقبة الافتقار إلى تلك التكنولوجيا خلال الحرب الأهلية في لبنان، وقت أن كانت قلة قليلة هي التي تمتلك خطوط هاتف أو خدمة كهرباء.

قال عجم: “لا أتخيل أن أعيش في عالم لا نعتمد فيه إلا على التليفزيون وخط هاتف أرضي، مثلما كان حال آبائنا أيام الحرب الأهلية”.

مساعدة جهود الإغاثة

كان لهذه التكنولوجيا أثرها في كيفية تفاعل الناس مع تداعيات الحادث. قال نبيل بربير، منسق العلاقات مع المنظمات غير الحكومية في مجموعة Live Love Beirut الخيرية، “أدت مصادفة وقوع انفجارين متتاليين إلى أن يكون الانفجار الكبير الأكثر توثيقًا بصريًا في التاريخ”.

بعد الانفجار: ذكريات وجهود الإغاثة

وأضاف “صوّر كل شخص في بيروت ما جرى في المرفأ بهاتفه الجوال. وعلى هذا النحو، أصبحت لدى عدد كبير جدًا من الأشخاص وثيقة بصرية. وعلاوة على ذلك، وبفضل تطبيقات المراسلة الفورية وتكنولوجيا الاتصالات، انتشرت لقطات هذا الحدث في جميع أنحاء العالم في غضون دقائق معدودة. وهكذا، كانت الاستجابة الإنسانية من جميع أنحاء العالم هائلة”.

ظهرت صفحات لجمع التبرعات الجماعية، ومن خلال خدمات المراسلة الرقمية مثل واتس آب، تم حشد الناس لتقديم المساعدة والطعام والمأوى. وأوضح بربير، “أن التكنولوجيا سمحت للمجتمع المدني بتنسيق جهوده من أجل تجنب ازدواجية العمل والتحرك بأسرع ما يمكن وبكفاءة”.

تعكف مجموعة Live Love Beirut الآن على تجميع أرشيف رقمي تحت عنوان ذاكرة جماعية، وتدعو الجميع في كل مكان لمشاركة ما لديهم من الصور ومقاطع الفيديو أو الرسائل الصوتية التي تظهر ذكرياتهم عن اللحظة التي علموا فيها بالانفجار. ويقوم فريق من Live Love Beirut بتحميل هذه الملفات على خريطة، حيث يتم تمييز كل ملف جغرافيًا إلى الموقع الذي كان الشخص فيه.

قال بربير: “سوف تتاح الخريطة من خلال موقعنا الإلكتروني ومن خلال تطبيقنا الرقمي الجديد. وهي فرصة لأي شخص كي يعايش تجربة لحظة الانفجار واللحظات التي تلت ذلك، من وجهة نظر أشخاص عاديين”.

ذكريات رقمية

لقد أصبحت الاستعانة بالتكنولوجيا والهواتف الجوالة في الأزمات مسألة الحياة. قالت توما “أسهمت الهواتف الجوالة إلى حد كبير في سرعة التعافي من آثار الانفجار. ولا يقتصر الأمر على المكالمات الهاتفية للتنسيق فيما بيننا وحسب، لكنه يتعلق كذلك باستخدام قنوات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستجرام للتوعية، والتعريف بتفاصيل مبادرات الإغاثة المحلية، وكيف يمكن للأفراد المشاركة”.

“أسهمت الهواتف الجوالة إلى حد كبير في سرعة التعافي من آثار الانفجار.

داليا توما
من سكان مدينة بيروت سابقًا

كان على توما أن تعثر على هاتفها الجوال بعد أن فقدته أثناء الانفجار. وهي تعتبر أن مراقبتها للمجتمع، وهو يتحد ويتآزر، كانت جزءًا من عملية الشفاء والتعافي من آثار الانفجار.

كما استخدمت هاتفها لتوثيق الأضرار التي لحقت بها وبمنزلها ومكتب زوجها الذي تم تدميره.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

وعندما يتم تجميع هذه الذكريات الرقمية، فإنها ترسم صورة ذلك اليوم في مُخيلة الأجيال المقبلة. ولن نفقدها أو نخسرها مثل أشياء مادية أخرى، في سعيٍ لأن يعرف العالم حجم الدمار الذي لحق بالمدينة، حتى لا تتكرر المأساة.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى