أخبار وتقارير

كوفيد-19 يلقي بظلاله على مشاريع تخرج طلاب الفنون الجميلة في مصر

القاهرة- تبرز مشروعات التخرج الأخيرة لطلاب كليات الفنون الجميلة مشاعر الاضطراب والخوف من العزلة التي فُرضت على الكثيرين نتيجة لانتشار وباء كوفيد-19. كما تعكس اهتمامهم باستلهام صور من التراث المصري في مراحله المختلفة.

تجمع أعمال الطلاب هذا العام أساليب عمل متنوعة تعتمد التجريب في استعمال الخامات وأحدث التقنيات الرقمية، والتي تكشف علاقتهم بالواقع الراهن وتبرز سعيهم لطرق أبواب العمل والانخراط في المجال الفني.

يبلغ عدد كليات الفنون الجميلة في مصر خمس كليات مُتفرقة بين العاصمة القاهرة وباقي المحافظات المصرية، بالإضافة لكلية الفنون التطبيقية والتربية الفنية. وتعد مشاريع التخرج الخطوة الأخيرة قبل حصول الطلاب على درجة البكالوريوس.

تعتقد رندا فخري، فنانة مستقلة والأستاذ المساعد في قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة جامعة حلوان، أن مشروعات التخرج مهمة جدا “لكونها أول ما يمكن إضافته على السيرة الذاتية للطالب.”

قالت “يمكن اعتبارها نقطة فاصلة باتجاه التحول نحو الحياة العملية،” موضحة أن الطالب يناقش أفكاره ورسوماته الأولية مع أساتذته قبل اختيار أساليب وعناصر النهج الفني.

 تمتد فترة الدراسة في جميع كليات الفنون الجميلة إلى خمس سنوات تبدأ بسنة تمهيدية، يقوم الطلاب بعدها باختيار تخصص محدد كالتصوير أوالنحت أو الجرافيك وصولاً للسنة النهائية وتقديم مشروع التخرج.

انعكاسات عزلة الوباء

تكشف جولة استطلاعية داخل قاعات العرض بكلية الفنون الجميلة في منطقة الزمالك وسط العاصمة عن توجه غالبية الطلاب لتقديم أعمال فنية تعكس واقع العيش داخل أطر العزلة في ظل وباء كوفيد-19، إذ جاءت الأعمال في مجملها أقرب إلى يوميات توثيقية مليئة بالانفعالات المواكِبة لتفشي الوباء.

“ناقشنا الطالبة في كيفية تنفيذ الفكرة، وتحمست صاحبتها لكسر القوالب الشكلية التي يفرضها المجتمع علينا، حيث عملت على تصوّر صادم يدل على العنف في تقييم المجتمع الذي ظهر في مشروعها في النهاية، وهو بالغ التأثير”.

رندا فخري
فنانة مستقلة وأستاذ مساعد قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة جامعة حلوان

تظهر مشروعات تصويرية سعى الطلاب لكسر الصور النمطية حول علاقة النساء بالمجتمع وعلاقة الإنسان بالقوالب التي تُرسخها الصور الاستهلاكية عن شكل الجسد ومعايير الموضة والجمال. ويبرز من بينها لوحة تظهر فتاة تستعد للزفاف وتقوم أمها بقص بطنها المُترهل حتى تتمكن من ارتداء الفستان وتظهر في قوام أكثر رشاقة.

قالت فخري “ناقشنا الطالبة في كيفية تنفيذ الفكرة، وتحمست صاحبتها لكسر القوالب الشكلية التي يفرضها المجتمع علينا، حيث عملت على تصوّر صادم يدل على العنف في تقييم المجتمع الذي ظهر في مشروعها في النهاية، وهو بالغ التأثير”.

لجأ طلاب آخرون لزيارة متاحف والمعارض الفنية لاستلهام أفكار لمشاريعهم. على سبيل المثال، استلهمت مريم شُعيب فكرة مشروعها من زيارة قامت بها لمتحف محمود خليل للفن التشكيلي حيث لفتها بيانو عتيق في إحدى القاعات وتماهت معه فنيًا ثم رسمت له عدة اسكتشات والتقطت له عشرات الصور الفوتوغرافية من زوايا مختلفة.

من مشاريع تخرج الطلاب هذا العام

قالت ” طلبت من مسؤولين في المتحف مساعدتي والجلوس على البيانو وتبادل حوار عفوي كأنها لقطة سينمائية لأتمكن من تخيل لوحتي.” مشيرة إلى أنه وبالرغم من ضغط الوقت الخاص بإنجاز المشروع فإن “أجواء البهجة التي ترتبط بقيام الطلبة بعرض أعمالهم في قاعات كلية الفنون الجميلة تعد احتفالية من نوع خاص.”

لم يتجاوز الوقت المخصص لإعداد مشاريع التخرج هذا العام أكثر من 35 يوماً بسبب الظروف والإجراءات الاحترازية التي فرضها الوباء، بحسب الزيني التي أشارت إلى صعوبة الإشراف على المشاريع عن بعد من خلال الإنترنت.

تتفق فخري مع الزيني حول صعوبة العمل مع الطلاب خلال الوباء، مشيرة إلى أن إعداد المشاريع سابقاً كان يتم في أجواء مفعمة بالفرح والحيوية لكنه اليوم “يمثل تحديا حقيقيا أمام الجميع.”

التجريب بالخزف

يشرح خالد سراج، الأستاذ بقسم الخزف بكلية الفنون التطبيقية التابعة لجامعة حلوان، رحلة التمهيد الأكاديمية التي يمر بها طلبته منذ التحاقهم بالكلية، وصولًا لتقديم مشروعات تخرجهم. قال “خلال سنوات التخصص، يقترب الطلاب من تفاعل الخامات وتعديل خواصها، وتأثيرات الحرارة على درجة اللون النهائية للخزف، وهي جميعها مُعطيات فنية يقوم الطلبة بالاشتباك معها خلال التنفيذ وتستغرق نحو شهرين لإعدادها.”

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

ويؤكد سراج أن مشروعات التخرج هي “أول سلم الاحتراف”، معتبراً الدراسة في كلية الفنون التطبيقية فرصة تدمج العمارة والهندسة والتصميم والفن في مجال علمي متكامل لذلك تظهر مشروعات التخرج أشكال التكامل بين مختلف أقسام الكلية.

تتنوع مشروعات تخرج قسم الخزف هذا العام حول نقاط عدة استأثرت باهتمام الطلاب كتطبيقات الـ QR code وبوابة “زوسر”، فنرى في واحد من مشروعات التخرج مُحاكاة بالخزف لرمز المُربع الشهير لتقنية كود المسح الإلكتروني، كما نرى استلهامات من الفن الإفريقي والمصري القديم كمشروع مُستوحى من هرم الملك زوسر ودرجاته اللونية، وآخر يبحث عن قيم جمالية داخل رموز طبيعية كأوراق الأشجار تنوعاتها اللونية.

التأكيد على الهوية المصرية والعربية

توضح سالي الزيني، الفنانة التشكيلية والأستاذة المساعدة في قسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، أن أحد أبرز التفاصيل التي تحرص على غرسها في طلبة قسم الجرافيك هي دعم الهوُية العربية والشرقية والمحلية في أعمالهم حتى مع تطبيق معايير التصميم العالمية.

“لدينا كنوز من الموروث العربي والقبطي والإسلامي والنوبي والساحلي، تراثنا مليء بالمعطيات، لذا أوجه الطلاب لمعالجة أفكارهم البصرية عبر هذا التراث الأصيل دون اللجوء لحلول تصميمية جاهزة ونمطية من شبكة الإنترنت.”

سالي الزيني
الفنانة التشكيلية وأستاذ مساعد قسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة

قالت “لدينا كنوز من الموروث العربي والقبطي والإسلامي والنوبي والساحلي، تراثنا مليء بالمعطيات، لذلك أوجه الطلاب لمعالجة أفكارهم البصرية عبر هذا التراث الأصيل دون اللجوء لحلول تصميمية جاهزة ونمطية من شبكة الإنترنت.”

تلتقي مشروعات تصميم الكتاب هذا العام مع عناوين من الأدب العربي الشهيرة، منها رواية “ثلاثية غرناطة” للأديبة الراحلة رضوى عاشور. كما اتكأت المشروعات على مواد تراثية من ذاكرة الفن مثل تحويل أشهر مسلسل في الدراما الإذاعية وهو “عيلة مرزوق” أو الأوبريت الغنائي “الليلة الكبيرة” إلى كتب مُصوّرة.

وتبرز مشروعات الجرافيك الخاصة بالدعاية والإعلان، منها أعمال استلهمت معالم القاهرة وأحيائها العريقة بعنوان “القاهرة 360”.

تظهر مشروعات أخرى ملامح بعيدة عن صخب العاصمة وبيئات أخرى منها الطبيعة الصحراوية لمدن الواحات وبساطتها كما في مشروع الطالبة رضوى رجب التي قامت بتصميم ماكيت كتاب حول واحة سيوة، التي تقع في الصحراء الغربية المصرية.

قالت رجب “سبق إعدادي للمشروع بحث طويل حول خصوصية واحة سيوة وعادات أهلها وتفاصيلهم اليومية وقمت بتحضير رسوم واسكتشات كرسوم داخلية لمشروع تخرجي.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى