أخبار وتقارير

نادية حبش: مهندسة فلسطينية توظف العمارة في خدمة المجتمع

تبدي ناديا حبش، المعمارية والأكاديمية البارزة، تقديراً كبيراً للدعم الذي نالته من المهندسين والمهندسات الفلسطينيين الذين وقفوا خلف انتخابها على رأس نقابة المهندسين في فلسطين، لتصبح أول امرأة تشغل هذا المنصب.

نالت حبش عبر مسيرتها المهنية الكثير من الجوائز المحلية والدولية في مجال التصميم المعماري، وتعتز بأنها ظلت تعمل برؤية واضحة تقوم على «الربط ما بين العمارة وقضايا وهموم المجتمع» معتبرة أن هدفها الرئيس من الترشح لقيادة النقابة هو «الارتقاء بالمهنة وتحسين ظروف عمل المهندسين والمهندسات، للعيش بكرامة في مجتمع حرّ.

قبل مسيرتها النقابية تركزت جهودها في المجال الأكاديمي وفي فضاء سوق العمل، إذ شاركت في تأسيس قسم الهندسة المعمارية في جامعة بيرزيت، وعُرفت باهتمامها بترميم المواقع التاريخية بأساليب تعود بالنفع على المجتمع المحلي.

اختيرت حبش ضمن قائمة أكثر من 50 معماريًّا مؤثّرًا في الشرق الأوسط للعام 2019 ،  كما فازت بجائزة حسيب الصباغ وسعيد خوري عن فئة مشاريع مميزة في الهندسة المعمارية والترميم في عام 2017، عن مشروع ترميم قصورعرابة لنجاحه بالتعامل مع الإرث العمراني وإعادة توظيفه اجتماعيّاً.

ولدت حبش في القدس عام 1959 وتخرجت من كلية الهندسة المعمارية بالجامعة الأردنية عام 1982. وهي تؤمن أن للعمارة دور أساسي في تلبية حاجات الناس، فضلاً عن التعامل مع العمارة كوسيلة لدعم المقاومة والصمود للمجتمع الفلسطيني أمام الاحتلال.

انعكس هذا الإيمان على حياة حبش منذ سنوات دراستها، حيث اختارت لمشروع تخرجها تصميم ضاحية سكنيّة للعاملين في جامعة بيرزيت وهم من ذوي الدخل المتوسط على رأس تلة في مدينة رام الله عام، حيث حاكى التصميم طابع ونسيج القرى الفلسطينية من حيث التدرج بالخصوصية والانتقال من العام “القصبة” إلى شبه العام “الطرقات” إلى الخاص “الحوش” بما يساهم في كشف الغرباء والتصدي لاقتحامات جيش الاحتلال ومنعهم من الدخول.

 منع من السفر

 خلال مرحلة الماجستير درست حبش فلسفة نظريّات العمارة والعمارة الاحترافية في جامعة ميشيغان في الولايات المتّحدة الأميركيّة. لكن تم منعها من السفر بسبب نشاطها المجتمعي قرابة 29 عاماً  مما حال دون استكمال دراستها للحصول على الدكتوراه هناك رغم حصولها على منح دراسية من ثلاثة جامعات أميركية.

«حرمني الاحتلال من السفر ، ولم أتمكن من حضور الكثير من الأنشطة والمسابقات الدولية، التي تساعد في اكتساب معارف جديدة».

نادية حبش  

امتدت آثار المنع من السفر بحيث لم تتمكن من المشاركة في مؤتمرات علمية عديدة، وتوقفت جهود بدأتها مع المعماري المصري سيف الدين أبو النجا لتأسيس اتحاد المعماريين العرب.

قالت حبش «حرمني الاحتلال من السفر، ولم أتمكن من حضور الكثير من الأنشطة والمسابقات الدولية، التي تساعد في اكتساب معارف جديدة». (اقرأ التقرير ذي الصلة: الأكاديميون الأجانب ممنوعون من دخول الأراضي الفلسطينية).

في حياتها العملية وظفت حبش خبرتها المعمارية في مشاريع ترميم أنجزتها للعديد من المناطق الأثرية والتاريخية داخل فلسطين بالتعاون مع منظمات دولية كالأمم المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونسكو).

من بين هذه المشاريع ترميم سوق الخضار القديم في مدينة بيت لحم، و حديقة الاستقلال في رام الله، والحديقة الأثرية في قصر هشام بأريحا، وخزانات الماء في دير إستيا وكفر عبوش، التي أقيمت في المركز التاريخي للقرية، وآخرها تدعيم وتأهيل عدة أحواش في بلدة السموع.

إنجاز شخصي

من بين الجهود التي تفخر نقيب المهندسين الجديدة في فلسطين بإنجازها «مشروع ترميم حي عقبة الخالدية» بمدينة القدس نظراً لظروف العمل في مواجهة سلطات الاحتلال مباشرة، إذ استدعتها لجنة القدس العليا، عام 1987، لهذا المهمة لوقف مصادرة مباني  الحي وتهجير سكانها الفلسطينيين  .

قالت حبش  «أردت بالترميم تعزيز صمود هؤلاء السكان في منازلهم والمساعدة على تحسين ظروف الحياة»، وتضيف «كنا نعمل سراً من داخل المنازل، ونرسم الخرائط بشكل يدوي، ونهرب مواد البناء».  (اقرأ التقريرين ذي الصلة: افتحوا غزة: توظيف العمارة والخيال لفك الحصار عن القطاع و الألم الفلسطيني يلهم فريقًا من جامعة بيرزيت تصميمًا هندسيًّا لإعادة إعمار مرفأ بيروت).

«أردت بالترميم تعزيز صمود هؤلاء السكان في منازلهم والمساعدة على تحسين ظروف الحياة»

نادية حبش  

وعلى الرغم من شهرتها لم تنجح حبش في تحقيق حلم تنفيذ مشاريع إسكان عام قليلة التكلفة في مدينة رام الله ليتوسع بها سكان المخيمات وذوي الدخول المحدودة لأن السلطات المحلية لا تنحاز لهذه الفئة وإنما تنحاز لرغبات لأصحاب رؤوس الأموال، على حد قولها.

كما لم تتمكن، رغم كونها عضو في مجلس بلدية رام الله، من إقناعهم بضورة تخصيص مناطق لذوي الدخل المحدود لدى توسعة المخطط الهيكلي للمدينة.

تعبر حبش عن أسفها لكون «سكان المخيمات والمركز التاريخي لرام الله لا يستطيعون شراء الأراضي، مما يضطرهم لارتكاب مخالفة الإضافة على سطح المباني التراثية بشكل يتسبب في تشويه التراث العمراني، كما يلجأون أحيانا للبناء بشكل مخالف، لأن مناطقهم السكنية بلغت طاقتها القصوى«.

 التدريس خيار محبب دائماً

وعلى الرغم من تعدد المهام التي تعمل على تلبيتها لم تستطع  حبش الابتعاد عن العمل الأكاديمي، التزاماً بمهمتها «المقدسة» في نقل هذه القيم في تنفيذ التصاميم المعمارية للأجيال اللاحقة مثل ربط العمارة بالسياق المحلي للواقع الفلسطيني، والاعتزاز بالعمارة المحلية وضرورة الحفاظ عليها.

« كانت قادرة من محاضرتها الأولى على جلب العالم الخارجي الواقعي الملموس بكافة تراكماته المعقدة لقاعة الدرس وجعله أسلوبا للتفكير ورؤية للحياة تنعكس على طبيعة التصاميم».

آلاء أبو عوض
خريجة سابقة من قسم الهندسة المعمارية في جامعة بيرزيت وإحدى طالبات حبش

خلال تدريسها في كلية العمارة، سعت حبش إلى ترسيخ مثل هذه الأفكار في عقول طلابها لشعورها بالمسؤولية تجاه الجيل الجديد من الطلاب في نقل رسالتها حول دور العمارة في المجتمع.

قالت آلاء أبو عوض، خريجة سابقة من قسم الهندسة المعمارية في جامعة بيرزيت وإحدى طالبات حبش، في مقابلة هاتفية « كانت قادرة من محاضرتها الأولى على جلب العالم الخارجي الواقعي الملموس بكافة تراكماته المعقدة لقاعة الدرس وجعله أسلوبا للتفكير ورؤية للحياة تنعكس على طبيعة التصاميم».

وأضافت عوض، التي عملت لفترة كمساعد باحث مع حبش في جامعة بيرزيت، أنها كانت داعمة لتحويل أفكار طلابها البسيطة من خلال حلولها الإنشائية لتصاميم واقعية، ومشجعة آيضاً لهم في ضرورة الجمع بين الخبرة العملية والعمل الأكاديمي، ودراسة كيفية تفاعل الإنسان مع الفراغ.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

قالت حبش «لا يجب أن يكون الهدف من وراء دراسة العمارة إنتاج أشكال هندسية منفصلة عن البيئة والمجتمع والتحولات التي يعيشها. الهندسة ليست استعراضا “للعضلات” بل خدمة اجتماعية قبل أي شئ».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى