أخبار وتقارير

معسكر أردني في خدمة اللاجئين الباحثين عن وظيفة في مجال تكنولوجيا المعلومات

في عمر التاسعة عشرة، أصبحت سمر لحام، لاجئة سورية في الأردن، مهندسة برمجيات في إحدى شركات التقنية المرموقة في عمان. وكحال الكثيرين  من الشباب في برنامج ريبوت كامب التدريبي المكثّف، تعلمت سمر مهارات البرمجة التي يتطلبها سوق العمل وتمكنت من الحصول على وظيفة في غضون أقل من عام.

بدأت معسكرات التدريب على البرمجة، مثل برنامج ريبوت كامب الأردني، في الانتشار بالعديد من الدول، بوصفها استراتيجية توفر فرص عمل للشباب وتخلق قوة عاملة مدربة بشكل أفضل على المهارات التقنية التي تحتاجها الشركات. (اقرأ المقال ذي صلة: فرص جديدة تقدمها أول مدرسة للترميز المعلوماتي في المغرب).

صُمم البرنامج ليساعد اللاجئين في الأردن، الأمر الذي أكسبه دوره أهمية أكبر في ظل وجود أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني وسوري في الأردن، وفق تقديرات منظمة المعونة الأميركية للاجئين في الشرق الأدنى، والتي عقدت شراكة مع ريبوت كامب لتقديم نفس الخدمة لشباب الضفة الغربية وغزة. (اقرأ التقريرين ذي الصلة: كوفيد-19 يضيق الخناق على جهود توفير فرص العمل في الشرق الأوسط و الدورات المهنية وفرص عمل تسهل حياة اللاجئين في الدول المضيفة).

تمنع قوانين العمل الأردنية عمل الأجانب، بمن فيهم السوريون، في العديد من المهن. إذ يمكنهم العمل في قطاعات محددة كالبناء والزراعة، لكن القانون يحدد 18 مجالًا آخر مغلقاً على غير الأردنيين. تثني مثل هذه القيود العديد من اللاجئين عن مواصلة تعليمهم العالي وتدفعهم لاكتساب المزيد من المهارات العملية التي تسمح لهم بالعمل في مهن مستقلة. (اقرأ التقريرين ذي الصلة: عمل اللاجئين في المنطقة العربية: معضلة لا تنتظر حلاً و أبواب مواربة أمام عمل السوريين في لبنان والأردن).

“تحديت نفسي في المشروع الأول، فاخترت إطار عمل أجهله تمامًا، ولكنني اكتسبت في غضون أسبوع المعرفة اللازمة وأمكنني تنفيذ المشروع

سمر لحام
لاجئة سورية ومهندسة برمجيات في إحدى شركات التقنية المرموقة في الأردن

تدريب مهني مكثف

يقتضي برنامج ريبوت كامب خلال مدته البالغة ستة أشهر، وهي فترة قصيرة مقارنة بمتطلبات الحصول على الدرجة الجامعية، من طلابه مستوى عالٍ من الالتزام. قالت لحام عبر تطبيق واتساب إنها تسلحت بالكثير من العزم والمثابرة والشجاعة لإتمام البرنامج، “كنا ندرس حتى 16 ساعة في اليوم. أمر مكثف ومرهق للغاية. وتعلمت الكثير من الجانب التقني، ولكن الأهم من ذلك تعلمنا كيفية الدراسة، بمعنى أنهم يعلمونك كيفية تحليل المعلومات وفهمها في أقصر وقت ممكن.”

يتوجب على الطلاب تقديم ثلاثة مشاريع نهائية للتخرج، والتي تسجل لاحقًا في سيرتهم الذاتية.

قالت لحام “تحديت نفسي في المشروع الأول، فاخترت إطار عمل أجهله تمامًا، ولكنني اكتسبت في غضون أسبوع المعرفة اللازمة وأمكنني تنفيذ المشروع.” مضيفة أن التجربة أفادتها على المستويين التقني والشخصي.

something didnt work here
يستمر برنامج ريبوت كامب لمدة ستة أشهر، وعلى الرغم من قصره مقارنة بالدراسة الجامعية، فإنه يتطلب مستوى عالٍ من الالتزام من الطلاب. (الصورة: صفحة الفيسبوك الخاصة ببرنامج ريبوت كامب الأردن)

قالت “أثريت سيرتي الذاتية وعززت شخصيتي. ومنحتني الثقة بالنفس وأدركت الأشياء التي بوسعي القيام بها. كنت الأصغر سناً في مجموعتي، وتعاملت مع طلاب من جميع الأعمار ومختلف الشخصيات في تجربة ساعدتني كثيرًا.”

https://www.bue.edu.eg/

أما نور الهدى مؤذن، 23 عامًا وهي أيضاً لاجئة سورية حاصلة على شهادة جامعية،  فانضمت إلى برنامج ريبوت كامب بعد سنوات من عملها في مجال المبيعات ولتتحول نحو قطاع تكنولوجيا المعلومات. قالت “عندما بدأت، لم تكن لديّ أي فكرة عن العمل في مجال تكنولوجيا المعلومات، لكنني تمكنت من تعلم هذه المهنة والعثور على عمل أفضل بكثير. لم أنجح على مدى أربع سنوات من العمل في المبيعات في تطوير مهاراتي. لذا، كان برنامج ريبوت كامب فرصة عظيمة لحياتي. اليوم، أعرف بصورة أفضل ما أريد أن أفعله وما أريد أن أكون.”

لا يقتصر برنامج ريبوت كامب على الجانب التقني، فأجوائه وعملياته تجبر المشاركين على تعلّم مهارات أبعد من البرمجة؛ مثل مهارات التواصل والتأقلم وتطوير العقلية وغير ذلك من خصال الشخصية الناجحة.

مسار أسرع إلى الوظيفة

بينما يختار بعض الطلاب معسكرات البرمجة كوسيلة للدخول مباشرةً في مهنة، بدلاً من قضاء سنوات في الحصول على شهادة جامعية، تقول حنان المجالي، مديرة البرامج في ريبوت كامب في الأردن، إن بمقدور الجامعات أن تستفيد من الأساليب المكثفة لإكساب المهارات في مناهجها الدراسية.

“تدريبات إكساب المهارات المكثفة ملائمة لجميع التخصصات. وسيساعد إدخال هذه الأساليب في مؤسسات التعليم العالي في خفض الوقت الذي يقضيه الطلاب في الكلية. وسيتخرج الطلاب مزودين بمعرفة جيدة وخبرات عملية وشخصية قوية.”

حنان المجالي
مديرة البرامج في ريبوت كامب في الأردن

وأوضحت المجالي في مقابلة عبر تطبيق زووم “تدريبات إكساب المهارات المكثفة ملائمة لجميع التخصصات. إذ يساعد إدخال هذه الأساليب في مؤسسات التعليم العالي في خفض الوقت الذي يقضيه الطلاب في الكلية. وسيتخرج الطلاب مزودين بمعرفة جيدة وخبرات عملية وشخصية قوية.”

مضيفة بأن الهدف من البرنامج هو “الارتقاء بالأداء من خلال اكتساب وصقل مهارات مطلوبة في أي مسيرة مهنية ناجحة.”

لكن أكثر ما يثمنه الطلاب هو قدرة هذه المعسكرات على الوصول بهم إلى وظيفة في زمن أقصر.

ففي استطلاع بين خريجي ريبوت كامب، ومنهم حاملي شهادات جامعية، ذكر 74 في المئة إن الجامعة كانت مضيعة للوقت وقال 9 في المئة فقط إن الدراسة بالجامعة تستحق العناء. وبالنسبة لأولئك الحاصلين على شهادات، قال 87 في المئة إنهم تعلموا في أربعة أسابيع في ريبوت كامب أكثر مما تعلموه في أربع سنوات في الجامعة.

تغريد عبد الله علي، 39 عاماً، خريجة يمنية أردنية في برنامج RBK، وحاصلة على شهادة جامعية في الأدب الإنجليزي. عملت مضيفة جوية لمدة عشرة أعوام قبل التسجيل في البرنامج ومن ثم الحصول على وظيفة في صناعة تكنولوجيا المعلومات. قالت “في الكلية تأخذ وقتك في التعلم، بينما في ريبوت كامب فكل شيء مكثف وقصير للغاية. وخلال ستة أشهر، تعلمت مجالاً جديدًا وحصلت على وظيفة مختلفة، بينما في الكلية تقضي ثلاث إلى أربع سنوات في الدراسة.”

تغيير جذري في حياة اللاجئين

يجري فحص المتقدمين لبرنامج ريبوت كامب بعناية حيث يتم إجراء مقابلات معهم قبل اختيارهم. خلال أول شهرين، يتعلم الطلاب المبادئ الأساسية لتكنولوجيا المعلومات عن بُعد، قبل أن ينتقلوا إلى المعسكرات لمدة أربعة أشهر، يتعلمون خلالها مفاهيم تقنية المعلومات بدرجة عالية من التفصيل ويبتكرون حلولًا للمشكلات.

تدربت بالفعل على صيانة الهواتف الجوالة والأجهزة الكهربائية، لكنني لم ألتحق بعمل بعد. لديّ المهارات ولكن لا أعرف كيفية العثور على وظيفة

جلال أحمد
لاجئ سوري في المفرق، شمال الأردن

بدأ ريبوت كامب في الأردن في 2015، وتخرج فيه منذ ذلك الحين أكثر من 400 طالب، غالبيتهم من اللاجئين. وتوسّع البرنامج لاحقًا ليشمل الضفة الغربية وغزة وتونس.

قالت المجالي “غيّر البرنامج جذرياً من حياة العديد من اللاجئين الذين لم يكن لهم دخل أو مهنة. ومنهم من يعيش الآن في كندا، يدير فرق برمجيات، أو تم تعيينه مهندس برمجيات في شركات رئيسية. أصبحت لديهم ثقة في قدراتهم العملية ولم يعودوا يشعرون بالتهميش في المجتمع.”

لكن البرنامج لم يبلغ بعد الدرجة الكافية من الانتشار في أوساط من قد يكونوا بحاجة إليه.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

إذ التحق جلال أحمد، وهو لاجئ سوري في المفرق، شمالي الأردن، بالعديد من ورش العمل المهنية التي عقدتها المنظمات الدولية في الأردن لدعم اللاجئين، لكنه لا يبدو متاكداً ما إذا كانت هذه المهارات الجديدة يمكن أن تساعده فعلياً.

قال “تدربت بالفعل على صيانة الهواتف الجوالة والأجهزة الكهربائية، لكنني مازلت بلا عمل. لديّ المهارات ولا أعرف كيف أعثر على وظيفة. لذلك لا أرغب بتعلم أي شيء آخر قبل أن أكون متأكدًا من أنني سأجد عملاً مناسبًا بعد ذلك.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى