أخبار وتقارير

الجزائر تشارف على الانتهاء من تطوير مناهج كليات الطب

تستهل كليات الطب في الجزائر العام الدراسي الجديد بنظام تعليمي جديد يطبق لأول مرة من السنة الدراسية الرابعة وحتى السادسة. وكانت المرحلة الأولى من الإصلاح، والتي تغطي السنوات الثلاث الأولى من الدراسة في كلية الطب، قد بدأت عام 2018. بينما تركز السنة السابعة على التدريبات المكثفة في المستشفيات.

وأوضح عبد الباقي بنزيان، وزير التعليم العالي والبحث العلمي في بيان صحفي، أن هذه الإجراءات تأتي في إطار جهود تحديث تعليم الطب في الجزائر وتحسين مستوى التدريب في العلوم الطبية التي يحتاجها أطباء المستقبل لمواجهة التحديات الراهنة. وقال «يندرج الإجراء في إطار مخطط عمل القطاع الرامي إلى تعميق إصلاح التعليم العالي وتحسين نوعية التكوين وترقية التكوينات في العلوم الطبية لمواجهة التحديات الراهنة التي تتطلب من الجميع بذل المزيد من الجهود».

يخضع طلاب دفعة العام 2018، الذين تم تضمينهم في المرحلة الأولى من التحديث، فقط للنظام الجديد. بينما يواصل الطلاب المسجلين سابقاً دراستهم وفق النظام القديم.

ويوجد في الجزائر 12 كلية للطب  تخرج سنويًا من 1500 إلى 2000 طالب وطالبة، وفقًا لأرقام النقابة الوطنية للأطباء الجزائريين.

تغيير جذري في البرامج والنُهج

تشمل المرحلة الثانية من الإصلاح إدخال برامج دراسية جديدة؛ مثل البحث العلمي، والقراءة النقدية للمقالات الطبية، وبرنامج خاص لأساليب البحث الإكلينيكي. تجمع هذه التحديثات أيضًا بين الدورات العملية والنظرية، وتسمح بعقد ورش عمل إكلينيكية في المستشفيات التعليمية ومراكز الرعاية الصحية خلال السنوات الثلاث اللاحقة.

«الإصلاح الشامل قد تم اعتماده لتكييف تعليمنا في العلوم الطبية مع كل جديد علمي ومجتمعي وديمغرافي ووبائي».

عبد الكريم المسعودي
أستاذ في كلية الطب بجامعة الجزائر

كما تضمنت إصلاحات السنوات الدراسية الثلاث الأولى دراسة أكثر تفصيلاً لأنظمة جسم الإنسان وأمراض كل عضو، بالإضافة إلى إدخال أجهزة حديثة في مختبرات كليات الطب، تسمح للأطباء بفحص أعضاء الجسم بطريقة تجريبية بدلاً من الفحص المباشر للجسد البشري.

وفي إطار المرحلة الأولى من الإصلاح، أدخلت الوزارة تدريس اللغتين الإنجليزية والفرنسية للطلاب في عامهم الدراسي الأول لمدة ثلاثة أشهر تقريبًا، بهدف تحسين مستوى إتقانهم للغتهم الفرنسية، وهي لغة التدريس، قبل بدء دراستهم، وتعلم اللغة الإنجليزية، بوصفها لغة إعداد الأوراق البحثية والمشاركة في المؤتمرات العلمية الطبية.

التركيز على الأمراض الجديدة

يقول عبد الكريم المسعودي، الأستاذ في كلية الطب بجامعة الجزائر وأحد الذين ساهموا في إعداد نظام التعليم الجديد، في مكالمة هاتفية إن هذا «الإصلاح الشامل قد تم اعتماده لتكييف تعليمنا في العلوم الطبية مع كل جديد علمي ومجتمعي وديمغرافي ووبائي». مع وضع البيانات الخاصة بزيادة انتشار الأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسرطان في المنطقة في الاعتبار. (اقرأ التقرير ذي الصلة: اختلاف الأمراض المسببة للوفاة في المنطقة العربية).

ساعد طلاب من كلية الطب بجامعة الجزائر 1 الأطباء في علاج المصابين من حرائق الغابات بالقرب من تيزي وزو ، شمال وسط الجزائر ، في أب/ أغسطس الماضي. (الصورة: فيسبوك)
ساعد طلاب من كلية الطب بجامعة الجزائر 1 الأطباء في علاج المصابين من حرائق الغابات بالقرب من تيزي وزو ، شمال وسط الجزائر ، في أب/ أغسطس الماضي. (الصورة: فيسبوك)

انصب تركيز المنهج الطبي القديم في الجزائر على الأمراض المعدية التي انتشرت في سبعينيات القرن الماضي؛ مثل الكوليرا. وقال المسعودي إن هذا يعني الحاجة إلى إصلاحات عميقة وجذرية تواكب الاتجاهات الصحية الجديدة.
وأوضح المسعودي، العميد السابق لكلية الطب بجامعة مولود معمري في تيزي وزو، أن المنهج الجديد يسمح للطلاب بفحص المرضى في المستشفيات منذ عامهم الدراسي الأول، وهو ما سوف ينعكس إيجاباً على تحديث النظام الصحي والطبي في الجزائر والخدمات التي يقدمها الأطباء.

كوفيد-19 ليس المعوق الوحيد أمام التطبيق

يجمع أطباء وطلاب في كليات الطب الجزائرية على أهمية خطوة إصلاح المناهج، إلا أن هناك مشاكل في تنفيذ مرحلتها الأولى، بحسب رأيهم، نشأت من الظروف التي سببتها جائحة كوفيد-19، والقدرات “المحدودة” لكليات الطب خاصة في المناطق الجنوبية من البلاد.

«تزامنت السنتان الثانية والثالثة من تطبيق النظام الجديد مع تفشي جائحة كوفيد-19، مما نتج عنه في عدم تنفيذ دورات تدريبية كافية للمعلمين على تدريس المنهج الجديد».

صلاح لعور عبد الحميد
رئيس النقابة الوطنية للأطباء الجزائريين

قال صلاح لعور عبد الحميد، رئيس النقابة الوطنية للأطباء الجزائريين وأحد الذين ساهموا في إعداد برنامج إصلاح التعليم الطبي، في مقابلة عبر تطبيق زووم، «تزامنت السنتان الثانية والثالثة من تطبيق النظام الجديد مع تفشي جائحة كوفيد-19، مما نتج عنه في عدم تنفيذ دورات تدريبية كافية للمعلمين على تدريس المنهج الجديد».

وأضاف عبد الحميد أن هناك معوقات أخرى أمام تدريب المعلمين على جميع الأجهزة وطرق التدريس الحديثة بالتوازي مع الإصلاحات. فعلى سبيل المثال، تفتقر العديد من الجامعات إلى اتصال ثابت وسريع بشبكة الإنترنت.

وكان عبد الحميد قد ناقش في اجتماع عقد في تموز/يوليو الماضي بحضور وزير التعليم العالي وعمداء كليات الطب الجزائرية ومسؤولي البرامج الجديدة، المشكلات التي تواجه تنفيذ المرحلة الأولى من الإصلاح، واقترح طرقًا لتجنب مشاكل مماثلة في المرحلة الثانية.

مع ذلك، يعتقد عبد الحميد أن التغييرات في البرنامج التدريبي ساعدت طلاب الطب على تعلم التمييز بين الجسم السليم وغير السليم صحياً بطريقة خبيرة دقيقة. قال «يعلم النظام القديم الطلاب بشكل مباشر عن الأجسام المريضة والأمراض دون تعليمهم تمييز الجسم السليم. وهناك فارق كبير في القدرة على التمييز بين الأصحاء والمرضى واكتشاف المرض فيما بعد». وأوضح أنه تم إدخال تخصصات وبرامج جديدة مثل علم الأورام وطب الشيخوخة والوقاية من الأمراض، والتي يمكن أن تساعد الخريجين في أن يكونوا مدربين تدريباً جيداً على كيفية التعامل مع مثل هذه الأمراض.

ردود فعل الطلاب

بدوره، يعتقد بدر الدين رزيقة، طالب السنة الرابعة بكلية الطب بجامعة باتنة 2 بشرق الجزائر، أن النظام الجديد أكثر تنظيما من النظام القديم من حيث ترتيب مواضيع كل وحدة. قال «يمكن للطلاب اجتياز سبعة امتحانات لخمس وحدات دراسية، على عكس النظام القديم، حيث يتعين على الطالب أن يمتحن مرتين في السنة، بفاصل ستة أشهر».

«يمكن للطلاب اجتياز سبعة امتحانات لخمس وحدات دراسية، على عكس النظام القديم، حيث يتعين على الطالب أن يمتحن مرتين في السنة، بفاصل ستة أشهر».

بدر الدين رزيقة
طالب في السنة الرابعة بكلية الطب بجامعة باتنة 2 بشرق الجزائر

وأضاف رزيقة، وهو طالب من آلاف الطلاب الذين بدأوا النظام الجديد منذ ثلاث سنوات، أنه لم يشهد نقلة واضحة نحو التدريب العملي في المستشفيات التعليمية، على الرغم من خطة توفير المزيد من التدريب العملي. ودعا رزيقة المسؤولين إلى التدخل لدفع تحول الإصلاحات النظرية إلى تدريب عملي.
ويوضح أن هناك عامل آخر يعيق التدريب العملي ألا وهو نقص المواد الكيميائية في معامل الكليات في ولايات شرق الجزائر وعدم كفاية المستشفيات التعليمية.
قال «جودة التدريب العملي، حتى قبل جائحة كوفيد-19، رديئة. وهذا لأننا نعيش في الشرق. وبالنسبة للولايات الشمالية، فإن التدريب العملي في مستوى أعلى بكثير مقارنة بمعاييرنا».

التخصص في الطب العام

كان تحويل “الطب العام” إلى تخصص في حد ذاته، كغيره من التخصصات الطبية، من بين المقترحات التي قدمها عدد من الذين شاركوا في إعداد نظام الإصلاح خلال لقاءاتهم مع مسؤولي وزارتي التعليم العالي والصحة. ولكن الوزارتين لم تقبلا هذه الفكرة.
وكان المقترح هو طرح برنامج تخصص لمدة ثلاث سنوات في “الطب العام” لدراسته بعد التخرج، بهدف مواجهة ضعف تدريب الممارسين العامين الجزائريين، الذين يشكلون “العمود الفقري للنظام الطبي في البلدان المتقدمة”، على حد وصف عبد الحميد، نقيب الاطباء.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

ويعتقد عبد الحميد أنه يجب على المرضى في المقام الأول استشارة طبيب عام قبل إحالتهم إلى أخصائي، موضحًا أن ما يحدث في الجزائر هو عكس ذلك بسبب عدم الثقة في الممارسين العامين. وأضاف أن هذا يعطل النظام الطبي لأن الاخصائيين لا يخدمون كامل الشعب.
ويطمح الطلاب المشاركون في نظام التعليم الطبي الجديد إلى رؤية نتائجه تنعكس على تحسين ظروف عمل الأطباء، والمساعدة في الحد من هجرتهم إلى خارج البلاد.
قال المسعودي «نطمح إلى أن نرى الجزائر مُصدراً للخدمات الصحية، وأن تصبح البلاد وجهة علاجية لمواطني دول شمال إفريقيا بدلاً من سفرهم إلى تركيا وأوروبا، وخاصة أن الجزائر حلقة وصل بين إفريقيا وأوروبا».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى