أخبار وتقارير

فنان سوداني يسرد قصة الفن الأفريقي في الولايات المتحدة

يعيش مبارك حمودي، الفنان السوداني البالغ من العمر 77 عاماً، في الولايات المتحدة الأميركية. لكن لوحاته تعكس تجاربه خلال نشأته في السودان، بما في ذلك مشاهد العنف والمعاناة اليومية لسكان إقليم دارفور وخاصة النساء.

وُلد حمودي في ولاية شمال كردفان في السودان عام 1944، وانتقل بين المناطق الجنوبية والشمالية في البلاد خلال شبابه. ويقسم وقته اليوم بين الولايات المتحدة والسودان. قال «استلهم الصور من الخرطوم وآتي إلى أمريكا لأرسم».

عرض حمودي مؤخرًا سلسلة من لوحاته في شمال فيرجينيا في معرض بعنوان «الفن الأفريقي وحكايات من السودان».

من خلال 38 صورة لنساء دارفور، بعضهن من قبائل البقارة في غرب السودان والبعض من قبائل الدينكا في الجنوب، يأخذ المعرض الزوار في رحلة زمنية إلى ماضي المناطق الريفية في السودان.

«الناس مقهورون في هذه المناطق، وأجيال كثيرة لم تشاهد معسكرات النازحين في دارفور وصور الاقتتال ونمط معيشة المرأة هناك».

مبارك حمودي  

من ضمن الأعمال المعروضة لوحة لامرأة من درافور تحفر في التراب بحثًا عن نمل لإطعام أطفالها الصغار، وهو عمل مستوحى من حادثة شاهدها بنفسه في جنوب السودان.

الفن كدعوة للحرية

لا تقتصر ممارسة مبارك للرسم على البعد الجمالي وحده، بل تتعداه للدعوة للحرية والدفاع عن المهمشين في أقاليم بلاده وتجسيد قصص المنسيين وأساليب معيشتهم.

قال في مقابلة عبر برنامج “زووم” «الناس مقهورون في هذه المناطق، لكن أجيال كثيرة لم تشاهد معسكرات النازحين في دارفور، وصور الاقتتال ونمط معيشة المرأة هناك».

Mubarak Hemoudi Depicts the Heritage of Sudan From the U.S.
يقول مبارك حمودي إن دور العرض قليلة في السودان، ولا تقدم سوى دعم ضئيل للفنانين.

تأثر حمودة في رسوماته بالانتهاكات التي شهدتها جنوب وغرب السودان خلال سنوات صباه، واستبداد زعماء القبائل الإفريقية بسكانها، فضلاً عن معايشة أنماط تفاعل سكان الأقاليم السودانية مع حياتهم ومشاكلهم اليومية.

يعتقد حمودي أن المناطق الريفية هي جوهر الفن السوداني، فهي ما زالت طبيعية ولم تتأثر بموجة التحديث.

وأوضح أن الفن السوداني موجود في البيئة الطبيعية أكثر منه في المناطق الحضرية مثل الخرطوم التي تأثرت بالحركات الأوروبية التكعيبية والتجريدية المستوردة. وأشار إلى تشبع جميع مناطق السودان بالفن الأفريقي بلمسة عربية نتيجة أول هجرة عربية إلى مناطق السودان الغربية والشمالية.

تأثير الفن الكوشي

درس حمودي في كلية الفنون الجميلة بجامعة الخرطوم، التي تأسست منتصف الأربعينيات، قبل أن يسافر إلى ألمانيا لمرتين لدراسة طباعة النسيج وعلم الألوان. ساعدته هذه المهارات لاحقًا على تحسين جماليات لوحاته وإتقان استخدام الخطوط.

“الفن الكوشي هو فن قائم بذاته، وأصل الفنون والخطوط الموجودة، ويصعب أن تجد مثيلاً له في أي منطقة”

مبارك حمودي  

يعتمد حمودي في معظم أعماله على عناصر من الفن الكوشي، وهو أحد أشهر أنواع التصميم والخط الأفريقي المستخدم في الرسوم والزخارف في العديد من البلدان الأفريقية.

يعود تاريخ الفن الكوشي إلى كوش، وهي حضارة أفريقية غنية نشأت في شمال السودان بالقرب من الحدود مع مصر منذ ما يقرب من خمسة آلاف عام.

يعتقد الفنان السوداني أن الفن الكوشي هو فن قائم بذاته، وأصل الفنون والخطوط الموجودة، ويصعب أن تجد مثيلاً له في أي منطقة. موضحاً أن تصاميمه تتسم بالبساطة والتطور والتعقيد آيضاُ.

صور من معرض حمودي في الولايات المتحدة

وأشار حمودي إلى أن الفن الكوشي في البلدان الإفريقية يستخدم في مجالات مختلفة، بما في ذلك الفنون التشكيلية مثل النحت والسيراميك. كما يستخدم  في تصميم الأدوات المنزلية وتزيين الأسلحة.

تعتبر الفنون التشكيلية في السودان ممارسة قديمة جدًا، بحسب عصام عبد الحفيظ، الأستاذ بكلية الفنون الجميلة والتطبيقية بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا.

قال في مقابلة عبر برنامج “زووم” «الفن التشكيلي في السودان ممارسة قديمة جداً ومتأثرة بالبيئة المحلية الغنية بالمشاهد، فضلاً عن حضور الثقافة العربية والإفريقية في أقاليمه والتي انعكست على تنوع استخدام الأدوات للفنانين التشكيليين كوجود 51 لغة مكتوبة غير اللغة العربية».

يعتقد الأكاديمي السوداني، أن الفن الكوشي هو أحد نتائج هذا الزخم الثقافي، الذي نتج عن امتزاج الثقافة العربية بالثقافة الإفريقية.

تطلعات فنية

يشكو حمودي من قلة الدعم المقدم للفنانين في السودان، سواء من ناحية البنية التحتية، وقلة  صالات العرض، وتوفر المواد مثل الدهانات والفرش وأدوات النحت والفخار. أجبرته هذه الظروف على السفر إلى الولايات المتحدة لإنجاز لوحات تعكس تراث السودان.

«لا يوجد دار للرسامين السودانيين ولا متحف للفن المعاصر ولا أي مساحة عرض دائمة في السودان»

عصام عبد الحفيظ
أستاذ بكلية الفنون الجميلة والتطبيقية بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا

 قال «لقد صنعت معظم لوحاتي خارج السودان بسبب نقص المواد اللازمة لإنتاج هذه الرسومات».

وبحسب حمودي، يضطر معظم الفنانين السودانيين إلى مغادرة البلاد بسبب نقص الإمكانات ودور العرض في المراكز الثقافية بالبلاد. (اقرأ التقرير ذي الصلة: الفنان السوداني محمد عمر خليل يرفع شعار «الأسود كل الألوان»).

يؤكد عبد الحفيظ على غياب دعم الدولة للفنانين السودانيين رغم مساهماتهم العالمية.

قال «لا يوجد دار للرسامين السودانيين ولا متحف للفن المعاصر ولا أي مساحة عرض دائمة في السودان»، مضيفًا أن بعض الوزارات والهيئات الرسمية تعرض أحياناً لوحات رخيصة صينية الصنع عوضاً عن أعمال الفنانين المحليين.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

يطمح حمودي إلى وجود دعم حكومي حقيقي للفنانين لتعزيز مستوى الفن السوداني وحضوره خارج المنطقة العربية.

قال «يجب أن يعود الفن التشكيلي السوداني إلى سابق عهده، وأن يتم استثمار كم المواهب السودانية الشابة في معارض داخل وخارج البلاد».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى