أخبار وتقارير

مي زيادة تعود للدفاع عن المرأة بعد 80 عاماً من غيابها

بعد مرور ثمانين عامًا على وفاتها، يُحيي كتاب جديد فكر مي زيادة، الكاتبة والشاعرة اللبنانية، حول تعليم المرأة ومسائل اجتماعية أخرى.

انتقلت زيادة (1886-1941)، وهي ابنة لأب لبناني ماروني وأم فلسطينية، مع عائلتها من الناصرة إلى القاهرة لتصبح واحدة من أهم الكاتبات العربيات في النصف الأول من القرن العشرين.

صدر كتاب “مي زيادة: مقالات الأهرام”، عن مركز الأهرام للترجمة والنشر بالتعاون مع الأبرشية الكاثوليكية المارونية في القاهرة.

درست زيادة الفلسفة الإسلامية واللغات في الجامعة المصرية التي تأسست في عام 1908، وهو العام الذي وصلت فيه إلى القاهرة.

قبل أن تتحول إلى الكتابة بالعربية، كتبت زيادة بالفرنسية باسم مستعار “إيزيس كوبيا”. ظهر اسمها الحقيقي لأول مرة في شباط/فبراير 1911 في جريدة المحروسة التي أسسها والدها وإحدى المنشورات العديدة التي ساهمت فيها.

في ذلك العام أيضًا بدأت علاقتها الأدبية مع الشاعر اللبناني خليل جبران. تبادلا الرسائل المعروفة حتى وفاته عام 1931 دون أن يلتقيا قط.

الإرث الماروني في مصر

قال جورج درغام، الأمين العام للمركز الثقافي اللبناني الماروني في القاهرة، إن الكتاب الجديد جزء من مشروع “لإبراز ونشر التراث الذي تركه المثقفون الموارنة كمساهمين رئيسيين في الثقافة العربية.” لافتاً خلال مقابلة هاتفية إلى أن الموارنة هم أول من أدخل مطبعة إلى بلاد الشرق في دير مار أنطونيوس قزحيا في شمال لبنان عام 1585 .

“إن الكتاب الجديد جزء من مشروع لإبراز ونشر التراث الذي تركه المثقفون الموارنة كمساهمين رئيسيين في الثقافة العربية”.

جورج درغام
الأمين العام للمركز الثقافي اللبناني الماروني في القاهرة

تسلط مقالات زيادة الضوء على اهتمامها بالتعليم والتحضر، ليس فقط في القاهرة ولكن في عواصم عربية أخرى كدمشق وبيروت.

قال رغام إن الكتاب يقدم أيضًا بعض الحقائق غير المعروفة، مما يسمح للباحثين والقراء بتصحيح معلومات مغلوطة عن سيرتها.

تظهر المقالات شغفها بالمقارنات بين واقع المجتمعات العربية والغرب إلى جانب دفاعها عن حرية الصحافة واستقلالها وعن نهضة النساء ودفاعها عن أدوارهن في المجتمع، فضلاً عن تأكيد تسامحها الديني وإيمانها الروحي العميق بالرسالات السماوية.

كما تتناول سلسلة من المقالات الرئيسية المساجد التاريخية في مصر، مع تعليقات على تراث البلاد والآثار القديمة.

النهضة العربية

عاشت زيادة في وقت كان فيه مسيحيو بلاد الشام، وخاصة في سوريا ولبنان وفلسطين، يقودون ما يسمى بـ “النهضة العربية”. (اقرأ المقال ذي الصلة: رواية جديدة دقيقة للنهضة العربية).

وأشار درغام إلى أن موهبة زيادة ظهرت جنبًا إلى جنب مع الأفكار الإصلاحية في مصر، سواء الليبرالية أو النهضة، وقال إنه في مثل هذا المناخ “كان دفاعها عن حق المرأة في التعليم مثالًا ساطعًا.”

May Ziade
صدر كتاب “مي زيادة: مقالات الأهرام” عن مركز الأهرام للترجمة والنشر بالتعاون مع الأبرشية الكاثوليكية المارونية في القاهرة وتحرير الشاعر والصحافي المصري عزمي عبد الوهاب. (الصورة: غلاف الكتاب/ سيد محمود)

كتبت في إحدى المقالات “لا تصدقوا قول بعضكم أن التعليم يدفع بالفتاة بعيداً عن الحياة العائلية، ويحملها على احتقارها.”

وأوضحت أن “ما يفعل ذلك هو التعليم الناقص والتربية المشوهة ولا تصدقوا أن الثقافة تذهب بأنوثة المرأة بل هي تضاعفها عشرات المرات وتدفعها إلى إدراك نفسها.”

كما كتبت أن “الشعب الذي لا يكرّم المرأة شعب محكوم عليه” وأنه “لا نهضة حقيقية للشعوب إلا بإحياء كرامة المرأة”.

اهتمام جديد بكتابات زيادة

شهدت السنوات العشر الأخيرة اهتماماً عربياً واسعاً بسيرة مي زيادة ومشوارها الإبداعي. إذ كتب الروائي الجزائري واسيني الأعرج رواية حولها بعنوان “إيزيس كوبيا”.  كما نشرت الصحافية المصرية نوال مصطفى كتاباً حول سيرتها وجمع الصحافي اللبناني أحمد أصفهاني الكثير من تراثها الصحافي.

طوال مشوارها الإبداعي نشرت زيادة  15 كتاباً واشتهرت بتأسيس صالونها الأدبي، الذي غطت شهرته على جوانبها الإبداعية الأخرى، كما  اشتهرت برسائلها الأدبية مع أدباء عصرها ومنهم أحمد لطفي السيد وعباس العقاد وطه حسين والشاعر ولي الدين يكن.

بعد وفاة والديها عام 1932 ، عاشت حالة من الحزن وظلت كذلك إلى أن استدرجها أحد أفراد عائلتها إلى لبنان واستولى على ثروتها قبل أن يدخلها مستشفى للأمراض النفسية.

ورغم عودتها إلى مصرلاحقاً، فإنها دخلت أطواراً من العزلة  استمرت إلى أن توفيت في مستشفى المعادي في القاهرة  في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 1949 عن عمر ناهز 55 عاماً.

ووفقاَ لضرغام، يصحح الكتاب واقعة شاعت في المصادر الأدبية عن جنازتها التي تردد أنها لم تشهد مشاركة رموز عصرها من الأدباء والمفكرين ويكشف وثيقة نشرتها الأهرام تتضمن وصفاً للجنازة التي خرج خلفها طلبة المدارس المارونية وبعض أعلام العصر من المثقفين. كما ينشر صورة من النعي الذي نشرته صفحة الوفيات بالجريدة أظهر روابطها العائلية كما نعت الصحيفة واحدة من أبرز من شاركوا بالكتابة فيها.

صالون أدبي

تضمن الكتاب مقالاً لعميد الأدب العربي طه حسين  بعنوان “أثر مي على الأدب العربي” جاء فيه إن “الأدب العربي مدين لها ” لا بآثارها الأدبية التي أنتجتها ولكن بما هو أبعد من هذه الآثار وأعمق، فهي التي أسست أول صالون أدبي استؤنفت فيه الحياة الأدبية المشتركة بين الرجال والنساء.”

وأشار عزمي عبد الوهاب، الصحافي ومحرر الكتاب، في لقاء مع الفنار للإعلام أن زيادة ” لم تكن مي مجرد فتاة جميلة ، يلتف حولها كبار الأدباء والساسة في مصر والعالم العربي من خلال صالونها الأسبوعي، بل كاتبة ومثقفة كبيرة منغمسة في قضايا الواقع،” معتبراً أن قضية التعليم كانت تمثل أم المشاكل من وجهة نظرها لذلك قدمت رؤيتها الخاصة بالعلاج  فهي لم تكن ترى الحل في زيادة عدد المدارس أوالتوسع في بناء الفصول.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

قالت زيادة في زاوية كانت تكتبها في الأهرام في شباط/فبراير 1932 تحت عنوان “خواطر متناثرة ” إن “حل مشكلة البطالة منوط أولا بالأهل بوزارة المعارف ، فعلى هؤلاء أن يتفاهموا للاهتداء إلى استعداد الطالب، فيلقنوه ما هيأته له الطبيعة من المعارف والمعلومات، بدلا من تكديس الطلبة في أية مدرسة وجدوا فيها أماكن خالية، وهذا هو الواقع الآن وفيه الخطأ الأساسي.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى