أخبار وتقارير

«مكتبة الآباء الدومنيكان بالقاهرة».. هنا عشرة قرون من تاريخ الإسلام

في موقع غير بعيد عن مقر الجامع الأزهر، ومدينة البعوث الإسلامية، بوسط القاهرة، يوجد معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان، الذي تأسس عام 1953، وتُعد مكتبته واحدة من أهم المكتبات المتخصصة في دراسات الحضارة الإسلامية والعربية، وبشكل خاص ما يتعلق بالقرون العشرة الأولى من تاريخ الإسلام.

ما جعل المكتبة قِبلة للباحثين من مختلف بلدان العالم، ما تضمّه من أكثر من 150 ألف كتاب، ونحو 1800 عنوان مجلّة دوريّة علمية متخصصة أو معنية بالشأن الثقافي، وأكثر من 20 ألف نصّ من التراث العربيّ الإسلاميّ.

قال مجدي عزب،  نائب مدير المكتبة، إن القاهرة بدت، من وجهة نظر الرهبان المؤسسين، مقرًّا نموذجيًّا لتأسيس معهد الدراسات الشرقية، بفضل وجود جامعة الأزهر الشريف، وكان دافعهم تمكين الباحثين من أجل فهمٍ أفضل للإسلام كحضارة وتقدير أبعاده الدينيّة والروحيّة. وأضاف: «لعبت المكتبة دورًا مشهودًا في الثقافة العربية، بفضل ارتباطها باسمين كبيرين، الأول جاك جومييه، والثاني الأب جورج قنواتي».

«جومييه» صاحب أول دراسة يكتبها باحث أجنبي، حول الكاتب المصري نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1988، ونشرها فى يناير 1958 ضمن مجلة «ميديو»، التي يحررها معهد الاستشراق بدير الآباء الدومنيكان بالقاهرة، ودرس «جومييه» ثلاثية محفوظ، وتضم رواياته (بين القصرين، وقصر الشوق، السكرية). (إقرأ المقال ذو الصلة :متحف نجيب محفوظ في القاهرة: تكريم يفتقر للإلهام).

 وجورج قنواتي (1905 – 1993)  مفكر مصري، دخل الرهبنة في جماعة الدومينيكان في بلجيكا وفرنسا، ثم حصل على الدكتوراه في الفلسفة واللاهوت، وأصبح مديرًا لمعهد الدراسات الاستشراقية بدير الآباء الدومينيكان بالقاهرة. منها: كتابُ «مُؤلَّفات ابنِ سينا»، و«مُؤلَّفات ابنِ رُشْد»، و«تاريخ الصيدلةِ والعقاقيرِ عندَ العرب»، و«المسيحيون في مِصر»، و«المَسيحيَّة والحضارة العربيَّة».

مكتبة عامة..وليست دينية

 قال «عزب»: «مثل كل دير كان من الطبيعي أن يضم مكتبة، لكنها كانت منذ اللحظة الأولى مكتبة عامة، وليست مكتبة دينية كما يعتقد البعض، وهي مختصة بالقرون العشرة الأولى من تاريخ الإسلام».

«مثل كل دير كان من الطبيعي أن يضم مكتبة، لكنها كانت منذ اللحظة الأولى مكتبة عامة، وليست مكتبة دينية كما يعتقد البعض، وهي مختصة بالقرون العشرة الأولى من تاريخ الإسلام».

مجدي عزب
 نائب مدير المكتبة

وأضاف «عزب»: «تحتوي المكتبة على دراسات باللغات العربيّة والأجنبيّة، وتُتيح للقرّاء الاطّلاع على الأبحاث المعاصرة في علوم الإسلام والكثير من رسائل الدكتوراه». كما تضم قاعدة البيانات الإلكترونيّة الخاصّة بالمجلّات الرقميّة (JSTOR) و(CAIRN)، ويمكن لأي باحث في العالم استعراض فهرس المكتبة، الّذي يطبّق معايير «فربر» FRBR)).

 وأوضح نائب مدير المكتبة أنها ليست في استطاعتها توفير الكتب الرقمية، بسبب التزامها بمعايير حماية حقوق الملكية الفكرية، لكنه أكد من جهة أخرى «نحتاج إلى دعم مالي كبير لنتمكن من توفير أجهزة تقنية، تسمح بنسخ الكتب القديمة وإتاحتها رقميًا»، وكذلك لتجهيز وحدة ترميم الكتب، تضم مختصين في تحليل الورق ومعالجته كيميائيًا.

هدوء نسبي

وحول طبيعة جمهور المكتبة، قال «عزب»: «معظم المترددين علينا من طلبة الدراسات العليا وأحيانا طلاب مرحلة الليسانس أو البكالوريوس»، ويضيف : «لا نستقبل عادة من هم أصغر لكي لا تحدث جلبة في قاعات القراءة الملحقة بالدير، لنضمن أكبر قدر من التأمل وصفاء الذهن».

Dominican Institute Library
يحرص معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان، على إقتناء كافّة الكتب القديمة المطبوعة في مصر، أو في العالم الإسلاميّ، وضمها إلى مكتبته. (الصورة: سيد محمود).

قاعة القراءة ذات أسقف مرتفعة بواجهات زجاجية، تضمن لضوء شمس القاهرة الساطعة أن تغمر المكان،كما توجد وحدات إضاءة تعلو طاولات القراءة.

 تفتح المكتبة أبوابها للزوار من الثلاثاء إلى الجمعة، من التاسعة صباحًا وحتى الخامسة مساءً،  ويقتصر الاطّلاع على الكتب داخل المكتبة فقط، وغير مسموح بالاستعارة.

قال «عزب» إن المكتبة قادرة على جذب مزيد من الرواد، بفضل حرص إدارتها على تزويدها بالمطبوعات العربيّة الجديدة، وأوضح أن «الأولويّة الكبرى للكتب العربيّة في مجالات الفكر الدينيّ، واللغة والفلسفة والعقيدة والتصوّف، والتاريخ والجغرافيا والعلوم».

وأضاف: «نسعى جاهدين لاقتناء كافّة الكتب القديمة المطبوعة في مصر، أو في العالم الإسلاميّ، من المغرب إلى الهند، دون أن نغفل تلك الّتي تنشرها الهيئات الاستشراقيّة». وتتيح المكتبة مطبوعات دور النشر الأجنبيّة في مجالات الاستشراق والثقافة العربيّة.

أنشطة أخرى عديدة

تستضيف المكتبة الأنشطة العلمية المرتبطة بمعهد الدراسات الشرقية لدير الدومنيكان، سواء مؤتمرات أو حلقات نقاشية علمية، لاستعراض جهود الباحثين الجدد، إلا أن «عزب» لفت إلى أن «هذا النشاط تأثر إلى حد كبير بسبب جائحة كورونا».

«نسعى جاهدين لاقتناء كافّة الكتب القديمة المطبوعة في مصر، أو في العالم الإسلاميّ، من المغرب إلى الهند، دون أن نغفل تلك الّتي تنشرها الهيئات الاستشراقيّة».

مجدي عزب  

وحول مصادر تمويل المكتبة قال «عزب»: «يتم من خلال جمعيّة أصدقاء المعهد الدومنيكيّ، وهي جمعيّة أهليّة رسميّة تهدف للصالح العامّ، وفقَا للقانون الفرنسي، ويقع مقرّها الرئيسيّ في باريس، ورئيسها برونو رسين، المدير السابق للمكتبة القوميّة الفرنسيّة».

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

أما عن طبيعة الترويج للمكتبة، أوضح «عزب»: «لا نحتاج لترويج، لأننا لسنا جهة استثمارية أو إعلانية، وكافة المهام التي نؤديها لها طابع علمي، وما يهمنا التواصل مع المستفيد الحقيقي، أي الباحثين المتخصصين ، فنحن لا نخاطب الجمهور العادي».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى