أخبار وتقارير

«باتابوتيان» حائز نوبل الطب..رحلة عالِم من لبنان إلى أمريكا في جسم الإنسان

فور الإعلان عن فوز أرتيم باتابوتيان، الباحث الأمريكي من أصول أرمينية، بجائزة نوبل في الطب للعام الجاري، انشغلت الأوساط العلمية والإعلامية في العالم، وطرحت تساؤلات حول المساهمات التي قادته للفوز بالجائزة الأبرز في العالم.

الاهتمام بجائزة «باتابوتيان» تخطى سبل معرفة أسرار كشفه العلمي، الخاص بمستقبلات دراجة الحرارة واللمس بجسم الإنسان، ليصل إلى تتبع سيرته الحياتية ومسيرته العلمية، التي تلخص قصة كفاح مهاجر متعدد الهويات، اختلطت أصوله الأرمينية بسبل الحياة في بلد عربي، عانى ويلات الحرب الأهلية.

«باتابوتيان» عالِم في مجال الأحياء الجزيئية، ومتخصص في أبحاث الإشارات الحسية في الجهاز العصبي، حصل على بكالوريوس العلوم من جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس، عام 1990، بعد أن درس العلوم في الجامعة الأمريكية في بيروت، ثم حصل على درجة الدكتوراة في علم الأحياء التطوري من «معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا»، في عام 1996، ويعمل حاليًّا أستاذًا في معهد «سكريبس ريسرتش»، في كاليفورنيا .

بيتر شولتز ، الرئيس والمدير التنفيذي لمعهد «سكريبس ريسرتش»، في كاليفورنيا، الذي يعمل فيه الحائز على جائزة نوبل في الطب، قال إن بحث «باتابوتيان» مع شريكه في الجائزة، ديفيد جوليوس، ساهم في كشف أحد ألغاز الحياة، والإجابة عن سؤال «كيف نشعر بالحرارة والضغط؟». ووصفه «شولتز» بأنه «عالم استثنائي ومعلم وزميل وشخص رائع».

وعلى الرغم من أن «باتابوتيان» لا يزال في الدوامة الإعلامية التي تعقب الفوز، لكنه صرح بأنه لم يكن يتصور مجيء مثل هذا اليوم، الذي يظهر اسمه ضمن الفائزين بجائزة نوبل. وقال في مقابلة نشرها معهد «سكريبس ريسرتش»، على موقعه الرسمي: «لم أكن أتصور أبدًا مجيء مثل هذا اليوم.  وفوق ذلك، لم أكن أتخيل لنفسي مثل هذه الحياة، وتأدية هذا الدور في العالم».

«لم أكن أتصور أبدًا مجيء مثل هذا اليوم. وفوق ذلك، لم أكن أتخيل لنفسي مثل هذه الحياة، وتأدية هذا الدور في العالم».

أرتيم باتابوتيان

 الأسئلة البسيطة تؤدي إلى إجابات معقدة

بدأ العالم الأمريكي، ذو الأصول الأرمينية، مهمته البحثية بطرح سؤال تقليدي، حول الكيفية التي ندرك بها المحفزات الميكانيكية كالضغط واللمس، وعلى الرغم من بساطة السؤال، إلا أن سعيه الدؤوب انتهى لاكتشافات لا تزال مستمرة ومتجددة.

 أحد أبرز هذه الاكتشافات جاءت عبر التوصل لمعرفة فئة جديدة من المستشعرات، التي تستجيب للمنبهات الميكانيكية في الجلد والأعضاء الداخلية. لاحقا اكتشف «باتابوتيان» تحكمها في مجموعة واسعة من الاحتياجات البيولوجية لأعضاء الجسم، ودورها في كيفية اتصال كُل خلية بأخرى، خلافاً لدورها التقليدي في عملية الشعور بألم الضربة أو المتعة الحسية.

يشرح عالم الأحياء الجزيئية تلك النقطة على موقع معهد «سكريبس ريسرتش»: «نتحدث عن مفتاح يفتح الباب، الذي يؤدي إلى غرفة، ومثل هذه المستقبلات شبيهة بمفتاح الباب، وتؤدي دوره في فهم البيولوجيا والمرض».

« Piezo1» اسم القناة الأيونية الجديدة، وتعد واحدة من المستقبلات التي اكتشفها «باتابوتيان»، مؤكدًا مساهمتها في الحماية من الإصابة بالملاريا، والتأثير على كمية الحديد في الدم. كما عمل على تتبع خطوات تمدد المعدة أثناء تناول الوجبات اليومية، ومقدار الطعام الذي يمر عبر الأمعاء خلال عملية الهضم.

Ardem Patapoutian
أرديم باتابوتيان مع أعضاء فريقه البحثي في معهد سكريبس للأبحاث. يقول: “أريد التأكيد على وجود فريق كامل في مختبري، يشتركون معي في هذه الأبحاث. وهم مجموعة كبيرة من العلماء الشباب المتحمسين والأذكياء، وطلاب الدراسات العليا، وما بعد الدكتوراة، الذين يقومون بهذا العمل بالفعل بشكل جماعي.”

امتدت اكتشافات الفريق البحثي، الذي يقوده «باتابوتيان»، إلى اكتشاف مجموعة قنوات أيونية أخرى تشارك في إدراك المحفزات الفيزيائية والكيميائية، مثل « TRPA1»، الذي يلعب دورًا أساسيًا في الألم والالتهاب، و«SWELL 1»، الذي يحافظ على توازن حجم الخلية مع السوائل من حولها، و« GPR68»، وهو مستقبل ميكانيكي خلوي يكشف تدفق الدم.

عمل جماعي لا إنجاز فردي

من اللافت أنه قبل أكثر من عقد من الزمان، وتحديداً في عام 2009، طرق الباحث بيرتراند كوست، أحد أعضاء الفريق البحثي للفائز بجائزة نوبل، باب مكتب الأخير، معلناً التوصل إلى حل للغز : «أعتقد أنني فهمت الأمر».

لم يتحمس «باتابوتيان»، ورافق «كوست»  في العودة للمختبر، وتأكد من دقة ما توصل إليه، وما  سعى فريقه للبحث عنه طوال سنوات.

كانت الصعوبة الرئيسية لمهمة فريق «باتابوتيان»، صغر حجم القنوات الأيونية، التي تعمل كبوابات الغشاء الخارجي للخلية العصبية، فضلاً عن ندرة الخلايا الساكنة داخلها.

وتأكيدًا على دور فريقه، حرص الفائز بجائزة نوبل على ذكر أسماءهم، مشيداً بجهودهم في خلق إنجازاته، وفي مقابلة نشرها معهد «سكريبس ريسرتش»، على موقعه الرسمي، قال «باتابوتيان»: «الجوائز تُمنح غالبًا لشخص أو شخصين، لكنني أريد التأكيد على وجود فريق كامل في مختبري، يشتركون معي في هذه الأبحاث.  وهم مجموعة كبيرة من العلماء الشباب المتحمسين والأذكياء، وطلاب الدراسات العليا، وما بعد الدكتوراة، الذين يقومون بهذا العمل بالفعل بشكل جماعي».

من بيروت إلى لوس أنجلوس

بعث الرئيس الأرميني، أرمين سركسيان، رسالة تهنئة إلى مواطنه، الفائز بجائزة نوبل في الطب، قال فيها:  «مواطنى العزيز، سعيد جدًا لنجاحك العظيم، والذي أعتقد أننا جميعًا نعتبره أحد أعظم إنجازات أمتنا». وأضاف: «بصفتي عالم سابق، أتفهم بعمق وزن جهودك وعملك الجاد، والذي بفضله، جنبًا إلى جنب مع موهبتك العظيمة، تم إثراء علوم العالم بإنجاز آخر». وأعرب عن رغبة بلاده في استضافة «أرتيم» في أرمينيا في المستقبل القريب.

«مواطنى العزيز، سعيد جدًا لنجاحك العظيم، والذي أعتقد أننا جميعًا نعتبره أحد أعظم إنجازات أمتنا».

أرمين سركسيان
الرئيس الأرميني

 المتتبع لحياة الفائز بجائزة نوبل، سيجد نفسه أمام أكاديمي متعدد الهويات، تنقل بين ثلاث بلدان، حيث ولد لعائلة أرمينية، يعمل عائلها محاسبًا ماليًا، بينما كانت الأم مُعلمة، في مدرسة ابتدائية. وعاش في لبنان، وشهد سنوات الحرب الأهلية، التي امتدت منذ عام 1975 وحتى 1990، ومارس رياضات متنوعة،  منها كرة السلة وتنس الطاولة، ونظم العديد من الرحلات للبحر الأبيض المتوسط، والجبال المشجرة المحيطة ببيروت.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

درس «باتابوتيان» الكيمياء، في الجامعة الأمريكية في بيروت، لمدة عام واحد، قبل أن تضطره ظروف الحرب، واحتجازه من مجموعات مسلحة، لاستعجال المغادرة، وهو في عامه الثامن عشر، قبل أن ينتقل إلى لوس أنجلوس، في الولايات المتحدة الأمريكية، برفقة أسرته.

وعلى خطى الرئيس الأرميني، وعقب إعلان فوزه بالجائزة، قالت الجامعة الأمريكية في بيروت، في بيان رسمي، إنها فخورة بفوز «باتابوتيان»، الطالب السابق لديها، مشيرة إلى أنه «كان طالباً متفوقاً في تخصص الكيمياء، خلال العام الذي درسه في الجامعة، في منتصف الثمانينيات، وتم وضع اسمه على قائمة الشرف لتفوقه، قبل أن يضطر إلى المغادرة بسبب الحرب».

جذبت المختبرات الطالب الشاب وقتها للعمل البحثي، وتحديداً أبحاث علم الأحياء، ليتحول عن حلمه الأول، في دراسة الطب، والعمل كطبيب مستقبلي. واعتبر «باتابوتيان» البحث في علم الأحياء مصدرًا للفخر والامتنان، ولا يغفل زوجته التي يعتبر أنها بوصلته الفكرية والأخلاقية.

 قال ممتناً لمسيرته المهنية: «اعترف بالامتياز الشديد الذي حظيتُ به لكوني عالِمًا؛ كل ذلك الغذاء الفكري،  والعالم الثري في تنوعه من الشركاء، وكل الأماكن الجميلة حول العالم، التي أخذني لها عملي في مجال العلم، وعجائب وألغاز الجسد البشري، التي تعرفتُ عليها – يا لها من متعة، ويا لها من تجربة ثرية».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى