أخبار وتقارير

عبد الباقي الهرماسي.. المفكر التونسي الذي جمع بين محراب العلم وديوان الحُكم

برحيله في الثالث والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وضع عالم الاجتماع التونسي، والوزير السابق، عبد الباقي الهرماسي نقطة الختام لتجربته التي جمع خلالها بين محاريب العلم ودواوين الحكم.

الرجل الذي ودع عالمنا، عن عمر ناهز 84 عامًا، بعد معاناة مع المرض، واحد من أعلام دراسة الاجتماع في بلاده، وفي المغرب العربي عمومًا. وفيما ترك مؤلفات بارزة في ذلك الميدان، إلا أن تجربته دارسًا ومعلمًا لم تحل دون خوضه غمار العمل السياسي، خلال حقبة الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي، الذي قاد تونس في الفترة ما بين 1987 و2011.

ونعت وزارة الشؤون الثقافية في تونس، عالم الاجتماع عبد الباقي الهرماسي، مشيدة بما قدمه في الساحتين السياسية والأكاديمية. وبالمثل، رثاه اتحاد الكتاب العرب في بيان رسمي.

لعائلة فقيرة، ووسط بيئة شعبية، ولد الهرماسي في فريانة، بولاية القصرين التونسية، في العام 1937، أي قبل حوالي عشرين سنة من استقلال بلاده عن فرنسا في العام 1956.

نال البكالوريا من معهد كارنو، في تونس العاصمة، ثم درس في جامعة السوربون رفيعة المستوى بباريس، وحصل منها على إجازة في الفلسفة عام 1962، ومنها تخصّص في علم الاجتماع، ثم حصل على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة كاليفورنيا – بركلي، بالولايات المتحدة الأميركية، سنة 1971، عن رسالته التي كان موضوعها الحركة العمالية في تونس.

المسيرة الأكاديمية لعبد الباقي الهرماسي

يعتقد منجي الزيدي، أستاذ التعليم العالي بالجامعة التونسية، والباحث في العلوم الاجتماعية، أن تكوين «الهرماسي» الفلسفي في الجامعات الفرنسية «مكّنه من امتلاك ثقافة عميقة، وسعة في الاطلاع على الفكر الغربي والعربي على حد سواء».

«يستحق، بعد رحيله، أن تتذكره تونس كأحد أكبر رجالات علم الاجتماع والثقافة الذين عرفتهم البلاد منذ الاستقلال».

أسامة رمضاني
رئيس تحرير العرب ويكلي

أمضى «الهرماسي» قرابة ثلاثين عامًا في البحث الاجتماعي، وخاصة ما يتعلق بنظرية الدولة والمجتمع في المغرب العربي. عمل بالتدريس بين عامي 1970 و1992، في جامعتي تونس، وكاليفورنيا – بركلي الأميركية، قبل أن يخوض غمار العمل السياسي الذي أوقف مسيرته الأكاديمية في ذلك الوقت.

كان المفكر الراحل – يقول «الزيدي» – قامة أكاديمية وأحد كبار الأساتذة في تدريس مقرر علم الاجتماع المغربي والإسلامي. وتركز جهد «الهرماسي» العلمي في تناول مسألة الدولة والمجتمع، من منظور فلسفي. وبالمثل، نشط المفكر الاجتماعي الراحل في البحث الميداني، فأنجز دراستين ميدانيتين؛ إحداهما عن التهريب والمهربين في المناطق الحدودية، أما الثانية، فكان موضوعها الأحداث الدامية التي شهدتها منطقة قفصة في الجنوب التونسي، خلال حكم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة في الثمانينيات. وبورقيبة (1903 – 2000) هو أول رئيس للجمهورية التونسية، وشغل المنصب الرفيع بين عامي 1957 و1987.

وللهرماسي مؤلفات عدة في المكتبة العربية، من أبرزها: «المجتمع والدولة في المغرب العربي»، (مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، أيلول/سبتمبر 1987). كما شارك «الهرماسي» في تأليف عدة إصدارات منها: «أزمة الديمقراطية في العالم العربي» (مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، تشرين الثاني/نوفمبر 1984). (إقرأ المقال ذو الصلة: رحيل هشام جعيط بعد مسيرة حافلة في تاريخ الإسلام).

عندما حل العام 1992، كان «الهرماسي» على موعد مع الانتقال إلى دواوين السلطة والحكم، قادمًا من ميادين الفكر والعلم، حيث عُيّن المفكر الكبير الراحل سفيرًا لبلاده لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وعلى الرغم من كونه وزيرًا لمدة جاوزت عشر سنوات إلا أنه لم ينخرط في أي حزب سياسي.

وخلال الفترة بين عامي 1996 و2004، شغل عالم الاجتماع الراحل منصب وزير الثقافة، ثم حمل حقيبة وزارة الشؤون الخارجية لفترة وجيزة بين عامي 2004 و2005، قبل أن يعود إلى العمل البحثي، كمستشار لمركز الدراسات الاستراتيجية في أبوظبي، بدولة الإمارات العربية المتحدة، في العام 2006.

وحين عاد إلى تونس، لم تكن الأضواء قد أطفئت عن مكانة الأكاديمي البارز بعد، إذ شغل في العام 2008، منصب رئيس المجلس الأعلى للاتصال، وهي منظمة حكومية كانت تشرف على قطاع الإعلام التونسي في ذلك الوقت.

يقول «الزيدي» إن تعيين «الهرماسي» في وزارة الثقافة كان نقلة نوعية في سياسات الدولة التونسية وقتها، بما له من علاقات ممتدة وإنتاج فكري، وخصال إنسانية «جعلته صديقًا للمثقفين والمبدعين». وبحسب «الزيدي»، فقد «سعى الهرماسي إلى نشر الثقافة في جميع أنحاء تونس، إضافة إلى إشرافه على إدارة  نشر أمهات الكتب التونسية والعربية، والعناية بالفنون التشكيلية ومد الإشعاع الثقافي التونسي خارج الحدود».

ورغم نشاطه البارز خلال حكم الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، إلا أن «الهرماسي» كان قليل الظهور الإعلامي، خلال العشرية التي أعقبت الإطاحة بنظام الرئيس الراحل في العام 2011.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

في مقال بموقع «العرب»، للتونسي أسامة رمضاني، فإن «الهرماسي» «يستحق، بعد رحيله، أن تتذكره تونس كأحد أكبر رجالات علم الاجتماع والثقافة الذين عرفتهم البلاد منذ الاستقلال (..) يستحق أيضًا أن تستلهم النخبة الفكرية في تونس والعالم العربي دروسًا من علاقاته الوثيقة بالمجتمع والسياسة، دروسًا أساسها أن المثقف لا بد أن يخرج أحيانًا من عباءة النخبوية، إذا ما كان له ما يقدمه لأمته وبلاده. وكان بالفعل للهرماسي ما يقدمه».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى