أخبار وتقارير

قطر: كوفيد-19 يستأثر بالبحث العلمي في زمن الوباء

عندما حل كوفيد-19 على العالم، قبل حوالي عامين، اتجهت بوصلة المؤسسات البحثية في قطر نحو جهود المواجهة. ومع التسليم بوجاهة هذا التحول بغية التصدي للمخاطر الوبائية، إلا أن الخطوة التي لا شك في إيجابياتها «أثرت بشكل سلبي على المسار البحثي ككل»، كما يقول خبراء.

ففيما أدت حالة الطوارئ، التي أُعلنت وقتذاك، إلى تحفيز المزيد من جهود الابتكار في البحث، والتعاون الجديد العابر للحدود، غير أنها تسببت، بشكل مباشر، في تأجيل العديد من الأنشطة البحثية. (إقرأ القصة ذات الصلة: جامعة قطر توظف علم الوراثة والذكاء الاصطناعي في بحوث كوفيد-19).

ويقول عميد كلية الطب بجامعة قطر، إيجون توفت: «لا شك في أن مجالات بحثية أخرى عانت من التركيز المفرط على فيروس كورونا. ركّز العديد من الباحثين كل جهودهم على الأبحاث المتعلقة بالأزمة، ولم يقوموا بشيء سوى ذلك. حتى يونيو/حزيران، أنتجنا في جامعة قطر حوالي 100 ورقة علمية حول الفيروس». (إقرأ القصة ذات الصلة: الأزمات الصحية والاقتصادية تهدد تمويل البحوث في المنطقة العربية).

وضمن هذه الجهود، أطلقت جامعة «تكساس إيه آند إم» في قطر، برنامج استجابة لفيروس كوفيد-19، شجّع المتقدمين على تطوير نماذج وخوارزميات لدعم الاستجابة للوباء، وفهم تأثيره على البشر. وأنشأ الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي دعوة للاستجابة السريعة، لتقديم منح للباحثين، تصل قيمتها إلى 100,000 ريال قطري، لتمويل مشاريع تتعلق بفيروس كوفيد-19، تصل مدة كلٍ منها إلى ثلاثة أشهر.

«لا شك في أن مجالات بحثية أخرى عانت من التركيز المفرط على فيروس كورونا»

إيجون توفت
عميد كلية الطب بجامعة قطر

وفي السياق نفسه، أطلق مكتب دعم البحوث، التابع لمكتب نائب الرئيس للبحوث والدراسات العليا في جامعة قطر، منحة استجابة طارئة جديدة مخصصة للأبحاث المتعلقة بفيروس كوفيد-19. وتدعم هذه المنحة عدة مسارات بحثية، بميزانية قدرها 150 ألف ريال قطري لكل مسار.

وتشمل تلك المسارات: البحث الجزيئي الأساسي، والبحوث السريرية، والبحوث السلوكية الاجتماعية، وعلم الأوبئة، والأمراض المعدية، والصحة العامة، والصحة الإلكترونية.

وتعرّف منظمة الصحة العالمية، الصحة الإلكترونية، بأنها «الاستخدام الفعّال، من حيث التكلفة، والآمن لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات في دعم المجالات المتصلة بالصحة، بما في ذلك خدمات الرعاية الصحية، والمراقبة الصحية، والمؤلفات الصحية، والتعليم الصحي، والمعرفة والبحوث الصحية».

ويقول مدير إدارة دعم البحوث بجامعة قطر، محمد حسن أحمد السالم: «حشدت مراكز وكليات بحثية مختلفة في الجامعة، جهودها لمواجهة الوباء. عمل علماء جامعة قطر، بشكل وثيق، مع الأطباء في مؤسسة حمد الطبية، لتطوير مقاربات مبتكرة لإدارة الأمراض، والتعامل مع التدفق الكبير للحالات». وبحسب «السالم»، عمل حوالي 10% من باحثي الجامعة على أبحاث متعلقة بـفيروس كوفيد-19 على مدار العامين الماضيين.

ووجد تحليل لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن هيئات التمويل العامة، في جميع أنحاء العالم، خصصت أكثر من 5 مليارات دولار لأبحاث فيروس كورونا، في الأشهر التسعة الأولى من عام 2020، «حيث هدد هذا الارتباط، واسع النطاق، مع أبحاث الفيروس، بتحويل جهود البحث، بشكل عشوائي، بعيدًا عن تمويل الموضوعات غير ذات الصلة بالوباء»، بحسب التحليل الذي أشار إلى أن «وفرة تمويل البحوث المتعلقة بكوفيد-19، والحاجة إلى الحصول على نتائج سريعة، أثرت على جودة البحث».

«حشدت مراكز وكليات بحثية مختلفة في الجامعة، جهودها لمواجهة الوباء».

محمد حسن أحمد السالم
مدير إدارة دعم البحوث بجامعة قطر

ويذكر التحليل نفسه: «على الرغم من الحجم الهائل لإنتاج الأبحاث حول فيروس كوفيد-19؛ لا يزال من الصعب تقييم ما إذا كان الإنتاج العلمي يستحق الاستثمار الحكومي».

وتتوافق هذه النتائج مع دراسة حديثة حول تأثير كوفيد-19، على الأبحاث، وجدت أن بعض الدراسات حول الفيروس «لا تفي بمعايير التجارب السريرية المنشورة، و/ أو يتم نشرها دون مراجعة الأقران». وعن ذلك، يقول «توفت»: «كان هناك اتجاه لإنتاج أوراق بحثية ذات جودة أقل حول فيروس كوفيد-19، حيث كان من السهل نشرها، مع صعوبة نشر مثيلاتها في مجالات أخرى. أفترض أنه تم تخفيض المعايير لتمرير كل شيء».

ويضيف: «العديد من الأوراق البحثية، التي شقت طريقها إلى المجلات ذات السمعة الجيدة، استندت إلى افتراضات بدلًا من البيانات، مما أدى إلى وقوع أخطاء في المراحل المبكرة من الوباء، من بينها التوصية بعلاجات ثبت لاحقًا أنها غير فعالة، أو أن آثارها الجانبية خطيرة».

في مقابل هذا التركيز  الملموس على الأبحاث المتعلقة بكوفيد-19، يعد البحث السريري من المجالات الأخرى التي تأثرت بشدة؛ ففي الفترة ما بين مارس/ آذار 2020 إلى مايو/ أيار 2021، توقفت 1,130 تجربة سريرية متعلقة بأمراض السرطان في الولايات المتحدة بسبب كوفيد-19، وفقًا لمعهد أبحاث السرطان، بينما تم الشروع بـ 5,446 تجربة خاصة بوباء كوفيد-19 خلال نفس الفترة.

«التأثير على الأبحاث السريرية ضخم. يشارك العديد من العاملين في المستشفيات والباحثين في مساعدة الناس على مكافحة العدوى، وهذا يحد من نوعية البحوث التي يمكننا القيام بها، لأننا لا نملك القوة البشرية اللازمة للقيام بذلك».

شاهراد طاهري  
مدير مركز البحوث السريرية، بكلية طب وايل كورنيل، في قطر

المقارنة نفسها تصح على الأوضاع البحثية في المؤسسات القَطرية، حيث يقول مدير مركز البحوث السريرية، بكلية طب وايل كورنيل، في قطر، شاهراد طاهري: «التأثير على الأبحاث السريرية ضخم. يشارك العديد من العاملين في المستشفيات والباحثين في مساعدة الناس على مكافحة العدوى، وهذا يحد من نوعية البحوث التي يمكننا القيام بها، لأننا لا نملك القوة البشرية اللازمة للقيام بذلك».

رغم كل ذلك، يعتقد «توفت» أن «كوفيد-19 قد يؤثر بالإيجاب، على المدى الطويل، على الأبحاث السريرية في قطر، حيث سلّط الوباء الضوء على أهمية هذا النوع من الأبحاث». ويوضح  رؤيته قائلًا: «أعتقد أن هذا سيكون خرقًا علميًا للبحوث السريرية في المستقبل. لن يتعلق هذا بفيروس كورونا فقط. والأمر المهم هو أن يقوم كل مجال، بالمثل، وباستمرار، بتحديث الأدلة الخاصة به لتقديم أفضل علاج موثق للمرضى».

وتعمل كلية الطب حاليًا على إنشاء قسم للبحوث السريرية، كمشروع مشترك مع مؤسسة حمد الطبية، لكنها لا تزال تنتظر إطلاق بعض الموارد الأخيرة المعلقة. ويقول «توفت» إن وضع فيروس كوفيد-19 «سيمنح هذه الخطط الدفعة التي تحتاجها».

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

بالعودة إلى جامعة قطر، يقول مدير قسم ما قبل المنح البحثية، في مكتب دعم البحوث بالجامعة، عبد العزيز بوراس: «الظروف التي خلقها الوباء، أثرت بشكل كبير، على طريقة عمل الجامعة مع الباحثين والطلاب، مع الأخذ في الاعتبار أبعاد عدم اليقين وكيفية التعامل مع الاضطرابات البحثية المستقبلية». ويضيف: «مع كل هذه النقاشات، هناك تغيير هائل في تعريف الجامعة نفسه. نحن الآن بصدد عصف ذهني، لإيجاد طريقة أكثر استدامة لجعل أبحاثنا، وجامعاتنا، أكثر مرونة». (إقرأ القصة ذات الصلة: كوفيد-19 يغير أساليب تدريس الطب في قطر).

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى