أخبار وتقارير

الطبعات المصرية للأعمال الأدبية..ولادة جديدة لمؤلفات المبدعين العرب

خلف الواجهات الزجاجية الشفافة بمكتبات وسط القاهرة، تتراص مؤلفات عدد من المبدعين العرب المطبوعة في مصر، في خطوة توفر لمؤلفيها بوابة عبور إلى الساحة الثقافية المصرية، وتتيح للقراء شراء الكتب بأسعار تقل عن مثيلتها الواردة من خارج البلاد، وفق ناشرين.

 والطبعات المصرية للمؤلفات العربية، حيلة لجأت إليها بعض دور النشر المصرية، منذ أعوام، من أجل تجاوز التحديات التي واجهت الناشرين، ولعل أبرزها: رسوم الجمارك، وتكلفة الشحن، وغيرها من العوامل التي تؤثر في صناعة النشر.

ويعتقد ناشرون أن التجربة حققت «نجاحًا كبيرًا»، بدليل تصدر مؤلفات عربية مطبوعة محليًا، قائمة الكتب الأكثر مبيعًا، التي تصدرها بعض المكتبات للمؤلفات المعروضة لديها بشكل دوري. وفيما يصف بعضهم الأمر بأنه يرقى إلى مستوى «الظاهرة»، يرى آخرون أن الجوائز الأدبية التي برزت في السنوات الأخيرة «ساهمت في توجيه ذائقة القراء، وخلقت سوقًا لم تكن موجودة من قبل».

ويقول محمود لطفي، مدير مكتبة «تنمية»، بوسط العاصمة المصرية القاهرة: «بدأنا عام 2016 مغامرة نشر كتب لمؤلفين من خارج مصر، بعد أن أدركنا تعطش القراء للأعمال العربية، التي نالت جوائز أدبية كبرى».  كانت بداية «لطفي» في هذا الصدد، مع رواية «مصائر.. كونشرتو النكبة والهولوكوست»، للكاتب الفلسطيني ربعي المدهون، بعد أن نالت الجائزة العالمية للرواية العربية (تشتهر باسم البوكر العربية)، والتي لعبت دورًا ملموسًا في لفت أنظار القراء إلى الأعمال الروائية العربية خارج مصر.

بعد نحو خمس سنوات من خوض تجربة طباعة الأعمال العربية في مصر، يؤكد «لطفي» نجاحها، لافتًا إلى أن توافر طبعات مصرية من بعض الكتب العربية «ساعد على إتاحة  مؤلفات قيّمة أمام القارىء المصري بأسعار ملائمة».

«بدأنا عام 2016 مغامرة نشر كتب لمؤلفين من خارج مصر، بعد أن أدركنا تعطش القراء للأعمال العربية، التي نالت جوائز أدبية كبرى».

محمود لطفي  
مدير مكتبة «تنمية»، بوسط العاصمة المصرية القاهرة

محاربة التزوير

ويعتقد مدير مكتبة «تنمية»، أن وجود طبعات  لروايات عربية  ناجحة «ساعد إلى حد كبير في محاربة مافيا تزوير الكتب، وأتاح لبعض المؤلفين فرصة التواصل مع دوائر أوسع عبر حفلات التوقيع مع القراء المصريين».

بدورها تتساءل الروائية العراقية، إنعام كجه جي: «هل هناك كاتب عربي لا يتمنى وصول كلماته إلى مصر؟»، وتجيب: «القاهرة كانت وستبقى مركز الثقل في الميزان الثقافي العربي».

وأصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة، وهي هيئة حكومية تتيح الكتب بأسعار مدعمة، طبعة مصرية من رواية (النبيذة)، مطلع العام الجاري، من تأليف «كجه جي»، وهي الرواية التي اختيرت ضمن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية في دورة 2019. تقول الكاتبة العراقية المقيمة في فرنسا: «أسعدتني التجربة، لأن الرواية بيعت بأقل من نصف دولار أمريكي، وساهم ذلك في إقبال الكثير من القراء على اقتنائها وقراءتها».

إغراء كبير وولادة جديدة

وينظر الشاعر المغربي حسن نجمي،  إلى السوق المصري كـ«مصدر إغراء كبير لأي مؤلف عربي، نظرًا للتعداد السكاني الكبير (102 مليون نسمة)، فضلًا عن المكانة الرمزية للثقافة المصرية التي تمثل حاضنة ثقافية كبيرة  للعرب»، على حد قوله.

ونشر «نجمي» في مصر أعمالًا مع بعض دور النشر الخاصة. وقبل شهرين فقط، أصدر ديوانًا شعريًا جديدًا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة. يصف «نجمي» تجربة المؤلفين العرب  في النشر داخل مصر بأنها «دعم لصورة الكاتب خارج بلاده، لأن الجمهور المصري له سلطة مرجعية مؤثرة».

ويتذكر الروائي السوري خليل صويلح، الذي حاز جائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2019، تجربته في نشر روايته الأولى (ورَّاق الحب) في طبعة مصرية، مؤكدًا أن طبعتها السورية على الرغم من نجاحها النقدي، إلا أنها «لم تتمكن من اختراق خريطة القراءة العربية». ويرى أن إعادة طبعها بواسطة «دار الشروق» القاهرية، كان بمثابة «ولادة ثانية» تعززت بعد أن فازت الرواية، في عام 2009، بجائزة نجيب محفوظ للرواية العربية، التي تقدمها الجامعة الأمريكية بالقاهرة سنويًا.

وبعد اشتعال شرارة الانتفاضة السورية، أنجز «صويلح» روايته (جنة البرابرة)، لكنه لم يتمكن من نشرها في دمشق لأسباب يصفها بأنها «رقابية في المقام الأول»، ومن ثم لجأ إلى القاهرة، ونشر الرواية من خلال «دار العين»، ثم كرّر التجربة في كتابه النقدي«قانون حراسة الشهوة»، الذي أصدرته مؤسسة «أخبار اليوم».

أما الروائي الأردني جلال برجس، الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية للعام الجاري، عن روايته (دفاتر الورّاق)، فإنه يعتبر تعاونه مع «مكتبة تنمية» لنشر طبعة مصرية من الرواية، وسيلة «أتاحت له الوصول إلى شريحة واسعة جدًا من القراء».  ويضيف: «فتحت الطبعات المصرية لأعمالي طرقًا نحو قراءٍ جدد، تعرفت عليهم خلال حفلات التوقيع، وظلوا على تواصل معي عبر مواقع التواصل الاجتماعي».

ظاهرة ليست جديدة

تتوقف نورا رشاد، مدير  النشر بالدار المصرية اللبنانية، أمام تجربة الدار في نشر أعمال بعض المؤلفين العرب، وتقول: «بدأنا ذلك  قبل ما يقرب من 30 عامًا، لكن العمل تزايد في الأعوام الأخيرة بفضل الرواج الذي خلقته الجوائز».

«نعمل منذ سنوات على تيسير فرص التواصل، وتبادل الكتب في الأسواق العربية، غير أن تكلفة شحن الكتب جعلتنا – إلى جانب أسباب رقابية وجمركية – نلجأ إلى إصدار طبعات في مصر»

نورا رشاد
مدير النشر بالدار المصرية اللبنانية

وتوضح: «نعمل منذ سنوات على تيسير فرص التواصل، وتبادل الكتب في الأسواق العربية، غير أن تكلفة شحن الكتب جعلتنا – إلى جانب أسباب رقابية وجمركية – نلجأ إلى إصدار طبعات في مصر، كحل مثالي، لأنه يقلل من تكلفة النشر، ويعزز وجود الكاتب في أكبر سوق للنشر في العالم العربي».

ووفق دراسة أصدرها اتحاد الناشرين العرب في يوليو الماضي، فإن مصر «تتصدر قائمة الدول العربية الأنشط بمجال النشر في عام 2019؛ إذ نشرت في ذلك العام 23000 عنوان كتاب، يليها العراق في المركز الثاني بنشر 8400 عنوان كتاب، ثم السعودية بالمركز الثالث والتي نشرت 8121 عنوانًا، وبعدها لبنان بنشر 7479 عنوانًا وحل المغرب في المركز الخامس بنشر 4219 عنوانًا».

ونشرت الدار المصرية اللبنانية، مؤخرًا، الطبعة المصرية من رواية «خطف الحبيب»، للكاتب الكويتي، طالب الرفاعي، في 14 بلدًا عربيًا بنظام «النشر المتزامن». تقول «رشاد»: «تنازل المؤلف عن حقوقه المالية وأتاح لكل ناشر فرصة العمل على طباعة الرواية، وكأنه الناشر الوحيد، لتجاوز العقبات التي تقف أمام حق القارئ في الحصول على العمل الأدبي».

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

وبدوره، يقول «الرفاعي» لـ«الفنار»: «يواجه الكاتب العربي صعوبة إيصال نتاجه الفكري والإبداعي إلى القارئ العربي، لذلك جاءتني فكرة أن أقوم بنشر روايتي في 14 بلدًا عربيًا وفي توقيت واحد، بهدف أن تكون في متناول أي قارئ عربي، من خلال دور نشر محلية».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى