أخبار وتقارير

من أجل جامعات «أكثر أمنًا» للنساء.. جهود لتفعيل «كود أخلاقي» ضد التحرش

بين وقت وآخر، تبرز قضايا التحرش الجنسي كواحدة من الظواهر التي تؤرق المجتمع المصري، بمختلف تنويعاته، بما يشمل الجامعات التي تشهد جهودًا، في الوقت الراهن، لتفعيل «كود أخلاقي» يجعل الحرم الأكاديمي «أكثر أمنًا» للنساء في قطاع التعليم العالي.

وشهدت الفترة الماضية، صدور حكم قضائي بسجن طالب جامعي سابق، ثماني سنوات، لإدانته بهتك عرض 3 فتيات قاصرات. وأقرت مصر، مؤخرًا، تعديلات تشريعية لتغليظ عقوبة التحرش باعتباره جناية وليس جنحة، كما كان في السابق.

وفي دراسة نادرة، للعنف القائم على النوع الاجتماعي في مصر (2015)، أجريت بالشراكة بين الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والمجلس القومي للمرأة، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن «واحدة من بين كل ثلاث نساء، في العالم، تعرضت إما للعنف البدني أو الجنسي أو لكليهما معًا»، وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية (2016).

«الزيادة في الشكاوى تأتي نتيجة التوسع في حملات التوعية ونجاحها، مع وجود الآليات السرية التي تستطيع الفتاة، من خلالها، الحصول على حقها.. ولا أستطيع ذكر إحصاء للشكاوى الخاصة بالتحرش، لأن ذلك يندرج تحت بند السرية الذي نضمنه للشاكيات».

هند الهلالي  مدير وحدة مناهضة العنف ضد المرأة بجامعة عين شمس

ولأن الدراسة عُنيت بالفئة العمرية ما بين 18 و64 عامًا، فإن نسبة من كن يدرسن، وقتها، أو درسن قبلها بعام واحد، في الجامعات، «لم تتجاوز 6.5% من إجمالي العينة»، إلا النتيجة اللافتة، جاءت بمثابة «جرس إنذار»، حيث ذكرت أن «نحو 16 ألف فتاة، في الفئة العمرية 18 سنة فأكثر، قد عانت، في عام واحد فقط، من التحرشات في محيط المؤسسات التعليمية»، وذلك رغم إنشاء المجلس القومي للمرأة، بالتعاون مع وزارة التعليم العالي، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، العديد من وحدات مناهضة العنف ضد المرأة بالجامعات، والتي بلغ عددها، حتى الآن، 26 وحدة؛ 23 منها بالجامعات الحكومية، وثلاث وحدات بالجامعات الخاصة.

وتقول هند الهلالي، مدير وحدة مناهضة العنف ضد المرأة بجامعة عين شمس، إن «الزيادة في الشكاوى تأتي نتيجة التوسع في حملات التوعية ونجاحها، مع وجود الآليات السرية التي تستطيع الفتاة، من خلالها، الحصول على حقها.. ولا أستطيع ذكر إحصاء للشكاوى الخاصة بالتحرش، لأن ذلك يندرج تحت بند السرية الذي نضمنه للشاكيات».

وتعتقد الهلالي، أن وجود الوحدات في الجامعات المصرية «ساهم بشكل كبير في وضع سياسات لردع التحرش من خلال منهجية علمية». وتوضح: «لدينا لجنة عليا تلتقي الشاكيات، وتنظر في موضوع الشكاوى، كما لدينا إجراءات وأدوات قياسية، صممها علماء نفس واجتماع وطب نفسي، نستطيع، من خلالها، عقد جلسات تقييم نفسي للطرفين، وأن نتأكد من مصداقية الشكاوى، بالإضافة إلى تقديم الدعم النفسي للضحية».  وتضيف بأن هناك «تدخلات سريعة وقرارات فورية تتخذها رئاسة الجامعة، مع تفعيل دور لجان التأديب التي أصبحت تبادر باتخاذ القرار ضد المشكو في حقه».

code of ethics
يتفق أحمد علاء فايد، أستاذ مساعد الإدارة والسياسات العامة بجامعة النيل، مع القائلين بـ«ضرورة العمل على زيادة الوعي، عن طريق المناقشات والدورات التدريبية، لكل أصحاب المصلحة المتعاملين مع الجامعة. (الصورة: الجامعة الأمريكية بالقاهرة).

وفي هذا الإطار، بدأت جامعات عدة، سلسلة من الفعاليات، بإشراك الرجال في «جهود التوعية، والسعي نحو تطبيق كود أخلاقي بالمجتمع الأكاديمي». كما تعمل بعض الجامعات على مبادرات مثل فعالية: جامعتي الآمنة، بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، والتي تستهدف «جعل حرم الجامعات أماكن آمنة وخالية من التحرش الجنسي»، وكذلك مشروع: نحو جامعة آمنة خالية من العنف ضد المرأة، لجامعة القاهرة بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني في مصر.

ويعتقد محمد عرفة، مدرس الاجتماع بكلية الآداب، جامعة جنوب الوادي، أن هناك «طرقًا عديدة لمعالجة هذا النوع من العنف ضد المرأة، من خلال دعم الناجين ومحاسبة الجناة، لكن الأهم حاليًا هو ما تعمل عليه الجامعات كإدخال الرجال، من أعضاء هيئة التدريس والطلاب والموظفين والفنيين، كجزء أساسي في عملية التوعية». ويوضح: «كان الرجال غائبين بشكل غير متناسب مع جهود الوقاية».

ويتفق أحمد علاء فايد، أستاذ مساعد الإدارة والسياسات العامة بجامعة النيل، مع القائلين بـ«ضرورة العمل على زيادة الوعي، عن طريق المناقشات والدورات التدريبية، لكل أصحاب المصلحة المتعاملين مع الجامعة، من طلاب وموظفين وأولياء أمور وأعضاء هيئة تدريس وفنيين وعمال. ويقول: «دور الجامعة زيادة وعي الجميع تجاه الظاهرة ومخاطرها وتداعياتها السلبية، وما يعود على المتحرش من عقاب». وبالمثل، تعتقد الهلالي أن «المنع التام للتحرش يأتي عن طريق إشراك الطلاب في عملية التوعية؛ فتأثير الطالب على زميله أقوى من تأثير عضو هيئة التدريس».

«دور الجامعة زيادة وعي الجميع تجاه الظاهرة ومخاطرها وتداعياتها السلبية، وما يعود على المتحرش من عقاب».

أحمد علاء فايد  أستاذ مساعد الإدارة والسياسات العامة بجامعة النيل

وتتحدث مدير وحدة مناهضة العنف ضد المرأة بجامعة عين شمس، عن طبيعة جهود الجامعات للتصدي للظاهرة، بالقول: «نعمل حاليًا على محورين، الأول: الاتفاق مع الجامعات على وضع منهجية بحثية، تسعى لمعالجة جذور الأزمة على مستوى المجتمع ككل، وليس فيما يخص الجامعات وحدها، حتى نتعرف على الأسباب الرئيسية لهذه الظاهرة، ومن أين يأتي هذا الانحراف السلوكي، والثاني: تفعيل كود أخلاقي في الجامعات، وتنفيذه بطريقة منهجية داخل الحرم الجامعي».

وبحسب الهلالي، فقد تم دراسة هذا الكود الأخلاقي «من قبل وزارة التعليم العالي، لكن لم يتم تفعيله حتى الآن». وتضيف: «الكود الأخلاقي يتم تنفيذه في معظم جامعات العالم، وهو تعاقد ضمني، يضع الطالب، وولي أمره، أمام المسؤولية كاملة عن أفعال الطالب داخل الحرم الجامعي، ويجب أن نصر على وجود مثل هذه الآلية، لأنها قد تواجه نوعًا من الرفض، وهي من أهم أدوات الردع».

ويؤيد فايد، الهلالي، قائلًا: «يجب الإقرار بالكود الأخلاقي في اللوائح الجامعية، وأن يستهدف الوصول إلى حلول واقعية يسهل تنفيذها وتوفير التمويل لها، وليس بتشخيص المشكلة فقط».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

في المقابل، هناك من يرى أن تلك الإجراءات «قد تكون غير مجدية، وبحاجة إلى مزيد من الجهد»، حيث تقول أفنان عصام، مدرس علم النفس بكلية الآداب، جامعة جنوب الوادي: «تحتاج الجامعات إلى جعل منع العنف ضد المرأة مسألة ملحة، عبر إجراءات حاسمة، وهذا يتطلب الكثير من العمل». وتعتقد عصام أن «بعض الأعراف المهيمنة، المرتبطة بالنزعات والمواقف الذكورية، تلعب دورًا محوريًا في استمرار العنف ضد المرأة، وبالتالي علينا مواجهة تلك المشكلة المجتمعية وحلها بشكل شامل، دون الاقتصار على الجامعات وحدها».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى