أخبار وتقارير

صالون القاهرة للفن المعاصر يتحول إلى واقع بعد 30 سنة.. «أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي أبدًا»

بعد انتظار دام لثلاثة عقود، جاء إطلاق الدورة التأسيسية للصالون الأول للفن المعاصر، في القاهرة، الأربعاء الماضي، ليظهر غالبية الأعمال المعروضة، وكأنها خارجة للتو من زمن قديم تجاوزه العالم بالفعل.

نشطت حركة «الفن المعاصر»، في العالم في أعقاب انهيار جدار برلين عام 1989، وارتبطت بتوجه عام نحو إنتاج أعمال فنية تجمع بين الفنون الأدائية، والأشكال التصويرية المركبة، واستعمال الفيديو آرت، وأعمال التجهيز في الفراغ  التي تقوم على أسس فلسفية.

وتكشف الأعمال المقدمة داخل  الصالون، عن «تحول» الفنانين، الذين غامروا بتبني هذا المسار، عند أوائل تسعينيات القرن الماضي، إلى «شيوخ غير قادرين على مسايرة التوجهات الفنية الجديدة» التي تترجم تعبير «ما بعد الفكرة» الذي أُختير عنوانًا للمعرض.

وأقر الفنان محمد عبلة، أحد المشاركين في الصالون، في مقابلة مع «الفنار»، بأن الصالون «تأخر 30 عامًا على الأقل»، وقال: «أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي أبدًا»، وأضاف بالتعبير المصري الدارج «معلش؛ هذه دورة تأسيسية ولعل الأمور تمضي إلى الأفضل».

وافتتح رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية، خالد سرور، مساء الأربعاء 3 نوفمبر 2021، فعاليات الدورة التأسيسية لصالون الفن المعاصر، بقصر الفنون بدار الأوبرا المصرية، وقال «سرور» في تصريحات على هامش الافتتاح: «تجربة جديدة ومختلفة، وهو ما نبحث عنه في وزارة الثقافة، لتنشيط الحركة الفنية».

«تجربة جديدة ومختلفة، وهو ما نبحث عنه في وزارة الثقافة، لتنشيط الحركة الفنية»

خالد سرور  
رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية

ويشارك في هذه الدورة 25 فنانًا. وعن ذلك، تقول مسؤولة المعارض بقطاع الفنون التشكيلية، داليا مصطفى: «رأت لجنة الإعداد،  في اختيار هؤلاء، رغبة في تمثيل الأجيال والاتجاهات الفنية المختلفة». وأثارت مشاركة معظم أعضاء اللجنة بأعمال داخل الصالون «انتقادات» في أوساط التشكيليين.

فجوة زمنية

خلال جولة مراسل «الفنار»، داخل أروقة المعرض، بدا واضحًا وجود تباين كبير في أساليب العرض، إذ أن غالبية الأعمال  تنتمي إلى «الأساليب التقليدية المتعارف عليها». باستثناء بعض الأعمال القليلة لبعض الفنانين أمثال: محمود حمدي، وأيمن لطفي، وسيدة خليل، ومحمد عيد، وجمال الخشن.

على مساحة واسعة، نثر «حمدي» مجموعة من الخامات المستعملة في فنون التصوير الزيتي، أو الجداري، وقدمها في معالجة ثلاثية الأبعاد، استغلت مساحات وخامات مختلفة، لتقديم عمل يقوم على إبراز تشريح لخلايا متعددة، وقد استعملها  الفنان مفردات لبناء عالمه الفني.

ويقول «حمدي» لـ«الفنار»: «الرهان الرئيس لهذه  التجربة هو جذب المشاهد للتفاعل مع العمل، حيث لا يدخل إلى منطقة العرض إلا بعد وضع قفازات في قدمه، تشبه قفازات القدم المستعملة في غرف العناية المركزة، تجنبًا لنقل العدوى».

  • معماريون يطلقون حملة لوقف إزالة مقابر القاهرة التاريخية

أما الفنان محمد عبلة، الذي ينتمي لجيل السبعينيات، فقد جمع الكثير من الأدوات والأجهزة والموسوعات التي استعملها في الماضي، وصاغ منها مفردات عمله المقدم تحت عنوان «مزاد».

على سبيل المثال، وضع الفنان أشرطة كاسيت تحمل أغنيات لأم كلثوم، ومعها جهاز تسجيل قديم، إلى جانب مجموعة من الآلات الكاتبة، والكاميرات اليدوية، وعرضها في مزاد حقيقي، داخل القاعة، وإلى جوارها الأسعار المقترحة. ويقول «عبلة» إن الفكرة الرئيسية هي «إبراز فكرة التخلص من أعباء الذاكرة، ومن الأشياء التي أنهت الهواتف الذكية وظيفتها»، مضيفًا: «هذه الأجهزة والأدوات كانت جزءًا مني في الماضي، وكانت تسبب لي سعادة ما، وعندما وضعتها في المعرض أردت مبادلتها مع آخرين لتسعدهم مثلما كانت تسعدني، لكني بعد أن وضعت الأسعار لبيعها، فكرت في أنه من الأفضل لي لو أنني حصلت على قطع بديلة،  تحمل لي سعادة جديدة».

التجهيز في الفراغ

من جهته، يثمن الفنان محمد عيد ، قيام وزارة الثقافة المصرية بتنظيم الصالون، متوقعًا دورات أكثر تخصصية في المستقبل. ويعد «عيد» أحد أصغر الفنانين المشاركين عمرًا. ويؤكد أن الصالون «تأخر لسنوات»، داعيًا إلى تخصيص كليات الفنون أقسامًا علمية لدراسة «فنون التجهيز في الفراغ»، مضيفًا: «لو اهتمت الأكاديميات العربية بتنميته لوجدنا الكثير من الحصاد الفني القوي».

«الرهان الرئيس لهذه التجربة هو جذب المشاهد للتفاعل مع العمل، حيث لا يدخل إلى منطقة العرض إلا بعد وضع قفازات في قدمه، تشبه قفازات القدم المستعملة في غرف العناية المركزة، تجنبًا لنقل العدوى».

محمود حمدي  

ويقدم «عيد» مجموعة من الدوائر الأسطوانية المعلقة، وهي مغلفة بقماش شفاف، من اللون الأزرق، وقد رُسمت عليه مراحل الحياة المختلفة، وخطوط التواصل الحميم مطبوعة على هذا القماش، ولكنها تتحرك في شكل موجات هوائية، ولها سلالم. ويقول «عيد»، وهو مدرس بقسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة، جامعة حلوان: «أردت تصوير مختلف مراحل الحياة في شكل موجات مد وجزر، ووجود السلالم  يُظهر الرغبة في استئناف الحياة، ومواصلة الصعود ومواجهة حالات الفشل والانكفاء».

 التمسك بالهوية  

أما النحات أحمد عسقلاني، فيعالج فكرة جذور الهوية من خلال نماذج عرض متحفي، تُظهر أعماله من القش، وإلى جوارها نحت لتابوت فرعوني مسجى عند مدخل قاعة العرض. وتحدث عسقلاني لـ«الفنار» عن  انشغاله بقضية الموروث المصري القديم، وتلك الحضارة الراسخة. ويرى أن أعماله «تُظهر صور التواصل مع هذه الحضارة بصورة مبسطة خالية من البهرجة وصور الاستعراض، وباستعمال خامات متقفشة، وربما فقيرة لكنها متاحة للجميع».

كما تقدم الفنانة سماء يحيى، عملًا بعنوان: «باب السيدة عائشة»، يجمع الكثير من الأدوات والمفردات التي تباع في الأسواق الشعبية، وهي معروضة في فضاء سينوغرافي ضمن الجزء العلوي لقبة قصر الفنون بدار الأوبرا المصرية.

«ذهبت إلى السوق الشعبي بمنطقة السيدة عائشة جنوب القاهرة. أبهرني المكان كفضاء تشكيلي حافل بعلامات كثيرة، فهو على أطراف المقابر المحاطة بصمت الموت، في مواجهة مع صخب الحياة اليومية”.

سماء يحيى  

وتتسم أعمال سماء يحيى، باستدعاء العناصر التراثية، ولذلك تعتبر إنتاجها في معرض الصالون مكملًا لهذا المسار. وتقول: «ذهبت إلى السوق الشعبي بمنطقة السيدة عائشة جنوب القاهرة. أبهرني المكان كفضاء تشكيلي حافل بعلامات كثيرة، فهو على أطراف المقابر المحاطة بصمت الموت، في مواجهة  مع صخب الحياة اليومية”. وتضيف: “اخترت علامات من هذا العالم، لتأكيد المفارقة، وتأكيد ثراء المفردات الشعبية وتنوعها، عبر خلق عالم مواز من أجل لفت نظر المتلقي للعناصر التراثية المهملة».

وضمن أعمال الصالون نفسه، يقوم الفنان عماد أبوزيد، بإظهار خامات المخطوطات واللفائف التراثية، ومراحل تطورها، وصولا لفكرة المكتبة. ويرسم على أطباق البث الفضائي، بعد تقديم معالجات لونية للخامة المعدنية. وفي المسطح الجداري يقدم عجائن لونية مع أوراق معالجة وخامات «التوال»، وهي معالجة بـ«صبغات» وألوان بلاستيكية، لتحضير المسطح اللوني. يقول «أبو زيد»: «أردت مقاومة التشويش في الأفكار والنصوص، عبر إعادة تأويل هذه العلامات، للتأكيد على وجود أكثر من زمن متجاور».

يظهر عمل الفنان جمال الخشن، الذي يحمل عنوان: «قضم التفاحة»، الحياة البشرية في صورة تفاحة مستمدة من كونها «رمزًا للصراع الكوني».

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

يقول «الخشن» لـ«الفنار»: «استلهمت الفكرة من رسم لغلاف مجلة إنجليزية، في العام 1941 يُظهر هتلر وموسوليني، وهما يقومان بقضم خريطة العالم، وهي على شكل تفاحة، وقت صعود المد الفاشي». ويتابع: «من هنا، بدأت الربط بين مشروعي وبين آدم وحواء، وبالفعل أعدت صياغة عمل كلاسيكي حول آدم وحواء، وعملت على إظهار بعض الأشخاص الذين حاولوا قضم العالم بالحروب، التي ما تزال مستمرة إلى الآن، في صورة التنظيمات المتطرفة مثل داعش، وغيرها».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى