أخبار وتقارير

رحيل المطرب السوري الكبير..«قل للمليحة» صباح فخري مات

بعد مشوار فني امتد لبضعة عقود، توفي الفنان السوري الكبير صباح فخري، عن عمر ناهز ثمانية وثمانين عامًا، لتنتهي بذلك تجربة غنائية فريدة، صاغها صاحبها على مهل، مستفيدًا من موروث الموسيقى العربية، ومطوّرا لألحانها التراثية.

وبمجرد ذيوع خبر وفاته، احتل اسمه مرتبة متقدمة على قائمة الموضوعات الأكثر رواجًا على محركات البحث في العالم العربي، ما يعكس القيمة الفنية الكبيرة، والالتفاف الجماهيري حول المطرب الراحل.

نعاه الفنان العراقي نصير شمة على «فيسبوك»، وكتب: «لأننا دائمًا نكتب قصص البطولات، فلقد كتبته مخيلتي بطلًا لا يموت. لا أصدق ولا أريد أن أصدق. العمالقة تمتد حيواتها لأجيال وأجيال. لكنه رحل اليوم تاركًا في قلوبنا جميعًا صوته الذي لا يرحل أبدًا. صوته العملاق». وبالمثل، نعته وزارة الإعلام ونقابة الفنانين في سوريا. وأعلنت الفنانة السورية تماضر غانم، أن جثمان الفقيد سيُدفن في مقبرة الدحداح بالعاصمة دمشق، نزولًا على رغبة ذويه.

نشأة صباح فخري

لأسرة لها ميول صوفية، ولوالد مهنته قراءة القرآن والإنشاد الديني، ولد الفنان الراحل، واسمه الحقيقي صبحي أبو قوس، في مدينة حلب، في الثاني من مايو/ أيار عام 1933. وعندما كان عمره أربعة عشر عامًا، اصطحبه عازف الكمان سامي الشوا، في جولات موسيقية شملت عددًا من المدن السورية عام 1947.

لأننا دائمًا نكتب قصص البطولات، فلقد كتبته مخيلتي بطلًا لا يموت. لا أصدق ولا أريد أن أصدق. العمالقة تمتد حيواتها لأجيال وأجيال. لكنه رحل اليوم تاركًا في قلوبنا جميعًا صوته الذي لا يرحل أبدًا. صوته العملاق».

نصير شمة
الفنان العراقي

 أما لقب فخري الذي رافقه طيلة مسيرته، فيعود إلى مؤسس المعهد الشرقي بدمشق، المؤلف والشاعر فخري البارودي (1887 – 1966)، وهو من أبناء العاصمة دمشق. وكان له دور سياسي، ضد الاحتلال الفرنسي لسورية، في مرحلة مبكرة من حياته، قبل أن يتفرغ لدعم الحركة الفنية السورية، كما تخبرنا بذلك الموسوعة الدمشقية. أعجب الرجل بالمطرب الصغير في ذلك الوقت، فأهداه لقبه، مشجعًا إياه على الاستمرار وتنمية موهبته بشكل علمي.

ولهذا الإهداء موقف أورده كتاب «صباح فخري سيرة وتراث»، للكاتبة السورية شدا نصار، ففي إحدى الحفلات الإذاعية المباشرة، أراد النائب فخري، الذي شغل عضوية البرلمان السوري في الفترة ما بين عامي 1932 و1946، تبني مطربنا الراحل، فأوعز إلى مقدم الحفلة المذيع صباح القباني، بأن يُقدّمه باسم صباح فخري، وهو ما كان بالفعل.

مضى صباح فخري، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا كبيرًا، من موشحات وقدود ومقامات حلبية، كما أثرى المسرح العربي بالكثير من الأعمال، حتى نال ألقابًا من قبيل «ملك مسارح الطرب»، و«صنّاجة العرب»، و«سيد الموشحات»، وغيرها.

والقُدود، وفق ما نقل موقع ساقية، عن الباحث السوري عبد الفتاح قلعه جي، كلمة مفردها «قد»، تعني المقاس. ويعود أصلها إلى الألحان الدينية، أما من الناحية الموسيقية فالقد «ليس قالبًا موسيقيًا بحد ذاته، لكنه يأخذ شكل القالب الأساسي الذي نشأ منه، فإن كان بالأصل موشحًا بقي كذلك، وإن كان طقطوقة أو أغنية بقي كذلك أيضًا».

دراسته القرآن والموسيقى

ويعزو كثيرون إجادته الغناء، إلى حفظه القرآن في الثانية عشرة من العمر، بأحد مدارس حلب القرآنية، ودراسته مبادئ اللغة العربية، وعلم البيان والتجويد، حتى عام 1947. وفي فترة لاحقة، انتقل فخري إلى معهد حلب للموسيقى العربية، ومنه إلى معهد دمشق، وتخرج في معهد الموسيقى الشرقية عام 1948.

يعزو كثيرون إجادته الغناء، إلى حفظه القرآن في الثانية عشرة من العمر، بأحد مدارس حلب القرآنية، ودراسته مبادئ اللغة العربية، وعلم البيان والتجويد، حتى عام 1947.

تتلمذ صباح فخري في شبابه على أيدي شيوخ كبار، أمثال رائد الموسيقى الفذ الشيخ علي درويش (1884 – 1952)، والموسيقار الكبير مجدي العقيلي (1917 – 1983).

كان أول موال للمطرب الكبير الراحل، هو: «غرّد يا بلبل وسلّ الناس بتغريدك»، تعلمه من صديقة لوالدته،  وتعلق بفن الموال حتى تعرف على عازف العود والملحن السوري الراحل محمد رجب، الذي علمه أول موشح له، وهو: «يا هلالًا غاب عني واحتجب». وفي منطقة باب النيرب الأثرية في حلب، كانت له أول حلقة إنشاد مدفوعة الأجر، وهو لم يتجاوز الثامنة من عمره. فمقابل ليرتين سوريتين، غنّى أولى القصائد أمام الملأ. ولم يكد فخري يبلغ الثانية عشرة من العمر، حتى وجد نفسه يغني أمام رئيس الجمهورية السورية آنذاك، شكري القوتلي، خلال زيارته إلى حلب عام 1946، في قفزة فنية لفتى الموشحات نحو آفاق غنائية أرحب.

على الصعيد الاجتماعي، تزوج الفنان صباح فخري مرّتين. أنجبت له زوجته الأولى ثلاثة أبناء، هم: محمد، وعمر، وطريف، قبل أن تفارق الزوجة الحياة. أما الزوجة الثانية، فأنجبت له ابنًا هو المطرب أنس فخري.

وعلى امتداد محطات مسيرته الفنية، تميّز صباح فخري ببراعته الكبيرة في الاحتفاظ بتفاعل حار من الجمهور حين يقف على المسرح، مهما طال به الوقت دون ملل، حتى أنه استطاع تسجيل اسمه في موسوعة «جينيس» للأرقام القياسية، بغناءه المستمر لعشر ساعات في العاصمة الفينزويلية كاراكاس عام 1968. كما صنفته موسوعة «ميكروسوفت» للوسائط المتعددة التي عُرفت باسم «إنكارتا» (Microsoft Encarta)، كواحد من رموز الغناء العربي الأصيل.

تميّز صباح فخري ببراعته الكبيرة في الاحتفاظ بتفاعل حار من الجمهور حين يقف على المسرح، مهما طال به الوقت دون ملل، حتى أنه استطاع تسجيل اسمه في موسوعة «جينيس» للأرقام القياسية.

أدى فخري العديد من أغاني حلب التراثية في العديد من المهرجانات العربية والدولية، إلى جانب أغان من قصائد كل من: أبو فراس الحمداني، والمتنبي، وغنى لابن الفارض، وابن زيدون، وبهاء الدين زهير، وابن زهر الأندلسي، ولسان الدين الخطيب. بالإضافة إلى تلحين قصائد لشعراء معاصرين مثل فؤاد اليازجي. ومن أشهر أغنياته: “مالك يا حلوة مالك، وخمرة الحب اسقنيها، ويا طيرة طيري، وقدك المياس، ويا مال الشام، وأنا في سكرين من خمر وعين، وقل للمليحة”، بالإضافة إلى العديد من الموشحات، والمواويل، التي لاقت شعبية واسعة في العالم العربي.

وشارك المطرب الراحل في أعمال فنية معروفة مثل مسلسل «الوادي الكبير» (1974) مع المطربة الراحلة وردة الجزائرية، من تأليف نزار مؤيد العظم، وإخراج إيلي سعادة، وفيلم «الصعاليك» (1968) مع الفنان دريد لحام، والفنانة مريم فخر الدين، من تأليف وإخراج يوسف معلوف.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

حاز صباح فخري الكثير من الجوائز وشهادات التقدير، منها شهادة تقدير لغنائه في قاعة نوبل للسلام في السويد على إحيائه للطرب العربي الأصيل، إلى جانب أدائه في قاعة بيتهوفن في مدينة بون الألمانية وقاعة قصر المؤتمرات في باريس، وفق موقع «بي بي سي». كما نال وسام تونس الثقافي الذي قلده إياه الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة عام 1975، ووسام التكريم من السلطان قابوس عام 2000، والميدالية الذهبية في مهرجان الأغنية العربية في دمشق عام 1978، ووسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة في عام 2007.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى