أخبار وتقارير

الجزائر: خطوات رسمية لإلغاء تدريس الفرنسية بعد عقود من قانون التعريب

بحلول الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر كل عام، يحتفل الجزائريون بـ«اليوم الوطني»، الذي يوافق ذكرى اندلاع ثورة التحرير ضد الاحتلال الفرنسي عام 1954. وخلافًا لاحتفالات سابقة، فإن المناسبة تأتي، هذا العام، مواكبة لتحركات حثيثة لإلغاء استخدام اللغة الفرنسية، لصالح العربية في الأعمال الرسمية، والإنجليزية في بعض مناهج التعليم.

الجزائر، التي نالت استقلالها في يوليو من عام 1962، سنّت قبل أكثر من ثلاثة عقود، في عهد الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، قانونًا يقضي بتعميم استعمال اللغة العربية، في يناير من عام 1991، لكن القانون تم تجميده في عهد الرئيس محمد بوضياف عام 1992. وخلال حكم الجنرال ليامين زروال، أُعيد إحياء «مشروع التعريب» مجددًا عام 1996، ثم تعثرت محاولات تطبيقه طيلة أكثر من ثلاثين عامًا أثناء حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وفق موقع «أصوات مغاربية».

اليوم، ومع التوتر السياسي القائم بين الجزائر وباريس، على خلفية الجدل المتكرر إزاء «ملفات الذاكرة»، المرتبطة بفترة الاحتلال الفرنسي (1830 – 1962)، تبدو السلطات الجزائرية عازمة على إلغاء استخدام اللغة الفرنسية في القطاع الرسمي، وسط توقعات بأن يعلن الرئيس عبد المجيد تبون قرارات بذلك، خلال الاحتفالات باليوم الوطني الجزائري، بحسب موقع «العربي الجديد».

خطوات نحو إلغاء الفرنسية

أولى الخطوات التي اتخذتها السلطات الجزائرية لإلغاء اللغة الفرنسية، جاءت قبل نحو ثلاثة أسابيع، مع بداية الموسم الدراسي الجديد (2021 – 2022)، حيث تم تعميم استبدال الإنجليزية بالفرنسية، وذلك في المدرسة العليا للذكاء الصناعي، والمدرسة العليا للرياضيات، التابعتين لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بالجزائر العاصمة. وتضم المدرستان نحو ألفي طالب باشروا الدراسة بالإنجليزية، في ممارسة تعليمية غير مسبوقة.

«إن التوصيات التي خرجنا بها، تؤكد على ضرورة الاعتماد على مناهج تعليمية عالية، واستخدام اللغة الإنجليزية خاصة على مستوى المعاهد والكليات العلمية والتكنولوجية».

بوعلام سعيداني
 المدير العام للتكوين بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي

ويقول بوعلام سعيداني، المدير العام للتكوين بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، إن هذه الخطوة جاءت بعد سلسلة لقاءات وندوات لأكاديميين وباحثين، من داخل وخارج الوطن. وفي تصريح لـ«الفنار»، يضيف «سعيداني»: «إن التوصيات التي خرجنا بها، تؤكد على ضرورة الاعتماد على مناهج تعليمية عالية، واستخدام اللغة الإنجليزية خاصة على مستوى المعاهد والكليات العلمية والتكنولوجية».

مع بدء الدراسة، توجهت الطالبة جهيدة حيان، إلى المدرسة العليا للرياضيات للتسجيل بالصف الأول. وعندما أمسكت بالوثائق والاستمارات المعدة لذلك، وجدتها مكتوبة باللغتين العربية والإنجليزية. «على غير المعتاد، غابت الفرنسية تمامًا حتى عن الإعلانات الرسمية للمدرسة العليا، كما غابت عن بطاقات النقل والإطعام والإقامة. ولم يعد المدرسون يتحدثون الفرنسية إلا في بعض المواقف النادرة». قالت حيان.

إجراءات متدرجة

وتعتزم الوزارة تعميم إلغاء الفرنسية بشكل متدرج، يشرح «سعيداني»: «البدء باستعمال الإنجليزية في المدرستين العليين للرياضيات والذكاء الاصطناعي محطة أولى، يعقبها تعميم الفكرة تدريجيًا على المدينة الجامعية الجديدة التي تضم نحو عشرين ألف طالب».

ولا يعارض «سعيداني» اعتماد الجامعات والمدارس العليا بأنحاء البلاد، على اللغة الانجليزية بدلًا من الفرنسية، «بشرط تقديم لوحة تقنية من قبل مسؤوليها، وشرح القابلية والمؤهلات المتوفرة للاعتماد على الإنجليزية كلغة للتعليم والتدريس، لأن الوزارة تعتمد على برامج تكوينية في الإنجليزية، وتشرف على ورش تدريبية، تُمكّن من بلوغ الهدف بخطة مدروسة، وباستعمال لغة علم قادرة على مواكبة التطورات».

المدرستين العليتين للرياضيات والذكاء الصناعي. (الصورة: سفارة الولايات المتحدة في الجزائر).
المدرستين العليتين للرياضيات والذكاء الصناعي. (الصورة: سفارة الولايات المتحدة في الجزائر).

من جانبها، باركت سفارة الولايات المتحدة الأميركية بالجزائر، هذه الخطوة، ونشرت مقطع فيديو من داخل المدرسة العليا للذكاء الصناعي والرياضيات حول الأمر.

وطيلة الأسابيع القليلة الماضية، يتوالى في الجزائر صدور بيانات من وزارات عدة، تمنع موظفيها من التحدث بالفرنسية كلغة في الحياة اليومية مع المواطنين، وفي التعاملات والمراسلات الرسمية.

وكانت وزارة الشباب والرياضة الجزائرية سباقة في إصدار التعليمات من خلال مراسلة رسمية إلى كل الهيئات التابعة لها، قبل عشرة أيام، بمنع استخدام اللغة الفرنسية.

وبالمثل، حذت وزارة التكوين والتعليم المهنيين، حذو وزارة الشباب والرياضة، وعزت قرارها بمنع استعمال الفرنسية، إلى المادة الثالثة من الدستور التي تقر بأن العربية هي اللغة الرسمية في البلاد.

كما أصدرت وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، تعليمات مماثلة، إلى كل الهيئات التابعة لها، منذ أيام.

وكانت بعض المؤسسات الصحية، وبعض الهيئات الإدارية وباجتهادات من مسؤوليها، قد منعت استعمال الفرنسية من خلال التعاملات اليومية مع المواطنين.

تحول تاريخي

عن ذلك التحول التاريخي في العلاقة مع اللغة، التي تتداخل مع جوانب شتى من الحياة، يقول الباحث في اللسانيات، والأستاذ بجامعة بجاية شرق الجزائر، عبد المجيد شيبان، إن الفرنسية «تراجعت بأكثر من 25% في السنوات الخمس الأخيرة، بسبب اعتماد الجزائريين على الإنجليزية». ويضيف في تصريح لـ«الفنار»: «مسح بسيط على إعلانات المدارس الخاصة لتعليم اللغات في الجزائر، وإحصاء المسجلين بها، يؤكد التراجع الكبير في اهتمام الجزائريين باللغة الفرنسية، بدليل أن هناك مدرسة خاصة، في بجاية، سجلت 98 راغبًا في تعلم الإنجليزية، مقابل 38 طالبًا يريد تعلم الفرنسية، العام الجاري». ويتوقع الباحث في اللسانيات مواصلة اللغة الفرنسية التراجع في البلاد، «في ظل رغبة الجامعات الجزائرية، وبعض الدوائر الحكومية الرسمية إسقاطها من مناهج التعليم وتعاملاتها اليومية مع المواطنين».

«مسح بسيط على إعلانات المدارس الخاصة لتعليم اللغات في الجزائر، وإحصاء المسجلين بها، يؤكد التراجع الكبير في اهتمام الجزائريين باللغة الفرنسية».

عبد المجيد شيبان
يقول الباحث في اللسانيات، والأستاذ بجامعة بجاية شرق الجزائر

مصاعب وتحديات

على الرغم من حالة الاحتفاء الوطني العام بالتوجه نحو إلغاء الفرنسية، لا يبدو أن الأمر سهلًا بالنسبة للدراسين أمثال جهيدة حيان، وقالت لـ«الفنار» أنها تواجه صعوبات كبيرة في التأقلم مع مناهج التعليم العالي المعدة بالإنجليزية، ما يتطلب منها تلقي دروسًا مسائية مكثفة في اللغة بالمدارس الخاصة.

https://www.bue.edu.eg/

كما تشير إلى أن مبعث الصعوبة يأتي من تأخر تدريس الإنجليزية للطلاب في مرحلة التعليم الأساسي؛ حيث تبدأ المدارس الجزائرية تقديم دروس اللغة الفرنسية للتلاميذ بدءًا من الصف الثالث الابتدائي، أما الإنجليزية فيبدأ تدريسها في السنة الثانية من التعليم المتوسط (الإعدادي).

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

ولذلك، يدعو الباحث في اللسانيات عبد المجيد شيبان إلى «ضرورة البدء في تعليم الإنجليزية للتلاميذ منذ المرحلة الابتدائية، مع زيادة ساعات تدريس الإنجليزية في الأطوار التعليمية الثلاثة (الابتدائي، والإعدادي، والثانوي)، حتى يتحفز التلاميذ أكثر لتعلم اللغة الجديدة، ولإنجاح مخطط الحكومة في اعتمادها رسميًا في التعليم العالي والبحث العلمي».

ويضيف «شيبان»: «كما أن اللغة الفرنسية من المخلفات الاستعمارية الثقيلة في الجزائر، والتخلص من هذه التركة يتطلب رغبة قوية وإرادة فولاذية».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى