أخبار وتقارير

موجز بصري لمسيرة التشكيلية إيفلين عشم الله في «الكلام الذي لا يقال»

كابنة لمجتمع الفلاحين وبسطاء الناس، تروي التشكيلية المصرية إيفلين عشم الله (73 عامًا)، حكاياتها البصرية، عبر سرديات لونية متجاورة، تمثلها لوحات معرضها الجديد المعنون «الكلام الذي لا يقال».

يضم المعرض، الذي انطلقت فعالياته في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، ويستمر حتى السابع من كانون الأول/ديسمبر المقبل، أربعين لوحة تلخص مسيرة فنية طويلة، موزعة على جدران «جاليري أكسيس» للفنون البصرية، وسط القاهرة.

ولدت «عشم الله»، في العام 1948 بمدينة دسوق التابعة لمحافظة كفر الشيخ، شمال دلتا مصر، ثم اختارت دراسة التصوير بكلية الفنون الجميلة، في جامعة الإسكندرية، التي تخرجت فيها بحلول العام 1973.

بعد ذلك، امتهنت الصحافة بمجلة روزاليوسف العريقة، ومنها إلى احتراف الفن التشكيلي، حيث شاركت بلوحاتها في معارض جماعية وفردية، قبل أن تبرح عالم الصحافة لتكتفي بالفرشاة وحدها. وبين عامي 2000 و2002، شغلت منصب مديرة متحف الفن المصري الحديث، ثم تفرغت، من جديد، للفن وحده.

تنتمي «عشم الله» لما يعرف بجيل السبعينيات في مصر، الذي دفعته هزيمة العام 1967، إلى «تبني اتجاهًا يغاير المضمون الواقعي الذي سيطر على التصوير المصري خلال الستينيات»، حيث قررت، مع غيرها من أبناء جيلها، السير في طريق استكمال مسيرة الفنان التشكيلي الرائد عبد الهادي الجزار (1925 – 1966)، ومعه الفنان حامد ندا (1924 – 1990) في إنتاج لوحات تنتمي إلى «الفانتازيا الشعبية»، وتنطوي على ملامح سريالية على الطراز المصري.

«لوحات المعرض تتوج مرحلة بدأت في العام 2015، واستمرت حتى 2020؛ انتقلت خلالها من التشخيص السحري، إلى استخدام الحروف، فاتخذت حكاياتي شكل حروف مرسومة تكتب خلاصة فلسفتي وتراثي الخاص».

إيفلين عشم الله

عن معرضها الأخير، تقول «عشم الله» لـ«الفنار»: «لوحات المعرض تتوج مرحلة بدأت في العام 2015، واستمرت حتى 2020؛ انتقلت خلالها من التشخيص السحري، إلى استخدام الحروف، فاتخذت حكاياتي شكل حروف مرسومة تكتب خلاصة فلسفتي وتراثي الخاص».

قبل هذه المرحلة، توقفت عن الرسم لفترات طويلة، وفكرت في اللجوء لفن الكتابة بديلًا عن الرسم، ثم بحثت عن وسيلة تجمع بينهما، فكانت لوحاتها التي تطور فيها من حضور الحرف، وتعمل على تشكيل الكلمات لتصبح عنصرًا رئيسيًا في اللوحة. ورغم ذلك، لم تصنف «عشم الله» إنتاجها ضمن المدرسة الحروفية، انطلاقًا من «حرصها على أن ترسم بحرية دون الالتزام بأسلوب (..) وأن ترسم بعفوية بهدف استبطان الذات»، وفق تعبيرها.

في معرضها «الكلام الذي لا يقال»، تعود الفنانة إلى التشخيص بأسلوب منبثق من ذلك الذي بدأت ترسم به منذ العام 1985، حيث «تختلط الرسوم والشخوص بالحروف في حركة حرة تمامًا».

ولا تفصل «عشم الله» إنتاج معرضها المقام حاليًا، عن مرحلة سابقة أنتجت فيها لوحات تحت عنوان: «أيقونات دسوق»، رسمتها من مخزون ذاكرتها في الطفولة، وأبرزت فيها أسماء الأطفال الذين شاركوها بهجة الخطوات الأولى، وتراجعت فيها، إلى حد كبير، هيمنة الحروفية، لتبرز قوة الخيال الشعبي وعناصر العوالم الغرائبية.

«الكلام الذي لا يقال»

تبدأ التشكيلية المصرية العمل في اللوحات «وهي لا تملك تصورًا واضحًا، أو تخطيطًا أوليًا، بل تعمل بحرية تامة؛ لتقدم في لوحاتها نمطًا من السرد البصري، والسرديات المتجاورة، التي تبرز هواجسها». «لدي الكثير من الحكايات التي تبرزها اللوحات، وفي إطارها توجد دائمًا كائنات سحرية فرضت نفسها على اللوحة»، تضيف «عشم الله».

«بكثير من الدأب والتمهل»، تباشر فنها، «تأكيدًا لخصوصية عالمها، ولا تنزعج من تباعد فترات إنتاجها»، حيث تقول، في عبارة شعرية: «أعمل بهدوء ليصل عملي لما أريد. وفي العادة، أبدأ من شرارة صغيرة لأمسك داخلي بالنار التي تشعل مخيلتي في اللحظة الجديدة».

وفيما تقر الفنانة بأنها «مدينة للحكايات الشعبية التي احتفظت بها في الذاكرة، وأضافت لها الكثير من خبرات الحياة»، تؤكد أن «ذاكرتها لا تزال تحمل الكثير من الحكايات التي تستحق أن تروى؛ عشت في مدينة دسوق، أبرز مدن محافظة كفر الشيخ شمال دلتا مصر، وفيها يحظى نهر النيل باتساع كبير. وكانت إلى جواره العديد من المساحات الخضراء والحقول التي أثرت خيالي بمشاهد احتفالية لا تنسى أبدا؛ سواء في الاحتفالات الشعبية أو الدينية».

«بسطاء المصريين أنتجوا طقوسًا مشتركة يصعب فيها النظر لاختلاف الديانات؛ كانت الموالد الدينية، واحتفالات شم النسيم، مناسبة لإظهار كل العناصر الغرائبية التي يستحيل تصديقها الآن».

إيفلين عشم الله  

وأمام مشاهداتها لتلك الطقوس، تقول: «بسطاء المصريين أنتجوا طقوسًا مشتركة يصعب فيها النظر لاختلاف الديانات؛ كانت الموالد الدينية، واحتفالات شم النسيم، مناسبة لإظهار كل العناصر الغرائبية التي يستحيل تصديقها الآن». وقد استخدمت الفنانة، في كل لوحاتها، الرموز الشعبية البسيطة كتجسيد واقعي، وليس سطحيًا.

وبعد رحلة مديدة مع الفن، تقول «عشم الله» إن أعمالها «تأتي من مصادر متعددة، بالإضافة لما عشته في طفولتي، أرى أن ما بداخلي لا يزال ثريًا، وما زلت أواصل الإنتاج على أمل التعبير عن كل ما أحمل من مخزون بصري».

وإذ يلمس الزائر لمعرضها، قوة حضور اللون الأصفر والأخضر والأزرق، تتحدث عن خيارات الألوان الصريحة في أعمالها بالقول: «مصر بلد ينعم بشمس ساطعة في أغلب أوقات السنة، ومن الطبيعي أن تأتي ألواني بهذا السطوع. أستهل عملي دائمًا بالألوان التي أعرفها، وبالتالي فإن الاستجابة لرصيد ذاكرتي أمر طبيعي».

كما تنفي «عشم الله» عن نفسها تهمة التكرار، فتقول: «من المهم أن تبرز خصوصية ما في أعمالك، وهذه الخصوصية لا تعنى التكرار، فأنا أرسم لمزاجي، واعتبر إنتاجي كله مساحة للبهجة أسعى لإشراك الآخرين فيها».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

إلى جانب مشاركتها في العديد من المعارض المحلية والدولية، فازت «عشم الله» بمنحة من وزارة الثقافة المصرية لزيارة متاحف روما في العام 1994، ونالت أكثر من جائزة؛ منها الجائزة الأولى في مسابقة جمعية «فاوست» العالمية بألمانيا، في العام 1992، وذلك لرسمها شخصية «هومونكولوس»، التي وردت بمسرحية «فاوست» (1808)، للأديب الألماني «جوته» (1749-1832).

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى