أخبار وتقارير

«مراكز التفتح».. بوابة طلاب المدارس المغربية نحو تعلم الفنون

تسعى وزارة التربية الوطنية المغربية إلى استكمال إدماج الفنون بالمدراس، من خلال إنشاء مراكز «التفتح الفني والأدبي»، بمختلف الأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية التابعة لها، في مشروع وطني، يرى خبراء أنه «لم يحظ بالرعاية اللازمة بعد».

وهذه المراكز مؤسسات تعليمية حكومية متخصصة في تدريس فنون المسرح، والسينما، والموسيقى، والفنون التشكيلية، بواسطة أساتذة متخصصين، وهي مفتوحة لجميع الطلاب.

يعود تاريخ انطلاق المرحلة التجريبية من مشروع تعميم تلك المراكز، إلى العام 2015، في سياق تنفيذ الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 الرامية إلى إصلاح المنظومة التعليمية في البلاد.

ويطمح القائمون على المشروع أن تلعب هذه الفضاءات الفنية «دورًا هامًا في تعزيز الجانب الثقافي بالمدارس، لتتمكن من ترسيخ القيم والمبادئ الجمالية والفنية، بالإضافة إلى إبراز وصقل مواهب الطلاب».

في السابق، كانت التربية الموسيقية والتشكيلية تلقن فقط بالمرحلتين الثانوية والإعدادية في التعليم العمومي، بمعدل ساعتين في الأسبوع، ولا يستفيد منها إلا أقل من 5% من التلاميذ، وفقًا لوزارة التعليم المغربية.

لذلك، خلصت الوزارة إلى ضرورة إنشاء مؤسسات للتفتح لتكون بمثابة «البنيات الملائمة للتنشيط الفني والثقافي والإبداعي، حيث تم العمل على إرسائها، بتشاور مع وزارة الثقافة ومجموعة من الفاعلين والخبراء في المجالات الإبداعية»

من جانبه، قال مبارك مزين، رئيس مصلحة تنمية الانشطة الاجتماعية والثقافية، بمديرية الحياة المدرسية بالوزارة، في تصريح خاص لـ«الفنار»: «مشروع إحداث مؤسسات للتفتح جاء لتلبية الحاجات المتزايدة للمتعلمين في مجال التنشيط التربوي، ولا سيما ما يتعلق بالفنون من موسيقى، وتشكيل، ومسرح، وفنون الصوت والصورة».

«مشروع إحداث مؤسسات للتفتح جاء لتلبية الحاجات المتزايدة للمتعلمين في مجال التنشيط التربوي، ولا سيما ما يتعلق بالفنون من موسيقى، وتشكيل، ومسرح، وفنون الصوت والصورة».

مبارك مزين
رئيس مصلحة تنمية الانشطة الاجتماعية والثقافية، بمديرية الحياة المدرسية بالوزارة

وأضاف: «يحظى المشروع بأهمية بالغة ضمن سلة المشاريع التي أطلقتها الوزارة خلال السنوات القليلة الماضية، بهدف الارتقاء بمنظومة التربية والتكوين، من خلال جعل الفضاءات المدرسية أكثر جاذبية وانفتاحًا واندماجًا ضمن محيطها السوسيو- مهني».

https://www.bue.edu.eg/

وتابع المسؤول الوزاري: «نسعى إلى تعزيز انفتاح التلاميذ على محيطهم الفني والثقافي، وفق مقاربة تستحضر نتائج التجارب السابقة من جهة، وتستشرف أفقًا أكثر فاعلية ونجاعة في هذا المجال من جهة ثانية، وترسيخًا لمبادئ الحكامة الجيدة في تدبير أنشطة التفتح الفني والأدبي، بما يضمن تكافؤ الفرص، ويحقق الاستفادة العادلة لجميع التلاميذ من مختلف الأنشطة الفنية والثقافية».

وحول مدى إقبال التلاميذ على تعلم الفنون، قال طارق اليزيدي مدير مؤسسة التفتح الفني والأدبي بمدينة طنجة (شمال البلاد): «هناك إقبال منقطع النظير من التلاميذ، كما يحرص عدد كبير من الأسر على تسجيل أبنائهم بمؤسسة التفتح الفني والأدبي، وهذا أمر مهم، ويعكس الوعي المشترك بأهمية دور المؤسسة في تطوير مهارات وملكات التلاميذ في المجالات الإبداعية».

وأضاف: «ارتياد مؤسسة التفتح أضحى عاملًا مشجعًا، خاصة مع تحديد المعالم الأساسية للتوجيه نحو المعاهد العليا الفنية، والوعي بأهمية التكوين في المجالات الفنية واللغوية، وخاصة بالمدن الكبرى للمملكة المغربية، والتي توجد بها معاهد خاصة بالتكوين في مجالات الفنون والثقافة، كالمسرح والفنون التشكيلية».

وأشار «اليزيدي» إلى أن المؤسسة «منفتحة على كل الجهات المعنية بالفن والثقافة، من خلال إبرام عدد من اتفاقيات الشراكة مع بعض الجمعيات الفاعلة في المجالين الفني والأدبي، ومع المعاهد الثقافية الأجنبية بطنجة».

وتستضيف المؤسسة على الدوام وجوهًا فنية وثقافية معروفة، للتواصل مع طلاب المؤسسة وتنظيم معارض فنية أيضًا، كما تقوم بـ«أدوار التكوين للأساتذة منسقي الأندية التربوية والفنية بالمؤسسات التعليمية، وتخول لهم التخصص في المجال الفني واكتساب أدواته وآلياته، لكي يتسنى لهم إنجاح دورهم بالأندية التربوية».

نماذج طلابية

قادمًا من جنوب البلاد، يحمل الطالب أنس الزماطي، الكاميرا، وهو يتجول في شوارع الرباط، لدراسة السينما بالمعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما. الطالب الشغوف بفنون التصوير الفوتوغرافي والسينما، أحد نماذج خريجي مركز التفتح الفني والأدبي بمدينة كلميم جنوب المغرب، حيث ساهمت التربية على الفنون في نجاح مساره الدراسي، واجتياز امتحان الالتحاق بالمعهد.

«جيلنا محظوظ، لأننا وجدنا مؤسسة التفتح الفني والأدبي خلال مرحلتي الإعدادية والثانوية. تعلمنا الكثير في مجال الفنون، سواء المسرح، أو السينما بمدينة كلميم حيث لا وجود لمعاهد للفنون والسينما».

أنس الزماطي
طالب بالمعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما

ويحلم «الزماطي» مستقبلًا بتحقيق الكثير من أحلامه بعد نيل درجات علمية عليا. ويقول لـ«الفنار»: «جيلنا محظوظ، لأننا وجدنا مؤسسة التفتح الفني والأدبي خلال مرحلتي الإعدادية والثانوية. تعلمنا الكثير في مجال الفنون، سواء المسرح، أو السينما بمدينة كلميم حيث لا وجود لمعاهد للفنون والسينما».

تحديات ومطالب

في المقابل، يرى توفيق مفتاح، الباحث في الفن والثقافة، أن تدريس الفنون في المدرسة المغربية «يعيش وضعية هشة، بعدما ظل حبيس رؤية غير متكاملة ومبتورة، وشهد تراجعات على مستوى التراكم الذي حصل منذ عقود من الاستقلال إلى الآن». ويضيف: «مشروع مؤسسات التفتح الفني والأدبي، لم يحظ بعد بالرعاية اللازمة من طرف الوزارة، ولم يتم بناء جميع عناصره، من حيث التصور والوضعية القانونية لهذه المؤسسات».

ويتابع «مفتاح»: «لكي ينجح هذا المشروع، يلزمه القطع مع الانعزالية عن المؤسسات التعليمية، لأن المدرسة هي الأصل، وهي النواة التي يجب أن يتاح فيها كل شيء للتلميذ، والأصل في النشاط التربوي والفني هو القرب من التلميذ، ولا يمكن أن تحل هذه المراكز محل المدرسة في التربية على الفنون، لأنها لا توفر نفس الفرص للجميع، لأنها ذات صبغة إقليمية».

ويقترح الباحث في الفنون أن «تلعب مؤسسات التفتح ما يشبه دور الوسيط مع المؤسسات التعليمية، من خلال إعداد أساتذة المؤسسات التعليمية في مجالات الفنون وتحفيزهم، ولعب دور الإشراف والتنسيق، من خلال التواصل مع الأندية التربوية داخل المدارس والتعاون معهم في أنشطة التشبيك الموضوعاتي، وغيرها».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

في السياق نفسه، يرى الفنان والناقد التشكيلي إبراهيم الحيسن أنه «لا يمكن حل مشكلة التعليم الفني في المغرب سوى بخلق مسالك وشعب للفنون التشكيلية والتطبيقية بالكليات، وإتاحة الفرصة لحاملي شهادة البكالوريا التخصصية لاستكمال التكوين، والحصول، بالتالي، على شواهد عليا تمكنهم من ولوج المراكز الجهوية للتربية والتكوين من أجل التخرج، وامتهان تدريس التربية التشكيلية بالتعليم الثانوي الإعدادي».

وطالب «الحيسن» في تصريح لــ«الفنار» بـ«ضرورة التعجيل بإصدار المرسوم الوزاري المنظم لعمل مؤسسات التفتح الفني، وتنظيم طرق وأساليب العمل داخل هذه المؤسسة، وإعادة النظر في برامج ومقررات مادة التربية الفنية والتشكيلية لطلاب الابتدائي والإعدادي».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى