أخبار وتقارير

أسباب ضعف نظام الرعاية الصحية لمواطني غزة في دراسة علمية

تحت عنوان «الاقتصاد السياسي للصحة في قطاع غزة (الأراضي الفلسطينية المحتلة)»، نشرت منى جبريل، الباحثة بمركز الأعمال، في جامعة كامبريدج البريطانية، دراسة علمية، في السابع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر، عن أسباب ضعف نظام الرعاية الصحية لمواطني القطاع الذي يواجه مشكلات شتى.

تقول جبريل، التي تُعرّفها الجامعة بأنها «عالمة الاجتماع متعددة التخصصات» (Interdisciplinary Social Scientist)، لـ«الفنار»: «نتيجة لعقود من الاحتلال، أصبح حق الفلسطينيين في الصحة مُسيّسًا إلى حدٍ كبير، مما ترك النظام الصحي في غزة اليوم مُجزَّءًا من حيث الجهات الفاعلة، وتقديم الخدمات، والتمويل، والملكية وآليات صنع القرار».

استنادًا إلى مشروع بحثي نوعي متعدد التخصصات، تضمن مقابلات متعمقة مع صُنّاع السياسات والمسؤولين الصحيين، ومقدمي الرعاية للمرضى، بدأت الدراسة في كانون الثاني/ يناير 2019، كجزء من صندوق أبحاث التحديات العالمية – مشروع البحث والابتكار بالمملكة المتحدة، بعنوان: «الصحة في حالات النزاع (R4HC-MENA): تطوير القدرات والشراكات والبحوث في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».

«قطاع غير مستقل»

تستعرض الدراسة تاريخ خدمات الرعاية الصحية في غزة، من عدد قليل من المستشفيات التبشيرية الغربية، والمنظمات الخيرية الدينية، أو القبلية خلال الحكم العثماني (1516-1917)، وحتى أول وزارة صحة تابعة للسلطة الفلسطينية (1994-2006) وما تلاها من انقسام، مما يلقي الضوء على تأثير عدم وجود كيان سياسي مستقل موحد، والانقسام السياسي بين قطاع غزة والضفة الغربية.

«نتيجة لعقود من الاحتلال، أصبح حق الفلسطينيين في الصحة مُسيّسًا إلى حدٍ كبير، مما ترك النظام الصحي في غزة اليوم مُجزَّءًا من حيث الجهات الفاعلة، وتقديم الخدمات، والتمويل، والملكية وآليات صنع القرار».

منى جبريل
الباحثة بمركز الأعمال، في جامعة كامبريدج البريطانية

وتذكر أن «تاريخ الاستعمار والاحتلال العسكري شكّل قدرة النظام الصحي الفلسطيني، ويحدد الجهات الفاعلة الرئيسية فيه»، ويحدد أربع جهات تقدم الخدمات الصحية هناك: حكومية، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية. ومع ذلك، تتطلب خدمات الرعاية الصحية المتخصصة، من الدرجة الثالثة، نقل المرضى إلى إسرائيل والدول العربية المجاورة.

مع مجتمع شاب في الغالب يضم نحو 1.4 مليون لاجئ مسجل، أدى الحصار المفروض على قطاع غزة، والذي تم تكثيفه منذ عام 2007، إلى «الاعتماد المفرط على أموال المانحين، وممارسات البحث عن الريع، وبشكل أساسي إنشاء شبكة من الأنفاق تحت الارض على الحدود بين غزة ومصر»، بحسب الدراسة. وفي «ذروة ذلك النشاط بين عامي 2007 و2013، أدى اقتصاد الأنفاق عبر الحدود إلى سيناء المصرية إلى تحسين الظروف الاقتصادية للسكان، بتوفير فرص عمل لـ 10,000 شخص«. مع ذلك، تقول الدراسة إن «اقتصاد الأنفاق انعكس سلبًا على مؤسسات مثل المنظمات غير الحكومية، حيث تم تهريب بعض الأدوية المجهولة وتمريرها دون مراقبة».

«الانقسام والانهيار المؤسسي»

وترسم الدراسة صورة شاملة وقاتمة لقطاع الصحة، في غزة، الذي «يعاني من التجزئة، والانهيار المؤسسي، وعدم الاستقرار، وتقييد الحركة، وعدم السيطرة على الموارد، وغياب التنسيق، وغياب الإطار القانوني، وعدم استقرار التمويل، والمركزية، والبيروقراطية، وانعدام الشفافية». وتوضح أن هذا الأمر «يتفاقم بسبب الاقتصاد الهش في غزة، الذي يعتمد، إلى حد كبير، على مساعدات المانحين، والإنفاق من خلال ميزانية السلطة الفلسطينية، وكلاهما يشكلان ما يقرب من 70 إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي لغزة».

تسلط جبريل الضوء على «الدور الحيوي» لمنظمة «الأونروا» في تقديم المساعدة، والخدمات الإنسانية والتنموية للاجئين المسجلين في غزة. (الصورة:مني جبريل).
تسلط جبريل الضوء على «الدور الحيوي» لمنظمة «الأونروا» في تقديم المساعدة، والخدمات الإنسانية والتنموية للاجئين المسجلين في غزة. (الصورة:مني جبريل).

في هذا الصدد، تسلط جبريل الضوء على «الدور الحيوي» لمنظمة «الأونروا» في تقديم المساعدة، والخدمات الإنسانية والتنموية للاجئين المسجلين في غزة، والذين يشكلون حوالي 74.5% من سكان القطاع.

وتقول جبريل: «يعتمد القطاع الصحي على المساعدات الخارجية، وخاصة المساعدات الحيوية التي تقدمها الأونروا. تضفي الأونروا أيضًا الشرعية على وضع اللاجئين الفلسطينيين الذي طال أمده، كما يؤثر أي عجز مالي، في ميزانية المنظمة، على قدرتها على الحفاظ على الخدمات المنقذة لحياة الفلسطينيين ودفع رواتب موظفيها»، مشيرة إلى التهديد الذي واجهته المنظمة، عندما أوقف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب المساعدات المخصصة لها، قبل أن يعلن خلفه الرئيس جو بايدن استئناف تقديم المساعدات للفلسطينيين.

وتوضح جبريل أن «التحولات الدراماتيكية في برامج الأونروا تهدد صحة وتعليم الفلسطينيين، بما في ذلك توزيع المواد الغذائية على أكثر من مليون شخص مما زاد أعباء أسر القطاع أثناء وباء كوفيد-19».

كما تسلط الباحثة الفلسطينية الضوء على تحول القطاع الصحي إلى «ساحة للصراع السياسي الناتج عن الانقسام الفلسطيني؛ إذ ألقى أحد كبار صُنّاع السياسات، الذين أجريت مقابلات معهم، ضمن الدراسة، باللوم على حماس (الحركة المسيطرة على قطاع غزة)، وفتح (الحركة التي تقود السلطة الفلسطينية)، لتسببهما في انقسام الشعب الفلسطيني وتكرار الخدمات».

تعثّر التعليم الطبي

وتلقي الدراسة الضوء، أيضًا، على عثرات التدريب الطبي في غزة. وتقول جبريل: «أنشأت وزارة الصحة في غزة البورد الطبي الفلسطيني، وتقدم جامعات غزة بعض الشهادات الطبية، وكذلك تنظم الأونروا، والمنظمات غير الحكومية، دورات تدريبية لموظفيها. ومع ذلك، قد لا تكون مصادر التدريب الطبي هذه متسقة، من حيث الجودة والمعايير، بشكل عام. وقد لا تتوفر بعض التخصصات في غزة».

«تكشف الدراسة عن الحالة الهشة للأنظمة الصحية في غزة. بحث منى واحد من الدراسات المنهجية القليلة لظروف الحياة اليومية هناك. إنه يعطي صوتًا لسكان غزة، وهذا مهم، قبل كل شيء».

سيمون ديكين
أستاذ القانون في جامعة كامبريدج ومدير مركز أبحاث الأعمال

وتشير إلى ما يترتب على «قيود الحصار من عدم قدرة الطاقم الطبي والطلاب على حضور المؤتمرات الدولية والاستفادة من المعارف والخبرات الحديثة»، فضلًا عن «الظروف السياسية والاقتصادية في غزة، والتي أدت إلى موجة من هجرة الأدمغة، مما تسبب في نقص الخبرات الطبية بمستشفيات القطاع».

وعلاوة على ذلك، ينعكس الافتقار إلى بنية تكنولوجية قوية وانقطاع التيار الكهربائي اليومي في غزة، على التدريب الطبي، «مما يجعل التعليم عبر الإنترنت، والوصول إلى الموارد الرقمية، أمرًا صعبًا للغاية».

نقل البحوث إلى خشبة المسرح

كحاصلة على درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها، استفادت جبريل من ملتقىCreative Encounters في جامعة كامبريدج (2020)، بما في ذلك فرصة للعمل مع مسرح ميناجيري، لكتابة مسرحية، مستمدة من الدراسة نفسها، بهدف إيصاله إلى جمهور أوسع.

عن ذلك تقول: «تم اختيار عرض مسرحيتي من قبل مسرح ميناجيري Menagerie Theatre للمشاركة في تدريب إضافي (ورشة عمل Menagerie Young Writers). ساعدتني ورشة العمل هذه في تطوير نص مسرحية The Loop، أو الحلقة، والذي تم اختياره لاحقًا للعرض في مهرجان Menagerie Hotbed (تموز/ يوليو، 2021)». وتعتقد جبريل أن المسرحية كانت «الوسيلة المثالية لالتقاط المشاعر، وضمان إخفاء هوية المشاركين، وإضفاء الطابع الإنساني على الجانب السياسي». وتضيف، الأكاديمية التي عاشت في غزة لمدة 22 عامًا: «عندما تتحدث إلى أشخاص يعيشون في ظل ظروف طارئة مستمرة، حول التأثير طويل المدى عليهم بطريقة أكاديمية، فلن يثق الأغلبية بما تقوم به».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

في تقديمه للدراسة، كتب سيمون ديكين، أستاذ القانون في جامعة كامبريدج ومدير مركز أبحاث الأعمال: «تعتبر الرعاية الصحية، في غزة، أولوية ورفاهية، في ذات الوقت لمعظم العائلات». ويقول لـ«الفنار»: «تكشف الدراسة عن الحالة الهشة للأنظمة الصحية في غزة. بحث منى واحد من الدراسات المنهجية القليلة لظروف الحياة اليومية هناك. إنه يعطي صوتًا لسكان غزة، وهذا مهم، قبل كل شيء».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى