أخبار وتقارير

حنان حماد..مؤرخة مصرية تكشف «الماضي المجهول» لليلى مراد

بعيدًا عن بريق الفن، وأضواء المجد السينمائي، يأتي كتاب الأكاديمية المصرية حنان حمّاد «الماضي المجهول: ليلى مراد نجمة مصر اليهودية – المسلمة«، المخطط صدوره من جامعة ستانفورد، أبريل 2022، ليسبر أغوار تجربة المطربة البارزة (1918 – 1995)، وما رافق مشوارها من هزائم وعثرات.

يبدأ الكتاب بتقديم سيرة موجزة لليلى مراد وعائلتها، قبل وبعد دخولها المجال الفني، وعملها مع المخرج السينمائي محمد كريم الذي يعد من رواد السينما العربية (1867 – 1972). وترى المؤلفة أن تجربة مراد مع كريم «اتسمت بالمعاناة؛ لأنه كان يريد تسييد صورة لجمال المرأة مستمدة من الثقافة الغربية، وهي صورة تمجد الأجساد النحيفة وتنفر من السمنة، وبسبب ذلك سقطت ليلى مراد من الإعياء خلال تصوير أحد الأفلام لأنها كانت تخاف من تناول الطعام حتى لا تغضب كريم«.

تبرر «حمّاد«، أستاذة التاريخ بجامعة «تكساس كريستيان» الأمريكية، اختيار المطربة الراحلة موضوعًا لكتابها، بالقول إنها «تمثل حالة نموذجية لدراسة أوضاع الجيل الأول من نجمات الفن، وأوضاعهن الاجتماعية، خاصة وأنها حظيت بنجومية واسعة، واحترام بالغ، وقتما كان العمل بمهنة الفن يمثل تعديًا على التقاليد المحافظة».

في مقابلة مع «الفنار»، تقول المؤلفة إن «دراسة حياة ليلى مراد تعد استكمالًا لجهودها في دراسة تاريخ النساء، وهي، بخصوصية وضعها، كنجمة يهودية تزوجت من مسلم، عاشا خلافاتهما الزوجية تحت الأضواء، ثم زواجها السري من أحد الضباط الأحرار الذين تولوا السلطة في العام 1952، وإخفاء طفلها منه، تغري المؤرخ أكثر من غيرها، بالإضافة إلى معاناتها النفسية بسبب الإشاعات التى استهدفتها كابنة لعائلة يهودية مصرية، يعمل عائلها زكي مراد بالفن«.

احترفت ليلى مراد الفن، وهي في سن الطفولة، وكان اسمها ليليان زكي موردخاي، وعندما أصبحت شابة تولت إدارة أعمالها بنفسها، ثم تحولت من الديانة اليهودية إلى الإسلام، في العام 1946، بعد زواجها من الفنان أنور وجدي (1904 – 1955)، الذي كان أحد أشهر نجوم السينما المصريين، وقدمت معه سلسلة من الأفلام الغنائية.

تضيف المؤلفة: «الكتاب فرصة لقراءة موقف جهاز الدولة، في مصر، من نقاشات دارت حول المواطنة والهوية الدينية، وامتدت لأكثر من 80 عامًا، عاشتها ليلى مراد في مناخ حافل بالصراع السياسي والعسكري بين العرب وإسرائيل، كما كانت سيرتها أيضا طرفًا في معادلات التسوية السياسية؛ فقد أُستدعيت، وأُعيد تسليط الأضواء عليها، عقب سنوات من اعتزالها، بالتزامن مع زيارة الرئيس المصري أنور السادات لتل أبيب، وما صاحب ذلك من نقاش حول سبل التطبيع مع إسرائيل«.

«الكتاب فرصة لقراءة موقف جهاز الدولة، في مصر، من نقاشات دارت حول المواطنة والهوية الدينية، وامتدت لأكثر من 80 عامًا، عاشتها ليلى مراد في مناخ حافل بالصراع السياسي والعسكري بين العرب وإسرائيل

حنان حمّاد  

ويرى الكتاب أن النقاش، حول تحول مراد إلى اليهودية، ظلّ سياسيًا، وامتد بعد رحيلها أيضًا. وتوضح «حمّاد«: «في ذرورة النقاش حول التطبيع السياسي، جرى استدعاء سيرة ليلى مراد، كدليل على إمكانية التعايش بين العرب واليهود؛ لترويج خطاب التطبيع، لأنها نجمة كانت تدين باليهودية، ولم تواجه بأي عداء شعبي. وفي المقابل رأى المناهضون للتطبيع في سيرتها دليلًا آخر على وجود نماذج مقاومة للتعامل مع إسرائيل على الرغم من انتمائها الديني«.

وساعد عمل «حمّاد« في دراسة أرشيف المطربة ليلى مراد، في إيجاد مدخل غير تقليدي لدراسة تاريخ مصر الاجتماعي والفني، فقد شهدت البلاد، في الربع الأول من القرن العشرين، تحولات مهمة، ليس فقط على صعيد انهيار الخلافة العثمانية، في العام 1923، ومحاولة صياغة هوية محلية، تنطلق من مفهوم قومي، عقب ثورة العام 1919، ولكن أيضًا، على صعيد تطور صناعة التسلية والترفيه.

وتوضح المؤرخة المصرية أن صناعة الترفيه، في مصر، مرت بموجات متلاحقة من التطورات التكنولوجية، التى لعبت دورًا في إضفاء وضع اجتماعي شديد الاحترام على النجوم، مما جعلهم «أيقونات قومية»؛ حيث تزايدت أعداد المسارح الصغيرة والصالات التي جذبت فئات من الطبقة الوسطى، بعدما كانت تجتذب الأجانب فقط للترفيه عن جنود الحلفاء، في مصر، خلال فترة الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918).

وتضيف: «بفضل هذا التحول حدثت طفرات كبرى سمحت بظهور أصوات غنائية مصرية، مثل: سيد درويش (1892 – 1923)، وصالح عبد الحي (1896 – 1962)، ومحمد عبد الوهاب (1902 – 1991)، وأم كلثوم (1898 – 1975)، إلى جانب فئة من المشايخ مارسوا الفن، وتولوا عملية تمصير الموسيقى الشرقية والعمل على تحريرها من التقاليد التركية».

«أيقونة شعبية»

وفيما يرصد الكتاب تطور صناعة الوسائط، في ذلك الوقت، مع ظهور الأسطوانات، ومن بعدها الإذاعات الأهلية والحكومية والصحافة الشعبية التي استوعبت هؤلاء، واجتذاب السينما، كوسيط أكثر جماهيرية، أغلب هؤلاء لعالمها، فإنه يتناول تلك التحولات بالدراسة، بعدما حولت تكنولوجيا الميكروفون صوت وصورة ليلى مراد، إلى أيقونة بين المصريين والشعوب العربية عمومًا. تؤكد المؤلفة أن ليلى مراد كانت «هي الأنجح بين كل المطربات في تقديم الأفلام الغنائية، وتحولت إلى نجمة جماهيرية محبوبة، ولم تكن ديانتها اليهودية تمثل عائقًا أمامها بل أصبحت رمزًا قوميًا».

غلاف كتاب ليلى مراد
غلاف كتاب ليلى مراد

ويبرز الكتاب، كذلك، الخطاب الذي قدمته أفلام ليلى مراد حول وضعية المرأة. وترى «حمّاد» أن هذه الأفلام تبنت «خطابًا تقليديًا محافظًا، يقوم على الأفكار الذكورية، ويعمل على تسوية الصراعات الطبقية والاجتماعية، إلى جانب التمييز الرومانسي للحياة الريفية، عن الحياة في المدينة، ومحاولة ربط هذا التمييز بالقيم الأخلاقية فقط. ومن هنا، فقد عملت أفلام ليلى مراد على تنميط المرأة وتكريس التخلف الاجتماعي».

وكشفت المؤلفة، في مقابلتها مع «الفنار»، عن «عثورها على مذكرات كتبتها النجمة الراحلة، ولم تنشر من قبل في كتاب»، وقالت: «أعمل حاليًا على كتابة مقدمة لمذكرات ليلى مراد، لكي تنشر في العالم العربي، لأول مرة، وهي ليست ذات صلة بالنسخة الإنجليزية من كتابي الصادر حديثًا عنها». كما تؤكد أن هذه «المذكرات، لم ترد في أي مؤلف عربي حول المغنية الشهيرة، بما في ذلك كتاب الروائي الراحل صالح مرسي (ليلى مراد، دار الهلال، مصر، 1995)، أو كتاب الصحفي والمؤرخ الفني أشرف غريب (الوثائق الخاصة لليلى مراد، دار الشروق، مصر، 2016)»، والذي تعتبره «حمّاد» «من أفضل ما كتب حول سيرة ليلى مراد».

صراع حول «الأمومة»

ضمن فصول الكتاب، تقترب المؤلفة من ملف الأحوال الشخصية لليلى مراد، عقب زواجها من النجم أنوروجدي، وتقول: «ليست هذه المقاربة بدافع النميمة، فقد تكفلت الصحافة الفنية بذلك، ولا تزال تركز على هذا الجانب وتبالغ في تصويره؛ فالخلاف بين النجوم شائع؛ لأنه يقع تحت الأضواء، لكن ما أقوم بتحليله مرتبط بحرص ليلى مراد وأنور وجدي على إقحام الصحافة في الخلاف العائلي، لأن ذلك كان يعزز من حضورهما العام، ويمثل دعاية مجانية لعملهما معًا».

وتضيف: «رأيت أن الخلاف بين الزوجين، يطرح تساؤلات حول مفهوم الأسرة، في ظل وجود زوج مسلم وزوجة يهودية، وهي حالة نادرة جدًا، وبالتالي فإن تقصي العلاقة الزوجية وتطوراتها كان كاشفًا لتطور البنية التشريعية وطبيعة قوانين الأحوال الشخصية آنذاك». ويُظهر الكتاب كيف تمكنت ليلى مراد من فرض أنور وجدي، كزوج لها، على عائلتها اليهودية؛ إذ تزوجته خارج الروابط التقليدية، كما لم يكن أي فرد من أفراد عائلتها بين شهود وثيقة الزواج، على الرغم من أن المذهب الحنفي (مرجعية طقوس الزواج عند مسلمي مصر) كان يتيح لها ذلك».

«رأيت أن الخلاف بين الزوجين، يطرح تساؤلات حول مفهوم الأسرة، في ظل وجود زوج مسلم وزوجة يهودية، وهي حالة نادرة جدًا، وبالتالي فإن تقصي العلاقة الزوجية وتطوراتها كان كاشفًا لتطور البنية التشريعية وطبيعة قوانين الأحوال الشخصية آنذاك».

حنان حماد  

وعبر وثيقة الزواج، تقدم «حمّاد» تحليلًا للخطاب التشريعي السائد، وقتذاك، في حالة زواج نادرة ومغايرة لما هو نمطي في المجتمعات العربية الحديثة، كما تنظر لها كـ«أداة من أدوات التفاوض التي يتم اللجوء إليها عند وجود خلاف بين الزوجين». وتؤكد المؤلفة أن ثقة ليلى مراد المعتادة بنفسها «لم تحل دون أن تصبح الطرف الأضعف في معادلة الزواج الذي انتهى بالانفصال النهائي».

ومن المثير – وفق الكتاب – أن أنور وجدي «لم يكن متحمسًا لتحولها الديني إلى الإسلام، بل إنه لم يكن ضمن شهود وثيقة التحول التي وقعها صحفي مغمور، وموظف بإدارة الإفتاء، غير أنه أصر، في المقابل، على إعلان تحولها من اليهودية إلى الإسلام، بعد اشتعال الصراع العربي الإسرائيلي على خلفية نكبة 1948 وإعلان قيام إسرائيل».

ويقدم الكتاب فصلًا عن السرديات التي أنتجها المصريون، حول ليلى مراد، وتنامت عقب وفاتها، كما يطرح تساؤلات حول ما ترى المؤلفة أنها «فترة تغييب مراد قسريًا» بعد ارتباطها بالسيد وجيه أباظة (1917-1994)، وهو أحد السياسيين الفاعلين في مصر، خلال فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر (1954-1970)، وقد تولى التحقيق في المزاعم التي راجت حول تبرع قدمته ليلى مراد لإسرائيل خلال فترة حرب السويس عام 1956، وهي مزاعم بثتها وسائل إعلام سورية، لكنها لم تؤثر على شعبية المطربة الراحلة. وترى المؤلفة أن الدولة «لم تبذل جهدًا جديًا لمساعدتها على تخطي الأزمة آنذاك».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

ولم تتمكن المغنية الشهيرة الراحلة – تقول المؤلفة – من إعلان ارتباطها بأباظة، في علاقة زواج غير رسمية، «أسفرت عن ابن لم يحظ باعتراف معلن إلا عقب وفاتها». وتشرح أكثر قائلة: «لاحظت في النعي المنشور، عقب وفاة أباظة، وكذلك ليلى مراد، أنه لاتوجد إشارة لنسب هذا الابن من أي نوع. وقد اضطرت المطربة الراحلة، بعد أن تخلى عنها أباظة، للزواج من المخرج فطين عبد الوهاب (1913 – 1972)، في مناخ يقدم عينة مثالية لهيمنة القيم الذكورية؛ حيث أنهت علاقتها مع أباظة وجودها الفني، وحولتها من نجمة إلى أم».

قبل هذا الكتاب، عُرفت المؤلفة في الأوساط الأكاديمية الغربية، كمؤرخة معنية بدراسة النوع؛ تهتم بأوضاع نساء الشرق الأوسط، وتحديدًا في مصر وإيران. وقدمت كتابات وأبحاث عدة، منها ما يدور حول العاملات بمصانع الغزل والنسيج بمدينة المحلة الكبرى، (دلتا مصر)، فضلًا عن دراسات أخرى حول نماذج لناشطات نسوية في قضايا المرأة بالجامعات المصرية خلال الثمانينيات. وقبل استقرارها في الولايات المتحدة، منذ حوالي عشرين عامًا، عملت بالصحافة لعدة سنوات بعد تخرجها في كلية الإعلام بجامعة القاهرة.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى