أخبار وتقارير

كويتيتان ترصدان تجربتهما «في مواجهة التمييز» داخل جدران الجامعة

أمام «أنماط مختلفة من التمييز واجهتهما» في العمل الأكاديمي، قررت حنين الغبرا، عضو هيئة التدريس بجامعة الكويت، وشهد الشمري، عضو هيئة التدريس بجامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا، توثيق تجربتهما في بحث علمي تناول قصتهما في مواجهة تلك الصعوبات.

وفي ظل ندرة مثل هذه النوعية من الأبحاث، اعتمدت الباحثتان «على المنهجية الأدائية التي تعكس خبرات أصحابها العملية في البحوث، بغية الحث على توفير بيئة آمنة للطلاب وأعضاء هيئة التدريس»، بحسب قولهما.

وقالت حنين الغبرا، أستاذة الإعلام بكلية الآداب في جامعة الكويت، عبر «زووم» لـ«الفنار»: «واجهنا الوصم دومًا بأننا إناث وصغار على تقديم أي شيء يذكر. الوصم بالأنوثة يأتي من نظام أبوي عميق الجذور يقوم على اعتبارنا أقل كفاءة».

وأضافت، وهي حاصلة على الدكتوراه في تخصص دراسات التواصل والثقافة من جامعة دنفر الأمريكية: «ينعكس هذا الوصم على التفاعلات اليومية. نواجه أسئلة خارج قاعات الفصل الدراسي، مثل: هل أنتن متزوجات؟ كم عدد أطفالكم؟ أو مخاطبتنا في المراسلات الإلكترونية بدون الألقاب الأكاديمية».

«واجهنا الوصم دومًا بأننا إناث وصغار على تقديم أي شيء يذكر. الوصم بالأنوثة يأتي من نظام أبوي عميق الجذور يقوم على اعتبارنا أقل كفاءة».

حنين الغبرا
 أستاذة الإعلام بكلية الآداب في جامعة الكويت

وتابعت: «امتدت مظاهر التمييز نحوي إلى اللكنة التي أتحدث بها في قاعات التدريس، حيث أستخدم أحيانًا بعض المفردات الفلسطينية، لأنني كويتية من أصل فلسطيني».

وطرحت «الغبرا» في البحث المعنون: «التغير في العنصرية في حياتنا اليومية .. البياض والإعاقة والذكورة في المجتمع الأكاديمي»، تساؤلات، مثل: «هل أستطيع الحياة في حالة تقلب مستمر؟ هل أتعرض للعقاب لأني من أبناء الحدود؟». وقد نال البحث، الذي استغرق إعداده نحو عامين، جائزة دراسة العام الماضي من جمعية الاتصالات الوطنية الأمريكية.

من جانبها، واجهت «الشمري» «صعوبات تمييزية إضافية عن الأنماط السابقة، لكونها ذات إعاقة جسدية، وذلك بعد تشخيص إصابتها بمرض التصلب العصبي المتعدد، وهي في الثامنة عشرة، والذي جعل من مهمة التدريس بالنسبة لها تحاكي حالة الحرب».

«هذا لا يناسبك يا دكتورة! أنت أفضل من أن تكوني مدللة! كوني قوية!» كانت هذه العبارة لعضو هيئة التدريس، خاطب بها الباحثة وسط تلاميذها، في مظهر من مظاهر «التمييز» بحقها، بعدما شاهدها تستخدم «العكاز»، في طريقها إلى قاعة التدريس.

قالت الأكاديمية الكويتية، عبر «زووم» لـ«الفنار»: «تعرضت للعقاب لأني فشلت في أن أكون أنثى مثالية. النساء لا يعرجن! في تلك اللحظة أدركت أنه رغم امتيازي ككويتية حاصلة على الدكتوراه، إلا أنني لا زلت امرأة تعاني إعاقة لا يمكن إخفاؤها طويلًا».

وأضافت، وهي عضو بأسرة تحرير المجلة الأكاديمية الدولية «ذوي الإعاقة والمجتمع»، وأصغر امرأة بقسم اللغة الإنجليزية بالجامعة: «العنصرية تجاهي تظهر أيضًا في أشياء غير مرئية كالسلالم الضيقة، والمصاعد البعيدة جدًا من أماكن فصولي، والأبواب الثقيلة التي تحتاج إلى الدفع بقوة بكامل الجسد، والأوراق التي يجب التحديق فيها ووضع علامات عليها، والاضطرار إلى التحدث بصوت مرتفع بسبب عدم وجود كتب مسموعة».

لكنها تستدرك: «ما زلت أقاتل داخل الفصل الدراسي، والتحدي بالنسبة لي هو: كيفية التحول من من حالة الحرب إلى المنطقة الآمنة».

رغم مظاهر التمييز التي تحدثت عنها الباحثتان، إلا أنهما ترفضان «فكرة التعاطف أو تصدير لفكرة المظلومية»، وتعتقدان أن «واجبهما الرئيسي هو توظيف مساحات الامتياز المتاحة لهما، من خلال العمل الأكاديمي، في الدفاع عن حقوق المهمشين داخل وخارج الجامعة، وفهم سياقات هذا التمييز في بحوث علمية».

«كأكاديميين، نشعر بالمسؤولية بضرورة أن يُسمَع صوتنا، وكذلك أصوات من يتعرضون لصعوبات مماثلة سواء داخل الجامعة أو خارجها. نريد لبحثنا أن يكون دوليًا، وأن يكون متاحًا لكل شخص. نريد أن يغير الناس مفهومهم، وأن يصوبوا طرقهم في التعامل خارج الفصول الدراسية».

شهد الشمري
عضو هيئة التدريس بجامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا

وقالت «الشمري»، الحاصلة على الدكتوراه في تخصص الآداب من جامعة كينت البريطانية: «كأكاديميين، نشعر بالمسؤولية بضرورة أن يُسمَع صوتنا، وكذلك أصوات من يتعرضون لصعوبات مماثلة سواء داخل الجامعة أو خارجها. نريد لبحثنا أن يكون دوليًا، وأن يكون متاحًا لكل شخص. نريد أن يغير الناس مفهومهم، وأن يصوبوا طرقهم في التعامل خارج الفصول الدراسية».

بالمثل، تؤيد «الغبرا»، أهمية «توظيف الصلات والمعارف العلمية، والامتيازات الأكاديمية في توفير مساحة آمنة للطلاب الذين قد يحتاجون إلى الدعم». وأوضحت: «كوني أكاديمية يعني أنني ناشطة ومدافعة عن حقوق الناس، وأكثر اتصالًا بهم وبمجتمعاتنا، ولدي امتيازات كوني حاملة لدرجة الدكتوراه، ومايترتب على ذلك من مسؤولية لجعل المجتمعات أكثر تسامحًا وانفتاحًا وقبولًا للآخر».

ويرصد الفصل الرابع من البحث، والمعنون: «التنقل بين الامتياز والقمع، رابعًا: مساحات آمنة»، كيف عززت تجربتي الباحثتين الوعي بـ«ضرورة توظيف امتيازاتهما في توفير مساحة آمنة للطلاب الآخرين الذين يحتاجون إلى الدعم، وتحديدًا أولئك المعرضين  للشعور بالاغتراب من أصحاب الهويات المهمشة، كالبدون (من لا يحملون جنسية) والمعاقين».

في هذا الفصل، تقول حنين الغبرا: «على سبيل المثال، حين يخبرني الطلاب البدون أنهم عديمو الجنسية، فمن مسؤوليتي الأخلاقية والامتيازية ألا أشارك هذه المعلومات مع الطلاب أو الأساتذة الآخرين. هناك شعور بالثقة المتبادلة، ويجب أن نعمل على إنمائه. وهذه المواقف تتطلب مني مساعدتهم بطرق مختلفة للتعامل مع هذا النظام».

«ولا تقتصر الظاهرة التي تناولها البحث على بلد بعينه»، وفق الأستاذة بجامعة بغداد ميساء جابر، والتي قالت لـ«الفنار»: هناك مظاهر للتمييز قد تعوق النساء عن شغل مناصب قيادية بالمؤسسات الأكاديمية، أو تترك آثارًا نفسية عليهن، مثل مناداتهن بأم فلان (اسم الابن أو الابنة) وليس بالدرجة العلمية التي يحملنها».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وأضافت الأكاديمية العراقية الحائزة على الدكتوراه من جامعة مانستشر البريطانية: «العراقيل والصعوبات التي تواجه الأكاديميات أثناء الترقي في السلك التعليمي، والتي تتقاطع مع الحريات الأكاديمية، تؤثر بدرجة كبيرة على المسارات المهنية. وأي امرأة في منصب تدريسي تواجه أفكارًا خاطئة، كالزعم بأنها ضعيفة، ولا تستطيع التحلي بروح القيادة، وخاصة إذا كان مرؤوسيها من الرجال، مع تبرير ذلك بمسؤولياتها المنزلية كزوجة وأم».

وتعتقد «جابر» أن البحوث التي تستعرض هذه التجارب «مهمة وضرورية في سبيل تعزيز، ورفع كفاءة البيئة التعليمية في العالم العربي، والتوعية بالتمييز الذي تتباين مظاهره من دولة إلى أخرى».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى