أخبار وتقارير

وسط انتقادات رسمية.. جدل مغربي حول نظام دراسي جديد لطلاب الجامعات

أثارت انتقادات قوبل بها قرار تطبيق نظام دراسي جديد في عشر جامعات مغربية، بشكل تجريبي، منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، شكوكًا حول احتمال تراجع وزارة التعليم العالي عن ذلك النظام، وتساؤلات حول مستقبل الطلبة الذين بدأوا الدراسة وفق آلياته.

وأصدر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي (مؤسسة استشارية رسمية)، بيانًا نهاية الشهر الماضي، اعتبر فيه أن نظام البكالوريوس «يفتقد إلى تصور يكشف الرؤية والغاية من إقراره بصيغته الحالية في الجامعات». وذكر المجلس، أن النظام الدراسي الجديد، الذي بدأ تطبيقه على نحو 23500 طالب، ينطوي على تكلفة مادية لسنة إضافية، بالإضافة إلى الإشكالات في برامج التكوين العلمي. وانتهى المجلس إلى التوصية بمراجعة النظام الدراسي الجديد.

ويقضي النظام الدراسي الجديد، والمتبع مثله في دول عربية عدة، مثل: مصر، والأردن، وسوريا، وبعض دول الخليج، بالحصول على درجة الليسانس في أربع سنوات بدلًا من ثلاث، كما يشترط التمكن من اللغات الأجنبية، بشكل أساسي، لحصول الطالب على شهادة التخرج. كما يتضمن سنة تحضيرية، يتم خلالها دعم معارف الطلاب وتطوير مهاراتهم اللغوية، بما يؤهلهم للدراسة الجامعية بشكل أفضل.

وقال محمد درويش، رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين، في اتصال هاتفي مع «الفنار» إن التقييمات الصادرة من مؤسسات حكومية، ومستقلة تدفع نحو «تراجع» الحكومة عن نظام البكالوريوس الجديد، بعد «التسرع غير المفهوم» في بدء تطبيق النظام دون توفر الحد الأدنى لضمان نجاحه من الموارد المالية والبشرية. ودعا إلى عقد حلقات نقاشية موسعة مع الخبراء المعنيين.

“إن التقييمات الصادرة من مؤسسات حكومية، ومستقلة تدفع نحو «تراجع» الحكومة عن نظام البكالوريوس الجديد، بعد «التسرع غير المفهوم» في بدء تطبيق النظام دون توفر الحد الأدنى لضمان نجاحه من الموارد المالية والبشرية”.

محمد درويش
رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين

و«المرصد الوطني» مؤسسة بحثية مستقلة، أسسه «درويش»، مع عدد من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المغربية، لرصد مشكلات التعليم العالي والبحوث في المملكة.

وأضاف «درويش»، وهو النقيب السابق للنقابة الوطنية للتعليم العالي لأساتذة الجامعات المغربية، أن التراجع عن تطبيق النظام الدراسي الجديد «يفرض نفسه بقوة» راهنًا، قبل انتقال الدارسين إلى المرحلة التالية. ورأى أن التأخر في اتخاذ الخطوة «سيُحَمّل الوزارة والجامعات مسؤولية ضياع» الدراسين وفق النظام الجديد.

ويعتقد الأكاديمي المغربي، وهو أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن الطريق الحقيقي لإصلاح التعليم يتمثل في: «إدخال إصلاحات على النظام القديم، من خلال تنظيم ورش لمراجعة بعض النواقص، مع هيكلة داخلية لمضمونه، تعليمًا، وبحثًا، وابتكارًا، بإشراك فعلي للأساتذة، مع التفكير في تقوية الجوانب اللغوية في هذا النظام».

جامعتان رفضتا النظام الجديد

 ورفضت جامعتا ابن طفيل، وسيدي محمد بن عبد الله، تطبيق النظام الجديد بشكل تجريبي، بسبب عدم إشراك أعضاء هيئة التدريس في جلسات نقاشية حول ذلك النظام، بالإضافة إلى غياب الإمكانيات البشرية أو اللوجسيتية لبدء تطبيقه، وفقًا لبعض أساتذة الجامعتين.

وعزا أستاذ بجامعة ابن طفيل، طلب عدم ذكر اسمه، أسباب رفض التطبيق إلى: عدم إشراك الأساتذة، بشكل موسع في آليات عمل النظام، بالإضافة إلى عدم إجابة مطالبهم بتوفير الخدمات اللوجستية، قبل تنفيذه، وعدم تحديد الأعداد الخاضعة لفترة التجريب بشكل دقيق. وأضاف أن إحدى سلبيات النظام الجديد تتمثل في: إضافة سنة تأسيسية إلى مدة الدراسة، وتخصيصها لحل مشكلات اللغة والثقافة العامة، والتي من المفترض أن تعالج في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي.

ورأى عضو هيئة التدريس بجامعة ابن طفيل، أن فترة التجريب الجارية حاليًا «ليست مقياسًا» للحكم على النظام، في ضوء الأعداد المحدودة الخاضعة له. وقال إن إنجاح هذا النظام، حال سريانه، على عدد طلاب التعليم العالي، والذي يقارب المليون و300 ألف طالب، يستوجب بدء الجهات الحكومية، في اتخاذ عدد من التدابير الموازية اللازمة، مثل: توفير البنى التحتية، والوسائل اللوجيستية الملائمة من جهة، والاهتمام بتحسين الأوضاع المادية والمعنوية للموارد البشرية، من أساتذة باحثين، وإداريين، من جهة أخرى.

وفيما أبدى وزير التعليم العالي المغربي عبد اللطيف الميراوي، اتفاقه، في جلسة بمجلس النواب، الأسبوع الماضي، مع بعض الانتقادات التي وردت في بيان المجلس الأعلى للتربية والتكوين حول النظام الجديد، لم تجب الوزارة على طلب للتعليق من جانب «الفنار» حول الموضوع نفسه.

«التجربة جيدة للغاية في ضوء محدودية الأعداد داخل الفصول الدراسية التي تصل لنحو 85 طالبًا، والتواصل الأكبر مع الأساتذة، بالإضافة إلى معالجته الضعف الكبير للطلبة في ما يخص اللغات، من خلال السنة التأهيلية».

مصعب شرعي
طالب كلية الحقوق بجامعة محمد الخامس

ووسط هذا الجدل المحتدم حول النظام الدراسي الجديد، يقول بعض الطلاب الذين انخرطوا فيه، منذ ثلاثة أشهر، إنه «أفضل كثيرًا» من النظام القديم، على مستوى البرامج التعليمية، والتأهيل العلمي.

تجربة طلابية

الطالب مصعب شرعي، واحد من هؤلاء، حيث يدرس بالعام الأول، في كلية الحقوق بجامعة محمد الخامس، وفق النظام الجديد، بعدما اجتاز اختبارًا عبر الإنترنت في المعلومات العامة، خضع له المتقدمون كافة في فترة التجريب. وما يميز تجربة «شرعي» أنه حصل على شهادة تعليمية من النظام القديم في تخصص الإعلام من جامعة ابن طفيل، قبل أن يبدأ دراسة الحقوق هذا العام وفق النظام الدراسي الجديد.

وقال الطالب المغربي الشاب إنه قرر الالتحاق بالدراسة مجددًا، بعدما كوّن انطباعات «جيدة» عندما بحث عن تطبيقات للنظام الجديد، في عدد من دول العالم، ومنها: الولايات المتحدة الأمريكية. وأضاف: «التجربة جيدة للغاية في ضوء محدودية الأعداد داخل الفصول الدراسية التي تصل لنحو 85 طالبًا، والتواصل الأكبر مع الأساتذة، بالإضافة إلى معالجته الضعف الكبير للطلبة في ما يخص اللغات، من خلال السنة التأهيلية».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

ويعتقد «شرعي» أن نجاح النظام يستوجب استمرارية تطبيقه على أعداد محدودة، معتبرًا أن تعميمه للطلاب كافة، في السياق الحالي «سيكون صعبًا للغاية»، نظرًا للأعداد الضخمة للطلاب، مقابل قلة أعداد أعضاء هيئة التدريس، وضعف الإمكانيات للجامعات لاستيعاب كل هؤلاء الطلاب في هذا النظام الجديد «الذي يتطلب دعمًا ماليًا كبيرًا».

وعن رؤيته كطالب لاحتمالات تراجع الوزارة عن تطبيق النظام، قال مصعب شرعي إن هناك ترقبًا كبيرًا في صفوف الطلاب، وتساؤلات حول مصيرهم حال التراجع عن هذه الصيغة، وخاصة بعد الرأي الأخير الذي أدلى به المجلس الأعلى للتربية والتكوين بخصوص نظام البكالوريوس، بشأن الإشكالات التي تحول دون تطبيقه بالشكل المطلوب».

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى