أخبار وتقارير

طلاب وأكاديميون جزائريون يشكون غياب التطبيق العملي في دراسة الإعلام

لم تستخدم الطالبة حنان جنان، في تخصص «السمعي البصري»، بجامعة باتنة شرق الجزائر، الكاميرا، أو الميكروفون، ولو لمرة واحدة طيلة أربع سنوات دراسية، حيث اقتصر تعليمها بالجامعة على الجانب النظري فحسب، كما تروي لـ«الفنار».

ومشكلة هذه الطالبة ليست فردية، فقد أصبح كثير من دارسي الإعلام والاتصال بجامعات جزائرية، مرغمين على البحث عن مراكز للتدريب، قبل التقدم لشغل أي وظيفة بالمجال الإعلامي، بسبب افتقار كلياتهم إلى أستوديوهات الإذاعة والتلفزيون، في واقع تعتبره الطالبة الجزائرية «إجحافًا واضحًا في حق الطلبة الذين يجدون أنفسهم من خريجي الإعلام والاتصال، من دون أن يعرفوا شيئًا عن التخصص سوى اسمه».

والمحظوظ من زملائها – تقول «جنان» – هو من ظفر بفرصة التدريب بإحدى الإذاعات الوطنية والجهوية، أو بمقرات القنوات العمومية والخاصة، وعدا ذلك، فالسواد الأعظم من الطلاب لم يقابلوا الكاميرا، ولم يجربوا الميكروفون طوال سنوات الدراسة.

وأمام هذه المعطيات، يسعى الطلاب إلى الالتحاق بمدارس ومراكز تدريب خاصة. وعن ذلك، يقول هشام بوعروري، طالب الدكتوراه في تخصص الإعلام والإتصال، بجامعة سطيف 02، إنه قرر، وقبل التدرج في التعليم العالي، الالتحاق بمؤسسة كان يديرها الإعلامي الراحل كريم بوسالم، لتنمية موهبته في التقديم الإذاعي والتلفزيوني.

ويضيف في تصريح لـ«الفنار» إن الممارسة العملية هي المرحلة الأهم في تخصص الإعلام والاتصال، لأنها تجعل الطلاب إعلاميين قادرين على العمل، «لكن هذا ما تفتقر إليه الجامعات الجزائرية للأسف، فيما عدا كليتين أو ثلاث على المستوى الوطني».

وفق «بوعروروي»، فإن اشتراط المؤسسات الإعلامية، الخبرة، بشكل أساسي في العمل، يفاقم معاناة الطلاب، ما يدفع الخريجيين إلى الالتحاق بأكاديميات التدريب الخاصة، ليكتسبوا، ولو خبرة بسيطة، تمكنهم من تحقيق أحد شروط التوظيف.

أعباء مالية

«اشتراط المؤسسات الإعلامية، الخبرة، بشكل أساسي في العمل، يفاقم معاناة الطلاب، ما يدفع الخريجيين إلى الالتحاق بأكاديميات التدريب الخاصة، ليكتسبوا، ولو خبرة بسيطة، تمكنهم من تحقيق أحد شروط التوظيف».

هشام بوعروري
طالب الدكتوراه في تخصص الإعلام والإتصال، بجامعة سطيف 02.

يترتب على اضطرار خريجي كليات الاتصال والإعلام إلى التدريب العملي بالمؤسسات الخاصة، تحملهم مبالغ مالية متفاوتة، تصل أحيانًا إلى حدود مائتي دولار مقابل كل مستوى من مستويات التدريب، وهو مبلغ «يصعب توفيره بالنسبة لكثير من الطلاب، بالنظر إلى الوضع الاقتصادي الصعب».

ويعلق الدكتور يامين بودهان، أستاذ الإعلام بجامعة قطر، على الأمر بالقول إن الواقع العام في تكوين طلبة الإعلام والاتصال بالجزائر، «فتح الباب لبعض المنتهزين لاستغلال الكثير من الطلبة، لاستنزاف جيوبهم بتكوين ضعيف، وبصحفيين ذوي تجربة ومستوى محدود في الغالب».

ويرى «بودهان» أن مناهج التدريس في أقسام الإعلام في الجزائر «تفتقد لرؤية ميدانية، لذلك تغيب أستوديوهات التدريب السمعي البصري في أغلب هذه الأقسام، وهو ما يجعل التخصص يفتقر إلى روح العمل الميداني، وهو الأساس في هذا المجال». ويعزو الأكاديمي الجزائري الأمر إلى غياب اهتمام كاف لدى المسؤولين، على مستوى الجامعات، ووزارة التعليم العالي، لتكريس التوجه التطبيقي بخصوص برامج التدريس، «رغم مطالبة الطلبة والأساتذة بهذا الأمر لسنوات عديدة».

من جانبه، يقول عبد العالي يوسفي، أستاذ الإعلام بجامعة محمد بوضياف، بولاية المسيلة، جنوب الجزائر العاصمة، في تصريح لـ«الفنار» إن أكثر من 70% من طلاب الإعلام والاتصال بالجزائر، يكتفون بما يقدمه الأساتذة بشكل نظري في الكليات والمعاهد بالجامعات. ويضيف أن هذه الطريقة «لا تليق بتخصص يعتمد أساسًا على الميدان، سواء خلف ميكروفون الإذاعة، أو أمام الكاميرا بأستوديوهات التلفزيون، أو عبر الخروج إلى الشارع، والمؤسسات لإجراء أعمال تحدد مستوياتهم كإعلاميي المستقبل».

ويقترح «يوسفي» أن يعتمد التخصص على قصص وأعمال ميدانية ينجزها الطلبة كمشروعات تخرج، في مختلف المستويات، ولكل الشهادات والدرجات العلمية، لأن الجانب العملي هو المقياس الأساس لتقييم طلاب الإعلام والاتصال، وفق قوله.

بدورها، تحاول كليات ومعاهد الإعلام والاتصال بالجزائر، معالجة غياب الجانب العملي في الدراسة داخل قاعاتها، بتوقيع اتفاقيات مع إذاعات وتلفزيونات وطنية وجهوية، بهدف تطبيق ما تعلمه الطلاب نظريًا. وعلى الرغم من سماح تلك الآلية، للعديد من الطلاب بتجربة دخول الأستديوهات، إلا أنها لا تبدو ذات فاعلية كبيرة، كما تقول رقية بن ساري، طالبة الإعلام والاتصال بجامعة سطيف.

وبحسب الطالبة نفسها، فإن هذه التدريبات تكون في نهاية مرحلة الدراسة، ولا يتعدى أمد أغلبها الزمني، خمسة أيام، بواقع ثلاث ساعات يوميًا. ويقضي الطلاب – وفق رقية بن ساري – نصف هذه الفترة في اكتشاف أقسام المؤسسة الإعلامية، وهياكلها، لتحرير الشق النظري في دراستهم، أما الجانب التطبيقي، فيحظى به قليل من الطلاب المشاركين عبر استعمال الكاميرا، أو الميكروفون، أو النزول إلى الميدان لإجراء أعمال بالشارع.

«أكثر من 70% من طلاب الإعلام والاتصال بالجزائر، يكتفون بما يقدمه الأساتذة بشكل نظري في الكليات والمعاهد بالجامعات. هذه الطريقة لا تليق بتخصص يعتمد أساسًا على الميدان

عبد العالي يوسفي
أستاذ الإعلام بجامعة محمد بوضياف، بولاية المسيلة.

وهنا، يقول الدكتور عبد العالي يوسفي، إن تلك التدريبات، ورغم إتاحتها الفرصة للطلاب للاقتراب من العمل الميداني، واكتشافه، إلا أن قصر مدتها، وبالنظر إلى حجم الخريجين سنويًا الذي يعد بالآلاف، يجعل من الصعب تدريبهم على كل الألوان الصحفية، من الحوار، والتحقيق، وغيره.

ولذلك، يطالب «يوسفي» بـ«ـكسر كل العقبات، وتوفير أستوديوهات للعمل الإذاعي، والتلفزيوني بمختلف الكليات والمعاهد، من أجل ترجمة الدراسة النظرية إلى الجانب التطبيقي، ومن خلال كل الألوان الصحفية».

وتتفاوت فرص حصول الطلاب على هذه التدريبات داخل كلياتهم، حيث يقول هشام بوعروري إنه التقى، في مشواره التعليمي والتدريبي، بزملاء له ببعض الجامعات، خاصة في الجزائر العاصمة، ووهران غرب الجزائر، وحتى عنابة شرق البلاد، ممن درسوا ميدانيًا، من خلال ما هو متوفر لديهم من أستديوهات مجهزة. ويعلق قائلًا: يحدث هذا، بينما يحلم الآلاف غيرهم بالتدرب، ولو لثلاثة أيام، بأي مؤسسة إعلامية، عمومية كانت أو خاصة، في واقع يصفه «بوعروري» بغير العادل.

https://www.bue.edu.eg/

وبالمثل، يقول الدكتور يامين بودهان إن غياب العدل في هذه النقطة، يمتد إلى انعدام العدل في فرص التوظيف، بين طلبة درسوا كلهم الإعلام، وحظي قليل منهم بالدراسة العملية بأستوديوهات الجامعة، وغالبية عظمى لم تتح لها الفرصة نفسها.

ميزانية كبيرة

وتقف العوائق المادية على رأس الأسباب التي جعلت الأستوديوهات بكليات وأقسام الإعلام، بعيدة عن أولويات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، نظرًا لما تحتاجه من ميزانية كبيرة، وفق الدكتور عبد العالي يوسفي.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

ويذكر أستاذ الإعلام بجامعة محمد بوضياف بالمسيلة أن تشييد الأستوديوهات يتطلب مبالغ مالية كبيرة، خاصة في ظل ما يشهده العصر من انفجار تكنولوجي، وتطور كبير في الوسائل، بحسب تعبيره.

ويضيف «يوسفي» أن الأولى من عائق الميزانية المطلوبة، أن تكون هناك إرادة ورغبة أكبر في تحصين التخصص بالتطبيق المباشر للطلاب، مشيرًا إلى أن جامعة المسيلة، وبعد تنسيق وتكثيف الاتصالات والضغط على الإدارة، والاعتماد على خبرة الإذاعة المحلية بولاية المسيلة، استطاعت في عام 2018، افتتاح إذاعة الأثير المحلية بالجامعة، ما أتاح للطلاب تطبيق ما درسوه عمليًا.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى