أخبار وتقارير

وزير التعليم العالي اللبناني عباس الحلبي لـ«الفنار»: مؤتمر لإنقاذ العملية التعليمية الشهر المقبل

بلغة مباشرة، يحذر عباس الحلبي، وزير التربية والتعليم العالي في لبنان، من «عواقب وخيمة» قد تزيد أوضاع المنظومة التعليمية المتداعية في بلاده، سوءًا، ما لم يتم اتخاذ إجراءات فورية للإنقاذ، كما يقول في مقابلة خاصة مع «الفنار» تطرق فيها إلى ملفات شتى.

المقابلة التي أجريناها مع المسؤول اللبناني الرفيع، جاءت بعد أربعة أشهر من توليه منصبه، وبالتزامن مع مشكلات شديدة الوطأة، تواجه قطاع التعليم في البلاد.

يقول «الحلبي» إن عوامل عدة أوقعت المستقبل التعليمي لمئات الآلاف من الطلاب «في براثن المجهول»، حيث يحدق بهم خطر مرور عام ثالث «من دون تعليم حقيقي». وهذه العوامل تتلخص في أزمات اجتماعية واقتصادية، لنحو عامين، والتي فاقمتها جائحة كورونا، وما تبع ذلك من إغلاق المدارس لفترات طويلة، وعدم انتظام العملية التعليمية عبر الإنترنت، وفق الوزير.

عام حاسم

بتفصيل أكثر، يشرح الأمر قائلًا: «من شأن سنة أخرى بهذا الفشل، أن تُحدث ضررًا فادحًا. ولهذا، كان إصراري على استئناف التعليم بشكله التقليدي المنتظم، فقد أدى الافتقار إلى البنية التحتية المناسبة لاستمرار فصول الدراسة عبر الإنترنت، والانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي، وخدمات الاتصالات، إلى فوضى وعدم انضباط التدريس».

ويعتبر عباس الحلبي أنهم أمام «عام حاسم» في السعي لإقالة التعليم من عثرته، مشيرًا إلى أن «عواقب الفشل وخيمة». ويقول إن خسارة البلاد كانت «فادحة» في التعليم خلال العامين الماضيين. وبحسب دراسات – والكلام للوزير – فإن طلاب لبنان «تأخروا عامين عن أقرانهم في بلدان المنطقة، ونحو أربع إلى خمس سنوات عن بقية العالم».

«لا يمكننا عزل التعليم عن الوضع العام في البلاد. تأثر التعليم بشدة، لكننا نسعى جاهدين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أجل الحفاظ على سمعة لبنان، التي يتمتع بها طيلة عقود، بوصفه مركزًا تعليميًا رئيسًا في المنطقة».

عباس الحلبي
وزير التربية والتعليم العالي اللبناني

وتذكر تقارير غير رسمية أن الطلاب في سن المدرسة، تلقوا بالكاد، القليل من التعليم، خلال فترات إغلاق المدارس المطولة بسبب التظاهرات وتفشي جائحة كوفيد-19، وتبعات انفجار مرفأ بيروت في آب/ أغسطس 2020. أدى حادث المرفأ إلى مصرع ما يربو على 200 شخص وإصابة الآلاف، وإلحاق أضرار بـ 163 مدرسة. وكان التعلم عن بعد محالًا للعديد من الأطفال الذين يفتقرون إلى الأجهزة، أو الاتصال بالإنترنت، أو استمرارية خدمة الكهرباء.

وبينما استأنفت المدارس والجامعات الخاصة، التي لديها الموارد اللازمة للتدريس بالنهج التقليدي، عملها، فإن العام الدراسي في المدارس والجامعات الحكومية، مهدد بسبب إضراب المعلمين الذين رفضوا العودة إلى العمل دون زيادات في الأجور، وغيرها من الحوافز، خاصة بعد أن فقدت رواتبهم 90% من قيمتها نتيجة ارتفاع التضخم والانخفاض الحاد في قيمة العملة اللبنانية.

70 مليون دولار لقطاع التعليم

هنا، يوضح وزير التربية والتعليم العالي اللبناني، واقع الحال، فيقول إن المانحين الدوليين ساهموا بمبلغ 70 مليون دولار لقطاع التعليم.

ويضيف: «استخدمنا المبلغ لدعم المعلمين، ومساعدة المدارس الحكومية على تغطية تكاليف التشغيل. ومنحنا المعلمين حوافز مالية شهرية للعودة إلى العمل، لكن لا يزال لديهم مطالب لم تتم تلبيتها، وتتعلق ببدلات النقل، والمزايا الاجتماعية التي من المحتمل أن توافق عليها الحكومة قريبًا. وتهدف كل هذه الجهود إلى تمهيد الطريق للعودة إلى التدريس المنتظم وإنقاذ العام الدراسي».

وأمام حالة عدم المساواة، التي فاقمتها الأزمة الاقتصادية، بين أولئك الذين يستطيعون تحمل تكاليف التعليم الخاص، والعدد المتزايد من العائلات اللبنانية التي لم تعد قادرة على ذلك، يتعرض أولياء الأمور والطلاب لضغوط هائلة، حيث ألقت الأزمة، في لبنان، بنحو 80% من الأسر تحت خط الفقر، الأمر الذي أعجزها عن تحمل التكاليف المتعلقة بالمدارس، ومنها المواصلات.

وقبل الأزمة، التحق أكثر من 60% من الطلاب في لبنان بمدارس خاصة. ومع ذلك، تقدر الأمم المتحدة أن هناك ما بين 100 ألف إلى 120 ألف تلميذ، انتقلوا إلى المدارس الحكومية، بعد أن عجزت أسرهم عن تحمل التكلفة، وذلك بين عامي 2019 و2021، مما يزيد الضغط على قطاع يعاني بالفعل من نقص الموارد.

مؤتمر للإنقاذ

وفي سعي لإيجاد حل للأزمة المحدقة، يشير «الحلبي» إلى أنهم بصدد الدعوة لمؤتمر سينعقد خلال شباط/ فبراير المقبل، تحت شعار: «سبل إنقاذ التعليم والتعلم في لبنان».

«أدى الافتقار إلى البنية التحتية المناسبة لاستمرار فصول الدراسة عبر الإنترنت، والانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي، وخدمات الاتصالات، إلى فوضى وعدم انضباط التدريس».

عباس الحلبي  

ومن المقرر أن يبحث المؤتمر، التحديات الآنية، ومنها: الدعم المالي للمعلمين والطلاب، وتأمين الموارد اللازمة للمدارس، لكي تعمل بشكل صحيح، بالإضافة إلى التحدي طويل الأمد، المتمثل في تصحيح مسار منظومة التعليم برمتها، وخاصة المدارس والجامعات الحكومية.

ويقول الوزير: «علينا التحرك فورًا. التعليم هو القطاع الباقي اليوم. وهذه قناعتي، على الرغم من وجود صعوبات كبيرة. وهو الأمل الوحيد لإحياء هذه البلاد. وهناك تدنٍ ينذر بالخطر في جودة التعليم، ومؤهلات المعلمين، لكننا لم نصل إلى أدنى مستوى بعد، وما زلت آمل في تجاوز الأزمة. وسوف يبحث المؤتمر شتى الجوانب؛ التعليم الخاص والعام، والتعليم العالي، والتعليم المهني، بدعم فني ومالي من جهات مانحة دولية، ومن وكالات الأمم المتحدة».

أزمة شهادات الطلاب العراقيين

في المقابلة نفسها، سألت «الفنار»، وزير التربية والتعليم العالي اللبناني، عن حقيقة بيع جامعات لبنانية درجتي الماجستير والدكتوراه لطلبة عراقيين، فأجاب بأن الوزارة «لا تقبل المساس بسمعة التعليم العالي في لبنان، والتي كانت محل إشادة لفترة طويلة، بفضل جودته العالية». ووعد الوزير بـ«محاكمة المتورطين في حال ثبوت تزوير الشهادات».

وأضاف أن الوزارة فتحت تحقيقًا في موضوع الشهادات المزورة، مشيرًا إلى أن مجلس التعليم العالي بالوزارة، يناقش حاليًا، فرض «إجراءات عقابية قد تؤدي إلى إغلاق الجامعات المعنية، وغرامات مالية». وتابع: «كما أننا بصدد وضع أنظمة جديدة لردع مثل هذه التجاوزات. ومن أسفٍ أن بعض الجامعات تقوم بتدريس تخصصات بدون ترخيص، ومن دون تلقي موافقة فنية من الوزارة، وشهاداتها غير معتمدة، أو مقبولة في سوق العمل. وهذه واحدة من المشاكل التي نواجهها في التعليم العالي».

في لبنان 36 جامعة خاصة، ومنها أسماء ذات سمعة أكاديمية رفيعة، مثل الجامعة الأمريكية في بيروت، كما أن لديها العديد من المؤسسات الأكاديمية ذات المرجعية الدينية والسياسية. وبعد نهاية الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990)، اعتمدت الجامعة اللبنانية، وهي الجامعة الحكومية الوحيدة في البلاد، نظامًا يكفل توزيع سلطاتها بين مختلف الأحزاب السياسية.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وفي ختام حديثه، يقول عباس الحلبي: «لا يمكننا عزل التعليم عن الوضع العام في البلاد. تأثر التعليم بشدة، لكننا نسعى جاهدين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أجل الحفاظ على سمعة لبنان، التي يتمتع بها طيلة عقود، بوصفه مركزًا تعليميًا رئيسًا في المنطقة. ويبقى تدني جودة التعليم، والمناهج الدراسية القديمة، وهجرة المعلمين المؤهلين، والضغوط المالية، من التحديات الهائلة التي لا تستطيع وزارة التربية والتعليم التعامل معها بمفردها، والتي تتطلب تطبيق استراتيجية تعليم وطنية قوية، وشاملة، وجديدة».

مقالات ذات صلة:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى