أخبار وتقارير

كريم بن عبد السلام.. قصة أول مصاب بالتوحد ينال الدكتوراه في المغرب

بتقدير «مُشرّف جدًا» (يعادل ممتاز مع مرتبة الشرف)، نال الشاب المغربي كريم بن عبد السلام (31 عامًا)، درجة الدكتوراه، من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس في الرباط، مؤخرًا، ليصبح أول طالب مصاب باضطراب طيف التوحد، يحقق هذا الإنجاز.

«لحظة تُدمع العين وتُفرح القلب.. كريم لم ينل فقط شهادة الدكتوراه بمشرّف جدًا فقط، بل أعطى درسًا في الإصرار والصبر. شكرًا كريم». بهذه الكلمات، أعلن رئيس الجامعة محمد غاشي، عبر حسابه على تويتر، نيل الطالب الدرجة العلمية الرفيعة، مع توصية بنشر رسالته التي حملت عنوان: «دعوة عيسى عليه السلام بين الأناجيل والقرآن».

صعوبات كبيرة

كان هذا الشاب في الثالثة من عمره حين اكتشفت أسرته إصابته. وعن ذلك، يقول والده، محمد بن عبد السلام في حديث مع «الفنار»: «واجهتنا صعوبات كبيرة في البداية، بسبب عدم تقبل المجتمع لهذه الفئة من الأطفال، وخصوصًا في بداية التسعينيات من القرن الماضي. لم يكن في المغرب حينها اهتمام كبير بموضوع التوحد».

ويشير الوالد إلى أن الكثير من المدارس رفضت استقبال طفله، حينذاك، باستثناء مؤسسة واحدة، كانت مديرتها من جنسية بلجيكية، واحتضنته إلى الصف الثالث الابتدائي.

وبنبرة لم تخل من مرارة، تحدث إلينا كريم بن عبد السلام، عما واجهه من مصاعب خلال مشواره الدراسي، قائلًا: «بعض التلاميذ الذين درسوا معي، بالمرحلتين الإعدادية والثانوية، كانوا يتنمرون عليّ. لم يكونوا يكتفون بعدم قبولي بينهم، ولكنهم كانوا يُظهرون شيئًا من الازدراء والاحتقار».

وأضاف: «لم يكن يؤثر ذلك عليّ بحال من الأحوال؛ كنت أواصل الدراسة، وكنت أرى المشكلة في موقفهم، وليست عندي. نحن أصحاب همم، ولسنا ذوي احتياجات خاصة».

«واجهتنا صعوبات كبيرة في البداية، بسبب عدم تقبل المجتمع لهذه الفئة من الأطفال، وخصوصًا في بداية التسعينيات من القرن الماضي. لم يكن في المغرب حينها اهتمام كبير بموضوع التوحد».

الإعاقة كحافز

بعد سنوات طويلة من العمل الجاد والصبر، وتحدي الصعاب، استطاع بطل قصتنا أن يحول إعاقته إلى حافز للاجتهاد، ليخوض مسيرة حافلة، صارت تمثل اليوم نموذجًا لكثيرين.

وعن هذا الأمر، يقول الوالد: «أنا سعيد بهذا المناسبة. الحمد لله، المجهودات لم تذهب سدى، وهذا نموذج لكل الآباء والعائلات الذين لديهم أطفال مصابون بالتوحد بأن النجاح ممكن بالعمل».

وعن لحظة حصوله على الدكتوراه، يقول كريم بن عبد السلام: «الحمدلله، كانت فرحة لا توصف، فهي ثمرة صبر، وتعب، وجد، واجتهاد. وهذا توفيق من الله». وفيما يصف إسهام والديه، خلال مسيرته التعليمية، بالكبير جدًا، يشير إلى أن والده كان على تواصل دائم مع الأساتذة، طيلة مراحل الدراسة كافة، حتى يوفروا له الأجواء الملائمة للدراسة. ويضيف: «كان الأساتذة لا يبخلون علي بالتوجيهات لأكمل مساري الدراسي بصفة طبيعية».

ويرى كريم أن الإعاقة يجب أن تكون حافزًا، لا حاجزًا، عند أصحابها، حتى لا تعيقهم عن العمل والاجتهاد. ويقول: «من واقع تجربتي، أقول لهم: اعملوا بجد كما عملت، وسيكون النجاح لكم إن شاء الله، وستكونوا قادرين على تشريف وطنكم، والبشرية بأسرها».

تخصص مقارنة الأديان

لاعتقاده بأن كل الأديان والشرائع جاءت «لتكريس قيم التعايش والمحبة والسلام بين أتباعها»، اختار تخصص مقارنة الأديان، منذ انخراطه في دراسة الماجستير، بمؤسسة دار الحديث الحسنية، المعنية بالعلوم الشرعية، والتابعة لجامعة القرويين.

وقبل أن تحسم قرارها بالإشراف على بحثه للدكتوراه، شعرت الأستاذة بجامعة محمد الخامس بالرباط، الدكتورة كريمة بوعمري، بالتردد. لكنها اعتبرت الأمر لاحقًا «تحديًا» يجب أن تنجح فيه. وعن تلك التجربة، تقول لـ«الفنار»: «تعاملت معه بعاطفة الأم، وصبرها».

ولم يكن هذا النجاح، حين تحقق، عشوائيًا أو بمحض الصدفة، حيث تصف «بوعمري»، وهي منسقة وحدة الدكتوراه في العقائد والأديان السماوية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، كريم بن عبد السلام بأنه طالب مجتهد، يلتزم بالحضور، ويرافقه والده في الاجتماعات، مع الالتزام بالمواعيد، مما ساهم، إلى جانب عوامل كثيرة، في نجاحه وتفوقه.

كما تعتبر تجربة الطالب مع أسرته، في المسار العلمي، «نموذجًا» في الإصرار، والدعم، والتشجيع، والمواكبة المستمرة. وتضيف: «يجب أن يقتدي بهذه التجربة كل الآباء والأمهات الذين لديهم أبناء توحديين».

«من واقع تجربتي، أقول لهم: اعملوا بجد كما عملت، وسيكون النجاح لكم إن شاء الله، وستكونوا قادرين على تشريف وطنكم، والبشرية بأسرها».

كريم بن عبد السلام  

وتشير «بوعمري» إلى أن «إصرار» طالبها على تجاوز الصعاب، جعله يتواصل مع أساتذته بكل حرية وشجاعة، فنال شهادة الدكتوراه «عن جدارة واستحقاق وليس إشفاقًا، وخاصة أنه طالب غير عادي لديه إرادة قوية، وطموح، مواهب كثيرة».

بين الفن والموسيقى

وقد كان لنشأة كريم بن عبد السلام في أسرة محبة للفن والثقافة، الأثر الملموس في هواياته. فبحسب الوالد، فإن نجله الذي جمع بين حب اللغة العربية، والقرآن الكريم، منذ الصغر، مع الموسيقى التراثية المغربية، والطرب الأندلسي، بات يعتبر الفن والموسيقى وسيلة لتعريف الناس باضطراب التوحد.

لذلك، لا يبدو غريبًا حرص كريم على متابعة دراسته بالمعهد الوطني للموسيقى والفن الكوريغرافي بالرباط، جنبًا إلى جنب مع عمله الأكاديمي. وقد شارك الفنان المغربي المعروف نعمان لحلو، في إنتاج أغنية مصورة  لدعم الأطفال التوحديين.

وفيما انشغلت وسائل الإعلام المحلية، بخبر حصوله على الدكتوراه، استقبله كذلك وزير التعليم العالي والبحث العلمي المغربي عبد اللطيف ميراوي، مع طلبة مبدعين آخرين، في إطار «الاحتفاء بالنبوغ والتميز المغربي». وقد عبر الوزير عن «سعادته» بالتعرف على الطالب النابغة كريم بن عبد السلام، الذي «تحدى جميع الصور النمطية» وتمكن من الحصول على شهادة الدكتوراه.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

يصنف التوحد من الاضطرابات، وليس مرضًا وفق منظمة الصحة العالمية. وفيما لا تتوفر إحصائيات رسمية مفصلة عن أعداد المصابين بالتوحد في البلاد، تشير أرقام جمعية «التغلب على التوحد في المغرب» (Vaincre l’autisme) إلى وجود «أكثر من 680 ألف مصاب بالمملكة المغربية، ينضم إليهم سنويًا، نحو 12800 طفل يولدون مصابين بالتوحد».

وانطلاقًا من هذه الإحصائيات، تطالب الجمعية، الحكومة المغربية، بوضع مخطط وطني على مستوى الصحة والتعليم، للعناية بالأطفال المصابين بالتوحد، وخاصة في ظل غياب الخدمات التي تناسبهم عن المدارس العمومية، ما يضطر الأسر إلى التوجه إلى الجمعيات المتخصصة، للعلاج والتعليم، ما يكلفهم الكثير من المال.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى