أخبار وتقارير

أكاديمي يقدم منهجًا جديدًا لتعليم العربية للأجيال الجديدة من «وارثي اللغة»

بعد اكتشافه حاجة الطلاب العرب، بجامعة جورجتاون في قطر، إلى دراسة اللغة العربية الفصحى، بسبب ضعف مهاراتهم في القراءة، والكتابة، والتعبير اللغوي، أدرك يحيى عبد المبدي محمد، أستاذ اللغة العربية المشارك بالجامعة، أهمية تصميم محتوى متخصص لأولئك الطلاب.

كان ذلك في العام 2007، عندما انتقل الأكاديمي المصري إلى الجامعة، قادمًا من تجارب تدريسية عدة.

تخرج «محمد»، في كلية الآداب بجامعة القاهرة، في العام 1992، قبل أن يحصل منها، لاحقًا، على درجة الدكتوراه في تخصص الدراسات اللغوية السامية. بعد ذلك، انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث عمل بالتدريس في عدد من جامعاتها، ومنها: جامعة ميريلاند، وجامعة جورج واشنطن، وجامعة جورجتاون بواشنطن العاصمة.

«قراءة في قضايا العالم العربي»

على مدار عشرة أعوام، جمع الأكاديمي الذي ساهم في تأسيس برنامج اللغة العربية بجامعة جورجتاون في قطر، العشرات من النصوص المسموعة، والمرئية، والمكتوبة من مختلف المصادر، في كتاب تعليمي، نشره مؤخرًا بعنوان: «قراءة في قضايا العالم العربي»، عن دار «روتليدج» البريطانية، بهدف تعزيز المعرفة اللغوية، والثقافية لهذه الفئة من الطلاب العرب الذين لا يجيدون اللغة العربية، أو ما يصفهم الكتاب بـ«وارثي اللغة في العالم العربي».

«للكتاب هدفان أساسيان، الأول: تقديم محتوى للطالب يساعده على فهم أهم قضايا العالم العربي، عبر تعريضه لعدد كبير من النصوص الأصلية، مختلفة الاتجاهات والمصادر الفكرية. أما الهدف الثاني، فهو تعزيز لغة الطالب من خلال المواد والنصوص، ثم التدريبات والأنشطة».

يحيى عبد المبدي محمد
أستاذ اللغة العربية المشارك بجامعة جورجتاون في قطر.

ويقول المؤلف، عبر «زووم» لـ«الفنار» إن للكتاب هدفين أساسيين، الأول: تقديم محتوى للطالب يساعده على فهم أهم قضايا العالم العربي، عبر تعريضه لعدد كبير من النصوص الأصلية، مختلفة الاتجاهات والمصادر الفكرية. أما الهدف الثاني، فهو تعزيز لغة الطالب من خلال المواد والنصوص، ثم التدريبات والأنشطة التي تركز على الفهم، وإثراء المفردات والتعبيرات المتعلقة بكل وحدة.

وتتنوع عناوين موضوعات الكتاب، ومنها: الحركة النسوية، والتطرف بين الديني والعلماني، وإصلاح التعليم في العالم العربي، ومكونات الهوية العربية.

«وارثو اللغة العربية»  

ويقدم المؤلف، تعريفًا لأولئك الذين يصفهم بـ«وارثي اللغة العربية». وهم: «الطلاب العرب، أو المنحدرين من أصول عربية، لكنهم يفتقرون إلى القدرة على القراءة والكتابة بلغة عربية سليمة، بسبب التأثيرات الثقافية والاجتماعية، أو بسبب نشأة وتعليم الطلاب العرب، في مدارس أجنبية ودولية وفي ظل هيمنة اللغة الأجنبية والتعليم الغربي».

ويقول الأكاديمي المصري، المعتمد من المجلس الأمريكي لتعليم اللغات الأجنبية، إن الكتب التقليدية لغير الناطقين بالعربية «لا تتناسب مع هذه المجموعات، ولا تلبي احتياجاتهم اللغوية». ويشير إلى أنه يهدف إلى تحسين مستوى لغتهم، ومساعدتهم في التعرف على المجتمع العربي، وثقافته وقضاياه.

من جانبه، يشير منتصر الحمد، الأستاذ المشارك في مركز اللغة العربية بجامعة قطر، إلى وجود «مشكلة كبيرة في غالبية الكتب المخصصة لتعليم اللغة العربية، بسبب غياب طريقة المعالجة التدريسية لنصوصها، وعدم تحديد الفئة المستهدفة، بما يجعلها غير صالحة للتدريس داخل الفصول الدراسية». ويضيف، عبر «زووم»، لـ«الفنار»، أن السبب الرئيسي لذلك، يعود إلى «افتقار غالبية الأكاديميين لدراسة منهجيات التدريس والتربية، التي تساعد على التأطير المعرفي والتربوي لمناهجهم التي تدربوا عليها في الحواضن الجامعية».

ويرى «الحمد» أن الكثير من الأساتذة الجامعيين العرب «ليسوا مُعلّمين، فهم باحثون من واقع دراستهم مناهج البحث، والحصول على الدرجات العلمية مثل الماجستير والدكتوراه، ما يعني أن غالبية الكتب التي يصدرونها حول تعليم اللغة، لا تصلح للتدريس للطلاب».

ويقول الأكاديمي الذي عمل في السابق، كمحاضر للدراسات العربية والشرقية بجامعة مانشستر متروبوليتان البريطانية، إن كتاب يحيى عبد المبدي محمد «مخدوم ليكون كتابًا تعليميًا».

السياسات اللغوية في العالم العربي

ويعتقد «الحمد» أن الكتاب يفتح الباب أمام قضية كبرى، تتعلق بضعف التخطيط للسياسات اللغوية في الدول العربية، والتي تسببت في ظهور قطاع واسع من «وارثي اللغة»، ممن اقتصر استخدامهم للغة العربية في المنزل فقط، مع تراجع اللغة الأم «بشكل خطير»، في قطاعات حيوية بدول المنطقة، رغم كونها اللغة الرسمية لأقطار العالم العربي كافة، وفق نصوص الدساتير المعمول بها في الدول العربية.

«لم تنجح أي مؤسسة بالمنطقة العربية، في تصميم اختبار قوي للغة العربية معترف به دوليًا، ومعتمد من المؤسسات الرسمية في الغرب، مثل امتحانات «التويفل»، و«الآيلتس» المعروفة للغة الإنجليزية».

منتصر الحمد
أستاذ مشارك بمركز اللغة العربية في جامعة قطر

ويقول منتصر الحمد إن التطبيق الأمثل لهذه السياسات اللغوية، يجب أن يشمل ترجمتها إلى مناهج دراسية، وقوانين، ولوائح، وإلى لافتات في الشوارع. ويضيف أن غياب التخطيط يجعل من استثمار اللغة العربية، كرأسمال بشري «غير موجود»، على خلاف اللغة الإنجليزية التي تُدر مراكز تعليمها ملايين الدولارات، بحسب تعبيره.

ووفق الأستاذ المشارك بمركز اللغة العربية في جامعة قطر، لم تنجح أي مؤسسة بالمنطقة العربية، في تصميم اختبار قوي للغة العربية معترف به دوليًا، ومعتمد من المؤسسات الرسمية في الغرب، مثل امتحانات «التويفل»، و«الآيلتس» المعروفة للغة الإنجليزية. ويضيف أن «الكثير من المؤسسات الرسمية بدول المنطقة العربية، باتت تعتمد بشكل كبير على اللغة الوافدة، كلغة أولى على مستوى الممارسة والفعل، خارج النصوص الدستورية الخاصة بكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية، حتى أصبحت اللغة الأجنبية جزءًا من العمود الفقري اللغوي والتعبيري».

وبدوره، يعزو مؤلف الكتاب، «تنامي» أعداد المجموعات الطلابية من «وارثي اللغة»، إلى أسباب اجتماعية لها علاقة بالتحول الثقافي نحو استخدام اللغة الإنجليزية عند كثير من الأسر العربية، كوسيلة أو مظهر من مظاهر «الترقي الطبقي». ويقول يحيي عبد المبدي محمد: «الناس، في المجتمعات الرأسمالية التي نعيشها، ينظرون إلى من يتكلم الإنجليزية باعتباره الأرقى والأفضل، بينما يعتبرون العربية لغة الفلاحين والفقراء وطلاب المدارس الحكومية».

وفيما يعتبر الحراك الاجتماعي، سببًا رئيسيًا لهذه التحولات التي طالت آثارها وضع اللغة العربية والمتحدثين بها، يشير «محمد» إلى مقولة مؤسس علم الاجتماع، عبد الرحمن بن خلدون، بأن «المغلوب مولع بتقليد الغالب»، في معرض تفسيره لما يصفه بـ«الانسحاق الثقافي، وتهميش اللغة العربية». ويختم بالقول: «نحتاج إلى تغيير ثقافة الناس، لإدراك ذاتها، ولغتها، كما نحتاج إلى ضرورة المتابعة الدقيقة لتطبيق السياسات اللغوية التي تقرها الدول العربية».

مقالات ذات صلة:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى