أخبار وتقارير

إحياء العمارة الإسلامية.. هموم بحثية في تجربة الأكاديمي السوري ناصر الرباط

من واقع تخصصه البحثي في تاريخ الفن والعمارة، ينظر الأكاديمي والمؤرخ السوري ناصر الرباط إلى مشاريع بعض دول الخليج لتوثيق العمارة الإسلامية، وبناء متاحف لها، في السنوات الأخيرة، كـ«محاولة لخلق هوية وطنية، وذاكرة جماعية، لإذكاء حس الانتماء لدى المواطنين».

ويقول «الرباط»، وهو أستاذ الآغا خان للعمارة الإسلامية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (M.I.T) بالولايات المتحدة الأمريكية، عبر «زووم» لـ«الفنار للإعلام» إن هذا التوجه «مفهوم ومبرر، وخصوصًا عندما تمتلك الدول الإمكانيات المادية، مع إدراكها أن التوثيق جزء من استعادة، أو خلق، هذه الهوية الوطنية، في ظل حداثة عمر هذه الدول».

وينتقد أستاذ العمارة «تجاهل» مشاريع التوثيق، وبعض الدراسات الخليجية، لنوعية محددة من العمارة «لا تخدم الهدف الترويجي، مثل عمارة البدو الرحل، والأهم من ذلك: عمارة العمال المستقدمين لمدن الخليج، بما يسمح بتقديم فائدة أكبر للقراء وليس مجرد معلومات محايدة، وباردة».

ويرى «الرباط» أن الأردن والمغرب، اعتمدا خطة لإعادة توظيف المباني التاريخية الإسلامية، وتحويلها إلى مراكز للفنون، دون هدمها، أو تسليعها. ومع ذلك، يقول الأكاديمي السوري إن المأخذ الوحيد على سياسة المغرب، في إعادة توظيفها لمبانيها التاريخية بمدنها السياحية مثل فاس، ومكناس، ومراكش، هو الاستعانة بأجانب غالبيتهم من جنسيات فرنسية. ويوضح: «انتماء هؤلاء للمكان، انتماء اقتصادي، وليس انتماءً حقيقيًا أو شخصيًا، وأتخوف من فتح المجال لرأسمال بدون أي رقابة».

وقد أتاحت الخبرة الأكاديمية، التي تمتد لنحو أربعين عامًا، للمؤرخ المعماري السوري، الذي حاز البكالوريوس من كلية العمارة بجامعة دمشق مطلع سبعينيات القرن الماضي، معرفة «نقاط الضعف» في مشاريع التوثيق المعمارية في الدول العربية، والتوصل لـ«أفضل السبل لتطوير المعالم الإسلامية التاريخية، من خلال إعادة استخدامها، بدلًا من إغلاقها».

وفي ذلك، يطالب بأن تكون هناك سياسة برجماتية، لعملية إعادة توظيف المباني التاريخية الإسلامية، بحيث يتم الحفاظ على أهميتها المعمارية والفنية، لإعادة دمجها في دورة الحياة.

سيرة أكاديمية

حصل «الرباط»، الذي انتقل إلى الولايات المتحدة، عقب تخرجه في جامعة دمشق، على الماجستير في تخصص الطاقة الشمسية والعمارة، من جامعة كاليفورنيا، بلوس أنجلوس، قبل أن يحصل، لاحقًا، على درجة الدكتوراه في تاريخ العمارة الإسلامية من جامعة هارفارد.

خلال سنوات دراسته للدكتوراه، تتلمذ على يد أوليغ غرابار (1929 – 2011)، أشهر مؤرّخ للفنّ الإسلامي، والأستاذ بجامعة هارفارد، حيث ساعده على اكتشاف عالم الفن الإسلامي في العمارة بداية من حقبة الأمويين، والأيوبيين، وحتى المماليك. وعن تجربته تلك، يقول إنه أدرك حينها أن تاريخ العمارة الإسلامية هو المجال الأنسب له، حيث يمزج بين الفكر والعمارة.

وقد نالت أطروحته للدكتوراه، حول «تاريخ قلعة القاهرة منذ تأسيسها وحتى القرن الخامس عشر»، جائزة «كير» (Keer Award) لأفضل أطروحة دكتوراه في العلوم الإنسانية لعام 1991، والتي تمنحها منظمة دراسات الشرق الأوسط (MESA) الأمريكية.

العمارة المملوكية والقاهرة الإسلامية

ضمن خططه لإعداد أطروحة الدكتوراه، زار الأكاديمي السوري، القاهرة، للمرة الأولى، عام 1985. وقتها، وقع في «غرام» العمارة المملوكية في القاهرة الإسلامية، والتي اختارها موضوعًا لرسالته البحثية.

ويقول «الرباط» إن العمارة المملوكية مثل «الجوهرة في الركام»، فهي منحوتة بالحجر، وفيها كمية هائلة من الرهافة والذوق، فضلًا عن شيءٍ مغرٍ لدراسة التركيبتين الاجتماعية والثقافية لهذه الفترة التي شهدت صراعًا كبيرًا حول الحكم.

ويعزو المؤرخ المعماري، ما طال المباني الأثرية في القاهرة الإسلامية من «تدهور»، وفقد نحو 10% منها، خلال العقود الثلاثة الماضية، إلى «الإهمال» و«السلوك العشوائي» الذي أدى إلى الزحف نحو هذه المعالم التاريخية، كمناطق سكنية. ويرى ناصر الرباط أن تحسين وضع القاهرة كمدينة تاريخية، يستدعي «تقديم تضحيات كبيرة من جانب سكانها، كما فعل سكان ألمانيا عند إعادة بناء مدنهم بعد الحرب العالمية الثانية، مع إعادة توظيف هذه المباني».

ويعتقد أن جيل نجيب محفوظ (1911 – 2006)، وهو الروائي المصري الأشهر الحاصل على جائزة نوبل للآداب (1988) «كان يحترم القاهرة القديمة، لأنه كان منسجمًا مع الحياة في المدينة القديمة أكثر من الجيل الحالي». ويدعو «الرباط» إلى اعتماد سياسة لإعادة توظيف هذه المباني الأثرية، بعد ترميمها.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

مشروعات بحثية جديدة

يعكف المؤرخ المعماري والأكاديمي ناصر الرباط، اليوم، على إنجاز أكثر من مشروع بحثي، أبرزها: «تأليف أول كتاب شامل لحياة المؤرخ الفذ تقي الدين المقريزي، الذي كان أول من كتب تاريخًا عمرانيًا لمدينة القاهرة، ويستعرض جوانب اجتماعية وتاريخية في حياته».

كما يعمل على تحرير كتاب، باللغة الإنجليزية، حول «إعادة البناء كتدمير»، مستعرضًا، من خلاله، تجارب عدد من العواصم حول العالم، ومنها دمشق، وبيروت، ومكسيكو، في تجارب إعادة الإعمار التي قادتها حكومات هذه البلاد، ويشترك مع 25 باحثًا في تأليف كتاب آخر، حول تاريخ سوريا الثقافي والفني، منذ العام 200 ميلادية، وحتى الفترة الراهنة.

مقالات ذات صلة:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى