أخبار وتقارير

وحدات الدعم النفسي بجامعات العراق.. عجز في الكوادر ومقار «غير مؤهلة»

في ظل أوضاع مضطربة يعيشها العراق منذ أعوام، يدرك علي عودة محمد (52 عامًا)، مدير وحدة البحوث النفسية بوزارة التعليم العالي، الدور الذي يمكن أن يلعبه الدعم النفسي أمام تداعيات الأزمات المتشعبة في البلاد.

وليس أدل على خطورة تلك التداعيات، من ارتفاع حالات الانتحار المسجلة في عام 2021، إلى نحو 772 حالة، في حصيلة تزيد بنحو مائة حالة، مقارنة بإحصاء للعام قبل الماضي، وفق وزارة الداخلية العراقية.

ويشير «محمد» في اتصال هاتفي مع «الفنار» إلى «ثقافة قبول اللجوء إلى الطبيب النفسي، والإقبال الكبير على الوحدات الإرشادية لطب الدعم النفسي أمام المشكلات». وتتولى الوحدة، التي تضم نحو 25 باحثًا متخصصًا في الإرشاد والصحة النفسية، إنجاز البحوث الميدانية والتطبيقية حول المشكلات التي تواجه المجتمع العراقي، مع الإشراف على وحدات الصحة النفسية، والإرشاد الأسري التي تنتشر بالجامعات العراقية، وتأهيل القائمين عليها علميًا.

اضطرابات نفسية

ويوضح «محمد»، الذي ترأس في وقت سابق، قسم علم النفس بكلية الآداب في الجامعة المستنصرية بالعاصمة بغداد، أن الصدمات المرتبطة بالنزاع الداخلي، وعدم الاستقرار «أحدثت مجموعة من اضطرابات الصحة العقلية، وبشكل خاص: انتشار أعراض الرهاب، والاكتئاب، والقلق، لدى الطلاب والأساتذة معًا، بالإضافة إلى إدمان الكثير من الشباب للمخدرات متأثرين بغياب فرص العمل».

«الصدمات المرتبطة بالنزاع الداخلي، وعدم الاستقرار، أحدثت مجموعة من اضطرابات الصحة العقلية، وبشكل خاص: انتشار أعراض الرهاب، والاكتئاب، والقلق لدى الطلاب والأساتذة معًا، بالإضافة إلى إدمان الكثير من الشباب للمخدرات متأثرين بغياب فرص العمل».

علي عودة محمد.
مدير وحدة البحوث النفسية بوزارة التعليم العالي بالعراق

وتناول آخر بحث تم إنجازه في وحدة البحوث النفسية بوزارة التعليم العالي في العراق، بالتعاون مع مركز تمكين المرأة بالوزارة، الآثار النفسية التي لحقت بالنساء اللواتي تعرضن لأحداث النزاع المسلح، والاضطرار للعيش في مخيمات النازحين، بعد سيطرة تنظيم «داعش» على مدنهم في محافظات عراقية.

وشمل البحث، الذي من المقرر نشره الشهر المقبل، 580 امرأة، في أربع مخيمات، هي: الحمدانية، والأنبار، وخانقين، ونينوي. وتفيد نتائج البحث، الذي حصلت «الفنار» على نسخة حصرية منه، بأن الآثار النفسية على المرأة أثناء النزاع، وخلال النزوح،  تشمل: «الشعور بضيق التنفس عند تذكر معاناتها، وعدم جدوى الحياة، وصعوبة التعبير عن المشاعر، والقلق والخوف».

ويقول الأكاديمي العراقي إن المشروعات البحثية التي تستمر لفترات طويلة على قضايا الصحة النفسية «تتطلب دعمًا دوليًا، في ظل محدودية الموارد المالية لمثل هذه الأبحاث، رغم أهميتها الكبيرة».

صعوبات الإرشاد النفسي بالجامعات

وعلى الرغم من وجود وحدات للدعم النفسي بالجامعات العراقية كافة، منذ العام 2008، إلا أن بعضها «توقف عن العمل، بسبب نقص الخدمات النفسية المقدمة لطالبيها، وقلة عدد المتخصصين للعمل بهذه الوحدات، وعدم أهلية المرافق المخصصة لها»، وفق شهادات من بعض الأساتذة والطلاب.

https://www.bue.edu.eg/

وتقول يسرية خالد، الطالبة بكلية الطب في جامعة الأنبار، لـ«الفنار» إن الطلاب يواجهون عراقيل عدة في سبيل الوصول إلى الخدمات الإرشادية النفسية، مثل: «الوصمة المجتمعية التي ما تزال حاضرة، وعدم أهلية القائمين على هذه الوحدات، لكونهم موظفين غير مؤهلين علميًا، أو تدريبيًا، ما يجعل التجربة غير مفيدة، رغم الأهمية المفترضة للوحدة في معالجة قضايا الطلاب والأساتذة».

وتضيف أن الظروف التي عاشها الطلاب، خلال السنوات الأخيرة، من نزوح، وخوف، وبطالة، وتفاقم المعاناة المعيشية، وانقطاع الدراسة بشكل متكرر، لأسباب عدة، كل ذلك جعلهم يعون ضرورة الصحة النفسية، كـ«علم يساعد من عاشوا هذه الأزمات على التخفيف من آثارها».

وبدورها، تطالب تهاني طالب، الأستاذ المساعد بقسم الإرشاد النفسي في الجامعة المستنصرية، بزيادة أعداد المؤهلين للعمل بالوحدات الإرشادية المنتشرة بالجامعات العراقية، ودعمهم بأحدث مهارات ووسائل الفحص. وتقول «طالب»، التي تعمل بوحدة البحوث النفسية بوزارة التعليم العالي، إن العاملين بهذه الوحدات يتبعون وحدة مركزية في رئاسة كل جامعة، ويخضعون لدورات تدريبية متخصصة.

«الطلاب يواجهون عراقيل عدة في سبيل الوصول إلى الخدمات الإرشادية النفسية، مثل: الوصمة المجتمعية التي ما تزال حاضرة، وعدم أهلية القائمين على هذه الوحدات، لكونهم موظفين غير مؤهلين علميًا، أو تدريبيًا، ما يجعل التجربة غير مفيدة».

يسرية خالد
طالبة بكلية الطب في جامعة الأنبار

وترى الأكاديمية العراقية أن معالجة مشكلات الصحة النفسية بالعراق تمثل «ضرورة لتخفيف معاناة المواطنين، ومن أجل تحقيق أهداف برامج إعادة الإعمار».

مقار غير مؤهلة

ومن جانبه، يقترح مدير وحدة البحوث النفسية بوزارة التعليم العالي، بعض الآليات لدعم برامج الصحة النفسية، وتشمل: بناء مرافق جديدة للوحدات الإرشادية في أماكن خارج الجامعات، ودعمها بالوسائل العلاجية الحديثة، مع إعداد خطة لتشجيع الطلاب على التخصص في الصحة النفسية والإرشاد النفسي. ويقول علي عودة محمد إن مقار الوحدات الارشادية «غير مؤهلة»، فهي عبارة عن غرف ملحقة بمبنى الكليات، و«تفتقر إلى مواصفات المرافق المخصصة لتقديم الدعم النفسي».

وفي السياق نفسه، تصف ميساء جابر، الأستاذة بقسم اللغة الإنجليزية في جامعة بغداد، وضع الصحة النفسية بـ«المحبط». وتقول إن الصحة النفسية تمس كل جوانب الحياة التعليمية، في ظل صعوبات تتعلق بكيفية الوصول للخدمات النفسية، وكيفية طلب هذه الخدمات، بالنسبة للأساتذة أو الطلاب، على حد سواء.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

وتضيف الأكاديمية العراقية عبر «زووم» لـ«الفنار» أن أعداد المتخصصين في الإرشاد النفسي، لا تكفي لتلبية حاجة هذه الوحدات. وتوضح «جابر»، الحاصلة على الدكتوراه من جامعة مانشستر البريطانية، أن الأساتذة يبتعدون عن التخصص في الصحة النفسية، نظرًا لأن فرص العمل في هذا المجال، كانت محدودة خلال السنوات الماضية.

وقد دفعت قلة أعداد المتخصصين في الصحة النفسية بكليات الطب، عددًا من الجامعات العراقية، إلى إطلاق برامج دراسية في تخصص علم النفس، مثل جامعة الإمام جعفر الصادق الأهلية في بغداد، حيث بدأت تدريس بكالوريوس علم النفس السريري خلال العام الجاري. وفيما يُقدّر مدير وحدة البحوث النفسية بوزارة التعليم العالي، عدد الأطباء النفسيين بالعراق، بنحو 150 طبيبًا، يقول إن الوزارة تسعى إلى تخريج دفعات جديدة من برامج الإرشاد النفسي، ليصبحوا مساعدين متخصصين، لسد «العجز الكبير» في كوادر الطب النفسي.

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى