أخبار وتقارير

تحديات في طريق دور نشر سورية أسسها لاجئون في المهجر

بعد انتقالها إلى كندا كلاجئة، أسست الكاتبة السورية خلود حدق، (38 عامًا)، دار عشتار للثقافة والفنون، في نيسان/أبريل من العام الماضي، كمؤسسة إعلامية وثقافية، تضم دار نشر، ومكتبة، ومدونة ثقافية.

وتتخذ «حدق»، المولودة في مدينة حمص السورية، من منزلها بمدينة تورنتو الكندية، مقرًا لعملها، من أجل توفير الكتب العربية لطالبيها، ووضع خطط النشر، في ظل «الإمكانيات المادية المتواضعة للمشروع»، كما تقول.

ودفعت الحرب الأهلية التي اندلعت في سوريا، منذ العام 2011، الملايين من مواطنيها إلى اللجوء لدى دول عدة. واستقبلت كندا، منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2015، وحتى نيسان/أبريل 2019، نحو 64 ألف لاجئ سوري، وفق إحصاء لوزارة الهجرة الكندية.

جهود ذاتية

وتروي الكاتبة السورية، التي خاضت غمار العمل الصحفي والثقافي في وطنها الأم قبل اللجوء، كيف استفادت من حرية النشر المكفولة في كندا، في إتاحة المؤلفات دون قيود على نوعية الكتب المختارة. وتوضح أن الدار التي أسستها، قائمة على الجهود الذاتية، ولا تدر ربحًا ماليًا بعد. وتضيف أنهم يسعون، راهنًا، للحصول على دعم من مؤسسات دولية، وإقامة شراكات مع مكتبات أوروبية. وتقول «حدق»، عبر «زووم» لـ«الفنار للإعلام»: «أرغب في إثبات أنني كلاجئة، لست عالة على البلد المضيف».

اضطرت خلود حدق، التي درست الإعلام بجامعة دمشق، إلى مغادرة سوريا في كانون الأول/ديسمبر 2011، متجهة إلى غانا، حيث يعمل والدها، وذلك بعد اكتشاف اسمها ضمن قائمة ضمت «مطلوبين أمنيًا» لدى السلطات السورية، بسبب انخراطها في الثورة. وفي غانا، احتاجت الكاتبة السورية إلى الانتظار، لنحو ثماني سنوات، قبل أن تنتقل، رفقة ابنتها، إلى كندا في شباط/فبراير 2020، بعدما تقدمت إلى أحد برامج اللجوء الكندية. وطيلة كل هذه السنوات، كانت تأمل في العودة إلى سوريا، لكن هذا الأمل تبدد مع استمرار الأزمة حتى اليوم، وفق قولها.

«الوظيفة الأساسية لهذه المراكز الثقافية ليست تجارية بالدرجة الأولى، وإنما نقل صورة أخرى عن اللاجئين والعرب عمومًا، للمواطن الأوروبي، وللمجموعات السياسية المعادية للمهاجرين».

سامر القادري
ناشر سوري في هولندا

خلال عام واحد من انطلاق دار عشتار للثقافة والفنون، شاركت الناشرة السورية في معارض دولية للكتاب، ونجحت في توصيل نحو خمسة آلاف كتاب لمواطنين عرب في كندا، كما أبرمت اتفاقات مع أربعة مؤلفين عرب في كندا وأمريكا، لنشر مؤلفاتهم العام الجاري. وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، دخلت الدار في شراكة مع مكتبة تورنتو العامة، لتوريد الكتاب العربي إليها بشكل رئيسي.

تحديات مادية وقيود كوفيد-19

لكن أمام هذه الخطوات، تواجه الدار تحديات عدة، منها: غلاء أسعار الشحن، والضرائب، وعدم وجود مقر لها، بالإضافة إلى القيود التي فرضتها جائحة كوفيد-19، فيما يخص فكرة إقامة الفعاليات الثقافية.

ويؤيد سامر القادري، مؤسس دار نشر عربية في هولندا، ما ذكرته خلود حدق، بشأن الصعوبات المادية التي تواجه المشروعات الثقافية للاجئين في دول المهجر، بالإضافة إلى ما يصفه بـ«استحالة» تحولها إلى مصدر ربح كمشروع تجاري، لأسباب متعلقة بارتفاع تكاليف الطباعة، والضرائب، والأجور.

ويقول «القادري»، الذي سبق له تأسيس دار نشر «الأصابع الذكية»، في سوريا، في العام 2005، قبل أن يضطر إلى ترك بلاده في العام 2012، إنه يعيش في هولندا، منذ العام 2017، كلاجئ سياسي. ويضيف عبر «زووم» لـ«الفنار للإعلام»، أنه يتولى مسؤولية دار النشر، مع زوجته، بدعم من معهد «غوته» الألماني، الذي يتحمل تكاليف إيجار مقر المركز الثقافي للدار، بالعاصمة الهولندية، أمستردام.

ويشير الناشر السوري إلى أن الوظيفة الأساسية لهذه المراكز الثقافية ليست تجارية بالدرجة الأولى، وإنما «نقل صورة أخرى عن اللاجئين والعرب عمومًا، للمواطن الأوروبي، وللمجموعات السياسية المعادية للمهاجرين». ويطالب «القادري»، المنظمات والحكومات العربية بدعم المشروعات الثقافية في أوروبا، «لما لها من تأثير»، بحسب تعبيره.

وقبل انتقاله إلى هولندا، أسس سامر القادري، مشروعًا ثقافيًا، خلال إقامته في تركيا، في آذار/مارس 2015، ضمّ دار نشر، ومكتبة لبيع الكتب، وتنظيم المحاضرات والأنشطة الثقافية والفنية، حملت اسم: «صفحات».

وقد ذاع صيت المشروع بعد تحوله إلى مزار لسياسيين من أعضاء الكونغرس الأمريكي، والبرلمان الأوروبي، وشخصيات بارزة، لكن بعد رفض مؤسسيه «عروضًا تمويلية ذات أهداف سياسية من الحكومة التركية»، تعرض سامر القادري، وزوجته، للطرد من السلطات التركية، بل وتم حبس زوجته، للأسباب نفسها، كما يقول، قبل أن يتم ترحيلها إلى هولندا، وهو ما دفعه إلى طلب اللجوء السياسي في الدولة نفسها.

تجربة ليست جديدة

من جانبه، يقول الروائي السوري يعرب العيسى، لـ«الفنار للإعلام» عبر البريد الإلكتروني إن تجربة بحث الناشرين السوريين عن ملاذ لأعمالهم في المهجر، ليست جديدة، ويعود تاريخها إلى أكثر من قرن من الزمان. ويضيف أن المهاجرين الأوائل، في أواخر القرن التاسع عشر، حملوا معهم ثقافتهم ولغتهم، وكتبوا أدبًا، ونشروا كتبًا، وصحفًا، بدول أخرى، في ظاهرة طبيعية تحدث لدى جميع الشعوب المهاجرة، بحسب تعبيره.

«تجربة بحث الناشرين السوريين عن ملاذ لأعمالهم في المهجر، ليست جديدة، ويعود تاريخها إلى أكثر من قرن من الزمان».

يعرب العيسى
روائي سوري

ويضيف «العيسى»، المقيم في دمشق، أن السوريين نقلوا مسرحهم، وصحفهم أولًا إلى مصر، «هروبًا من قبضتي العثمانيين والمجتمع»، ثم إلى الأمريكيتين. ويوضح أنه مهما اختلفت الظروف في كل موجة هجرة، فهناك دائمًا من يدفعه الحنين والاعتياد ليقرأ بلغته الأم، ويتواصل مع أبناء وطنه.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

ويعتقد الروائي السوري أن هناك حاجة لمشاريع من هذا النوع في كل مكان وصله السوريون، ولكن هذه المشاريع تحتاج إلى فهم ظروف البلدان التي يعيشون فيها، وفهم خرائطها الاجتماعية والاقتصادية. ويوضح: «لا فرق بين حاجة مهاجر عربي، في أوروبا، إلى مطبخ يطبخ الملوخية، أو حاجته إلى كتاب باللغة العربية، أو إلى مطرب يغني أغنيات شعبية، فهذه نوستالجيا الشعوب الطبيعية».

مقالات ذات صلة:

Countries

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى