أخبار وتقارير

الدراسات النسوية والجندرة بجامعة الكويت.. جدل متصاعد حول حرية البحث العلمي

منذ خرجت «وحدة الدراسات النسوية والجندرة»، بكلية الآداب في جامعة الكويت، إلى النور، منذ سنوات قليلة، وهي مثار جدل يتخذ أشكالًا متعددة. تمثلت آخر صور هذا الجدل في سؤال قدمه برلماني حول طبيعة مهامها البحثية، بعد اتهامات متداولة، بحق نشاط الوحدة، من شخصيات كويتية، ورجال دين.

في المقابل، أصدرت الوحدة بيانًا، تضمن تعريفًا لمفاهيم الجندر، والدراسات النسوية، والتأكيد على أن الأفكار والقضايا التي يتم طرحها «لا تتعارض مع الدين الإسلامي». وأضاف البيان أن الوحدة ليس لها توجهات أيدولوجية، أوعقائدية، وأنها منفتحة على كل التيارات المجتمعية بشرط احترامها للطبيعة الأكاديمية.

دراسات المرأة والنوع الاجتماعي

تأسست الوحدة البحثية، عام 2019، في قسم التاريخ التابع لكلية الآداب بجامعة الكويت، من أجل تقديم «الكثير من الحلول لبعض المشاكل الاجتماعية، والسياسية، والثقافية التي تواجه المرأة والمجتمع عمومًا، بالإضافة إلى تقديــم وتأهيــل الطلبــة فــي حقــل دراســات المــرأة والنــوع الاجتماعي، كحقــل معرفــي مهــم فــي العلــوم الاجتماعيــة، وكأداة تحليــل وتخطيــط تنمــوي ومجتمعــي»، وفق بيان التأسيس.

وتقول دلال الفارس، أستاذة الأدب النسوي في كلية الآداب بجامعة الكويت، عبر «زووم» لـ«الفنار» إن الهدف الرئيسي من الأبحاث التي تعمل عليها في الوحدة، هو دعم وتمكين المرأة، من خلال المساهمة في إنتاج معرفة قائمة على مناهج البحث النسوية، لكسر حواجز التهميش الفكري والأكاديمي، وفهم أهمية منظور النوع (الجندر)، في ترتيب مفاهيم القوة، والأشكال الهيكلية للاضطهاد والهيمنة، وذلك بهدف تعزيز دورها كباحثة في خلق تراكم علمي معرفي في مجال الدراسات النسوية، ودراسات النوع، وتطبيقاتها عبر التخصصات المتباينة.

«الوسيلة الوحيدة لمواجهة التيار الذي يدّعي، على غير الحقيقة، أن نشاط الوحدة فيه تغريب للمجتمع، أو ينطوي على محاذير شرعية، هي مواصلة أعضاء الوحدة مهامهم البحثية، مع دعمها قانونيًا ومعنويًا».

إبراهيم الحمود
أستاذ القانون بجامعة الكويت

ونظمت الوحدة على مدار عامين ونصف، عددًا من الندوات، تحت عناوين، مثل: «الجندر والدراسات الأكاديمية»، و«المرأة والألوهة المؤنثة في حضارات وادي الرافدين»، وورشًا تدريبية عن «الكتابة حول الجندر».

ويشير استطلاع للرأي، أجرته شبكة «البارومتر العربي»، في آب/ أغسطس 2019، إلى أن نصف الكويتيين فقط يتقبلون فكرة رئاسة امرأة للحكومة. وذكر الاستطلاع، الذي شارك فيه أكثر من 26 ألفًا من المواطنين العرب، في أكثر من بلد عربي، أن الموقف في دولة الكويت تجاه النساء هو «الأكثر محافظة وتقييدًا من أي من الدول العربية الأخرى، رغم تمتع المرأة فيها بعدد من الحقوق السياسية كالانتخاب والتصويت في مجلس الأمة».

تعرفت «الفارس»، التي حصلت على درجة البكالوريوس من كلية الآداب في جامعة الكويت، للمرة الأولى على هذه الدراسات الجديدة، بشكل أكاديمي ومنهجي، خلال سنوات دراساتها العليا بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث نالت درجة الماجستير في دراسات المرأة من جامعة سان دييجو ستيت، والدكتوراه في تخصص «النظريات الجندر والبحوث النسوية»، من جامعة كاليفورنيا – لوس انجلس (University of California – Los Angeles).

وتقول الأكاديمية الكويتية إن قبول واستيعاب أهمية هذا النوع الجديد من الدراسات سيأخذ وقتًا في الخليج العربي، وتضيف أن «التمييز» تجاه الباحثين العرب، في هذه الدراسات، يجعل أغلبيتهم يكتبون بالإنجليزية، أو الفرنسية، وينشرون أعمالهم في مجلات بحثية بالخارج.

ودفعت حملات الهجوم التي طالت الوحدة البحثية، إلى تجنب بعض الطلاب المشاركة في محاضرات الأكاديميات اللاتي يعملن فيها، بحسب شهادات لأساتذة بقسم التاريخ.

«الحرب» ضد دراسات الجندر

ويقول (س. ع)، أحد الطلاب بالقسم، إنه يرفض حضور المحاضرات داخل الوحدة البحثية. ويعزو موقفه إلى ما يصفه بـ«ترويج الوحدة للقبول المجتمعي بوجود نوع جديد من الجنس، على خلاف الذكر والأنثى». ويضيف في اتصال هاتفي مع «الفنار»: «هذه مسألة أرفضها دينيًا وأخلاقيًا، وتجعلني غير متقبل لأي مواد دراسية يقدمونها في موضوعات أخرى، كما أن استيراد علوم تروج لأفكار غربية، ولا تتفق مع السياق المجتمعي والثقافي مسألة غير مقبولة، وتثير الشكوك حول أهداف الوحدة والقائمين عليها».

من جانبها، تقول شيخة الهاشم، الباحثة الكويتية المتخصصة في دراسات المرأة والنوع الاجتماعي، عبر «زووم»، لـ«الفنار» إن «الحرب» ضد هذه النوعية من دراسات الجندر «لا تنحصر في الخليج فقط، لكنها موجودة في العديد من الدول الأوروبية، من خلال استخدام الخطاب الشعبوي الديني الذي يروج لمفاهيم مغلوطة، ويزعم بأن الجندر ضد الجنس البيولوجي».

«الحرب ضد هذه النوعية من دراسات الجندر لا تنحصر في الخليج فقط، لكنها موجودة في العديد من الدول الأوروبية، من خلال استخدام الخطاب الشعبوي الديني الذي يروج لمفاهيم مغلوطة».

شيخة الهاشم
باحثة في دراسات المرأة والنوع الاجتماعي

وتُرجع «الهاشم»، التي تدرس، راهنًا، الدكتوراه في الكلية الأوروبية للدراسات العليا، هذا الرفض تجاه عمل الوحدة البحثية، إلى «دورها في توعية النساء بحقوقهن الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، وإثارة قضايا لا ترغب السلطة، أو المنظومة الحالية، في الحديث حولها، مما يشكل خطرًا عليها».

وتوضح أن تأسيس الوحدة البحثية «مظهر من مظاهر تمكين المرأة، في ظل التهميش والتمييز الذي تتعرض له، وتطرح دراسات، وأبحاث، ومناهج تستند إلى التفكير النقدي، على خلاف مناهجنا التي تعتمد على التلقين والحفظ».

دعم أكاديمي

في مقابل الهجوم الذي طال أعضاء الوحدة البحثية، كانت إدارة الجامعة داعمة للأساتذة، ودافعت عن حرية البحث العلمي والأكاديمي المكفول دستوريًا، بحسب بيان للوحدة. وتنص المادة (36) من دستور الكويت على أن: «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول، أو الكتابة، أو غيرهما، وذلك وفقًا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون».

وتقول «الفارس» إنه عادة ما تحدث بعض التعليقات، أو الإساءات حول أبحاث الأساتذة، خارج إطار الجامعة، لكن تبقي جامعة الكويت «حرة في طرح الأفكار، أو الأبحاث، ولا يحق لأحد أن يتدخل في عمل الباحث، أو الأكاديمي».

واجب دستوري وقانوني

ويقول إبراهيم الحمود، الرئيس السابق لجمعية أعضاء هيئة التدريس بجامعة الكويت، لـ«الفنار»: «نحن ندرك ضرورة وأهمية وجود مثل هذه الدراسات في مجتمعاتنا، على المستوى المجتمعي والأكاديمي. والتزام الجامعة، ووزارة التعليم العالي، بالدفاع عن هذه الأبحاث والعاملين فيها، واجب دستوري وقانوني».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

ويعتقد أستاذ القانون بكلية الحقوق، في جامعة الكويت، أن «الوسيلة الوحيدة لمواجهة التيار الذي يدّعي، على غير الحقيقة، أن نشاط الوحدة فيه تغريب للمجتمع، أو ينطوي على محاذير شرعية، هي مواصلة أعضاء الوحدة مهامهم البحثية، مع دعمها قانونيًا ومعنويًا».

وبالمثل، تقترح شيخة هاشم، إقامة تحالف بين المنظمات، والجمعيات النسوية بالكويت، لتصحيح المفاهيم المغلوطة حول «دراسات المرأة والنوع الاجتماعي» من خلال ندوات تعريفية، أو مقالات في وسائل الإعلام.

مقالات ذات صلة:

Countries

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى