أخبار وتقارير

المعماري وليد عرفة لـ«الفنار للإعلام»: دراسة العمارة تعاني من «مأزق كبير»

خلال تجربته في تصميم «بيت الطلبة المصريين» في باريس، يسعى المعماري، والباحث في شؤون العمارة، وليد عرفة (43 عامًا)، إلى تقديم مفردات مصرية خالصة، تنسجم مع السياق العام لمنطقة مونبارناس، حيث توجد المدينة الجامعية الدولية بالعاصمة الفرنسية.

درس وليد عرفة، المولود بالولايات المتحدة، وينتمي لعائلة مصرية بمحافظة سوهاج، الهندسة بجامعة عين شمس. وعقب حصوله على البكالوريوس في العمارة، اتجه إلى لندن، لدراسة الماجستير، حول حفظ مباني المساجد التاريخية في بريطانيا. ويعمل، حاليًا، على إنجاز بحث علمي للحصول على درجة مماثلة من الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

بيت الطلبة المصريين

يسافر «عرفة»، خلال أيام، إلى باريس، لمتابعة مراحل العمل في تنفيذ مشروع بيت الطلبة المصريين. ويقول في مقابلة مع «الفنار للإعلام»، إن فوزه بالمسابقة الدولية التي طرحت لتصميم المبنى، جاء كمحصلة للزخم الإعلامي الذي تحقق لمسجد «باصونة» الذي سبق له تصميمه بمحافظة سوهاج، في صعيد مصر.

ويضيف أنه تلقى ترشيحات عدة من مكاتب استشارية، تدعوه للمشاركة في المسابقة التي نُظمت لتنفيذ المشروع المصري في باريس، حيث خاض منافسة مع ستين تحالفًا هندسيًا معماريًا. ويشير إلى أنه اختار أحد أصغر المكاتب المعمارية الفرنسية كشريك، وهو Sam Architecture، لأنه «يماثل طموحنا في الاختلاف».

«عندما نتحدث عن معماريين بارزين، نعود بالذاكرة لأسماء توقف عملها قبل 50 عامًا، من أمثال حسن فتحي، ورمسيس ويصا واصف، ونعوم شبيب، ما يعني أن الذاكرة تعاني من الانقطاع، والأسماء التي جاءت بعد هؤلاء تظهر كومضات في ساحة مظلمة».

وليد عرفة
معماري، وباحث في شؤون العمارة

وبعد تصفية المشروعات المتنافسة إلى خمسة فقط، طلب منظمو المسابقة، من المشاركين إعداد تصميمات للمشروع بعد معاينة الأرض التي سيقام عليها. ويقول «عرفة» إنه تفرغ تمامًا لمدة شهر ونصف، لتنفيذ التصميم الذي فاز بالمشروع، بعد عرضه على لجنة من خبراء عرب وفرنسيين.

عند إعداد التصميم واجه الباحث في شؤون العمارة، تحديًا يتمثل في كيفية ابتكار تصميم «قادر على الحوار، مع تصميمات مبان مجاورة أعدها أحد أبرز مهندسي ما بعد الحداثة، وهو المعماري السويسري لو كوربوزييه». وعن ذلك يقول إنه فكر كثيرًا قبل خوض هذه المغامرة، لخلق تصميم يجاور تلك المباني، ويحاورها «بالكثير من الثقة والندية».

ويوضح أن فلسفة التصميم تتمثل في التعبير عن هوية مصرية واضحة، حيث يشترط في المبنى، الذي يضم نحو مائتي غرفة، أن يكون معبرًا عن ثقافة ساكنيه، وفي نفس الوقت متآلفًا مع محيطه العام، مع مراعاة راحة الطلبة، وتوفير أفضل فرص التعلم، وتعزيز الحوار، حيث تشترط إدارة المدينة أن يسكن المشروع، طلاب يمثلون هويات مختلفة.

المدينة الجامعية في باريس

أنشئت المدينة الجامعية في باريس، في العام 1925، وهي أكبر مسكن للطلاب من مختلف دول العالم. وفي ستينيات القرن الماضي، تم تخصيص قطعة أرض للحكومة المصرية لبناء البيت المصري في فرنسا.

وضع وليد عرفة في تصميم بيت الطلبة المصريين في باريس، مجموعة من المفردات الدالة على مشروعه، من خلال استعمال مواد البناء، وأغلبها من الحجر، مع استخدام نصوص فرعونية قديمة على الواجهة الخارجية للمبنى، تركز على آداب طلب العلم

وقد اختار المصمم المعماري هذه النصوص، بعد استشارة خبراء من دارسي المصريات بالجامعة الأمريكية في القاهرة. وسوف يتم نقش النصوص بحروف اللغة الهيروغليفية، مع إتاحة ترجمات لها بلغات مختلفة من خلال تقنية الاستجابة السريعة، أو ما يعرف بـ«QR Code»، التي تثبت من خلال لوحة على الواجهة.

وعن المعايير التي اعتمدها في التصميم، يقول «عرفة» إنه أراد إدخال أكبر كمية من الضوء الطبيعي الموزع مع مسار حركة الشمس وحركة الرياح. ولذلك، فقد وضع زجاجًا فى سقف المبنى، وصاغ ممرات بين الغرف، تسمح بخصوصية ساكنيها من الطلاب، وتخرجهم إلى صحن المبنى، للاستمتاع بالنظر إلى حديقته العامة بارتياح. وأبقى التصميم على شجرة الزان الأحمر الموجودة بالأرض المقام عليها المشروع، والتي يزيد عمرها عن مائة عام.

العمارة الإسلامية

قبل ثلاثة أعوام، فاز «عرفة»، بجائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد، عن تصميم وتنفيذ مسجد «باصونة» بمحافظة سوهاج، حيث تم اختيار المسجد، في المسابقة الهادفة إلى تطوير وتنشيط عمارة المساجد على مستوى العالم، ضمن أفضل 27 مسجدًا على مستوى العالم. كما تلقى وليد عرفة، تكريمًا من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال فعاليات ملتقى الشباب العربي والإفريقي بأسوان في آذار/مارس 2019. وكذلك، فقد حصد جائزة «ستون أووردز»، عن تصميمات المسجد نفسه. وأشار المعماري الإيطالي لوكا موليناري، رئيس لجنة تحكيم الجائزة، إلى «براعة التصميم باستخدام الأحجار، عبر أشكال هندسية متنوعة، تبرز السمات الأساسية للثقافة الإسلامية».

«ما تعانيه العمارة من أزمات في المدن الإسلامية، هو انعكاس لمأزق مشروع تحديث الخطاب الديني ذاته، لأن غالبية ممثلي هذا الخطاب غير قادرين على تمثيله ».بصريًا

وليد عرفة  

ويعتقد وليد عرفة أن «ما تعانيه العمارة من أزمات في المدن الإسلامية، هو انعكاس لمأزق مشروع تحديث الخطاب الديني ذاته، لأن غالبية ممثلي هذا الخطاب غير قادرين على تمثيله بصريًا، بل إن بعضهم يعزز القبح، ولا يملك فهمًا أصيلًا للدين الذي يزعم الدفاع عن تعاليمه».

دراسة العمارة بالجامعات المصرية

ومع ما أنجزه طيلة مسيرته العملية، يواصل «عرفة» العمل، من أجل تعميق معارفه النظرية، والحصول على درجات علمية تضيف لرصيده المعرفي، فضلًا عن تأكيد طموحه في إرساء مدرسة معمارية جديدة، تنسجم مع رؤيته.

وغير بعيد عن كل ذلك، يتحدث عن واقع دراسة العمارة بالجامعات المصرية راهنًا، فيقول إنها تعاني من «مأزق كبير». ويضيف: «عندما نتحدث عن معماريين بارزين، نعود بالذاكرة لأسماء توقف عملها قبل 50 عامًا، من أمثال حسن فتحي، ورمسيس ويصا واصف، ونعوم شبيب، ما يعني أن الذاكرة تعاني من الانقطاع، والأسماء التي جاءت بعد هؤلاء تظهر كومضات في ساحة مظلمة، وما لدينا الآن، أسماء فردية، وليست تيارات، وذلك نتيجة غياب التفاعل المؤسسي».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

كما يقدم المعماري وليد عرفة، عبر مكتبه، منحًا تدريبية للخريجين الجدد من أقسام العمارة بالجامعات. ويشير إلى أنهم استقبلوا، خلال العامين الماضيين، أكثر من عشرين متدربًا، ولا يزالون يستقبلون المزيد من طلبات التدريب من مدن عدة حول العالم. وفي ختام مقابلتنا، يقول: «لا نعمل بشكل تجاري بالكامل، والهاجس التعليمي يحكم عملنا. نحن نفضل العمل دائمًا مع الخريجين الجدد الذين لم يفسدهم السوق التنافسي».

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى