أخبار وتقارير

قصة الخروج الصعب لطلاب لبنان العائدين من أوكرانيا.. والمستقبل الدراسي أبرز الإشكاليات

بعد رحلة محفوفة بالمخاطر عبر مدينة خاركوف بأوكرانيا، هربًا من تداعيات الغزو الروسي، حالف الحظ أحمد عبد الله، وحسين شكر، ليكونا من بين الطلاب اللبنانيين الذين تمكنوا من العودة بأمان إلى موطنهم.

في وقت مبكر من صباح الثاني من آذار/ مارس، وصل الاثنان إلى بيروت عبر رومانيا، ضمن المجموعة الأولى من المغتربين اللبنانيين الفارين من الحرب في أوكرانيا، والتي ضمت 40 طالبًا جامعيًا. وبينما يشعر الطلاب بالارتياح الآن، إلا أن القلق حيال مصير تعليمهم لا يبارحهم.

ويقول «عبد الله» (24 عامًا)، الذي يدرس الطب بالسنة السادسة في جامعة خاركوف الطبية الوطنية إنه كان من المفترض أن ينال البكالوريوس في غضون شهرين. ويضيف: «مستقبلي الآن أصبح معلقًا بخيط رفيع».

ويعتبر الطالب اللبناني، الذي أمضى عدة أيام مختبئًا في محطة مترو أنفاق مظلمة، مع طلاب آخرين وسط أصوات الانفجارات وإطلاق الرصاص، أنه محظوظ لتمكنه من الخروج، فيما «لا يزال الكثير من الطلاب محاصرين في أوكرانيا». ويتابع «عبد الله»: «كنا خائفين جدًا. لم يجرؤ أحد على الخروج. قُتل طالب من الجزائر بالرصاص عندما غامر بالخروج لشراء طعام». (اقرأ المقال ذي الصلة: «عن الحرب ورحلة العبور من الموت العشوائي.. طلاب جزائريون يروون لـ«الفنار للإعلام» قصصهم في أوكرانيا»).

«نحن ضائعون تمامًا، ومستقبلنا معلق في الهواء. سنطلب مساعدة وزارة التربية والتعليم اللبنانية، من أجل استكمال تعليمنا في الجامعات المحلية. يتعيّن علينا، بالتأكيد، إيجاد حلٍ ما».

حسين شكر
طالب لبناني بجامعة خاركوف الطبية – أوكرانيا

«لذلك بقينا»

وفي الأيام والأسابيع التي سبقت غزو الجيش الروسي لأوكرانيا، في 24 شباط/ فبراير، كان أولياء أمور الطلاب اللبنانيين يضغطون عليهم للمغادرة. لكن «عبد الله» أخبر «الفنار للإعلام» أن معظم الطلاب آثروا البقاء بسبب قلقهم من تفويت الفصول الدراسية، وخسارة سنوات من الدراسة التي شارفت على نهايتها.

ويشير إلى أنهم عندما طلبوا من جامعتهم تقديم بعض الإرشادات بخصوص الموقف، والإجراء الواجب على الطلاب اتخاذه، كانت إجابة إدارة الجامعة: «لن يحدث شيء، هذه التوترات موجودة منذ عام 2014. إذا غادرتم، فسيتعين عليكم تحمل العواقب، لأن التدريس سيستمر كالمعتاد». ويواصل: «لذلك بقينا».

قبل تصاعد الأحداث، حثّت سفارات العديد من الدول مواطنيها على مغادرة أوكرانيا على الفور، لكن لم يُطلب من اللبنانيين سوى توخي الحذر. وعن ذلك، يقول «عبد الله» إن السفارة اللبنانية في كييف أخبرتهم بأن الأمر «متروك لكل شخص ليقرر البقاء أو المغادرة»، وأن السفارة «لا تتحمل أية مسؤولية». وبعد ذلك «لم يردوا على مكالماتنا لأنهم تعرضوا للهجوم أيضًا في كييف»، بحسب تعبيره.

في اليوم الأول من الغزو، استيقظ سكان خاركوف على أصوات الانفجارات والغارات الجوية المدويّة، مما تسبب في حالة من الذعر والارتباك. وتقع خاركوف، ثاني أكبر مدن أوكرانيا، على بعد 42 كيلومترًا فقط من الحدود الروسية. ومع اشتداد القصف ونفاد إمدادات المياه والغذاء، قرر «عبد الله» وثلاثة من زملائه من الطلاب اللبنانيين المغادرة.

ويصف «عبد الله» الرحلة بأنها «كانت مرعبة وتشبه فيلم رعب». ويروي تفاصيل ما جرى قائلًا: «كان علينا أن نكافح في طريق الوصول إلى القطار المزدحم. تعرضت إحدى الطالبات للسحق وسط الزحام، وكُسرت ذراعها. كما تم إلقاء الحقائب من القطار لإفساح المجال للناس، وكاد الأكسجين أن ينفد بين الركاب من شدة التدافع».

المشي في البرد القارس

استغرقت رحلة القطار إلى لفيف، بالقرب من الحدود البولندية، أكثر من 24 ساعة، قضاها الركاب واقفين. سار «عبد الله» ورفاقه لمدة ثلاث ساعات في طقس شديد البرودة حتى تمكنوا من العثور على سيارة أجرة نقلتهم إلى الحدود الرومانية بسعر «فلكي» قدره 1,400 دولار.

بالمثل، كان «شكر» (22 عامًا)، طالب الطب بالسنة الرابعة في الجامعة نفسها، على متن القطار نفسه. وعن تجربته، يقول إن 25 طالبًا لبنانيًا كان يستقلون القطار في طريقهم إلى أي مكان خارج أوكرانيا. ويضيف أن بعضهم عبر إلى بولندا، في حين لجأ البعض الآخر إلى رومانيا، وسلوفاكيا.

وفي رومانيا، وفّر رجل الأعمال اللبناني محمد مراد، الرعاية لأربعين طالبًا لبنانيًا، واستضافهم في فندق يملكه في بوخارست، ودفع ثمن تذاكر عودتهم إلى الوطن، بحسب وكالة الأنباء الوطنية اللبنانية.

قلق بشأن المستقبل

بالنسبة للطلاب، يشكل التساؤل حول مستقبل تعليمهم مصدر القلق الرئيسي في الوقت الراهن، فقد لحقت أضرار بالغة بالجامعة التي يدرس فيها «شكر» و«عبد الله» نتيجة القصف الذي طال مدينة خاركوف.

«من الممكن استيعاب الطلاب العائدين من أوكرانيا في الجامعة اللبنانية. لكن قبل ذلك، يتوجب تقييم الطلاب من خلال الاختبارات أولًا. ولهذا، سيتعين على مجلس الوزراء إجراء استثناء، وإصدار مرسوم خاص».

ألبرت شمعون
المستشار الإعلامي لوزير التربية والتعليم العالي اللبناني

ويتساءل «شكر» بأسي: «هل ضاعت أربع سنوات من عمري؟ كيف يمكننا مواصلة تعليمنا في بلد في حالة حرب؟ نحن في انتظار تهدئة الموقف حتى نتمكن من الاتصال بالجامعة. نحن ضائعون تمامًا، ومستقبلنا معلق في الهواء». وأضاف أنهم سيطلبون مساعدة وزارة التربية والتعليم اللبنانية، في مسعاهم لـ«استكمال تعليمهم في الجامعات المحلية». ويقول: «يتعيّن علينا، بالتأكيد، إيجاد حلٍ ما».

وفيما تشير تقديرات غير رسمية إلى أن عدد اللبنانيين في أوكرانيا يبلغ نحو 4,500 منهم حوالي 1,300 طالب، يقول ألبرت شمعون، المستشار الإعلامي لوزير التربية والتعليم العالي اللبناني، إن السلطات سوف تجد حلولًا للطلاب لإكمال تعليمهم. وأشار المسؤول الرسمي إلى معالجة الوزارة وضع الطلاب الذين كانوا يدرسون بالجامعات السورية، ثم اضطروا إلى الفرار من سوريا بعد اندلاع الحرب الأهلية هناك في عام 2011.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

ويوضح «شمعون»: «لدينا تجارب سابقة، لكننا بحاجة إلى تقييم عدد الذين يريدون مواصلة تعليمهم في لبنان أولًا. قد يفضل بعضهم الذهاب إلى بلد أوروبي آخر». ويشرح الآلية الممكنة لمعالجة الأمر بالقول إنه «من الممكن استيعابهم في الجامعة اللبنانية، لكن قبل ذلك، يتوجب تقييم الطلاب من خلال الاختبارات أولًا. ولهذا، سيتعين على مجلس الوزراء إجراء استثناء، وإصدار مرسوم خاص».

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى