أخبار وتقارير

عن جدل اللغة وسبل التطوير.. نقاش أكاديمي حول منظومة التعليم العالي في الجزائر

على مدار ستين عامًا منذ حصول الجزائر على استقلالها، في العام 1962، شهد نظام التعليم العالي في البلاد توسعًا كبيرًا. وفي نقاش جمع أكاديميين وخبراء، مؤخرًا، توقف المشاركون أمام واقع العملية التعليمية لإحصاء ما تم إنجازه، وما يواجه المسيرة من تحديات تتعلق باللغة، والابتكار، وفرص التشغيل.

دار هذا النقاش في ندوة عقدت عبر الإنترنت، تم تنظيمها بالشراكة بين جمعية الدراسات الجزائرية بمركز الشرق الأوسط التابع لكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، والمركز نفسه، تحت عنوان: «60 عامًا من التعليم العالي في الجزائر: الإنجازات والتحديات والفرص».

قبل الاستقلال، شكّل المواطنون من أصول جزائرية 30% فقط من طلاب المدارس الثانوية، و10% من طلاب الجامعات. واليوم، يضم نظام التعليم العالي الجزائري أكثر من 1.7 مليون طالب، وأكثر من 130 مؤسسة للتعليم العالي، ما بين جامعات ومعاهد دراسات عليا ومدارس وطنية. وبحسب منير خالد براح، الأمين العام السابق لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية، فإن الجزائر عند الاستقلال، لم تكن تمتلك، سوى ثلاث مؤسسات للتعليم العالي، وأقل من ألفي طالب، 1% منهم فقط من النساء.

وأضاف «براح»، وهو أستاذ الهندسة بالمدرسة الوطنية للفنون التطبيقية بالجزائر العاصمة، أنه منذ الستينيات، تم تخريج 5 ملايين و600 ألف خريج. ويتخرج حاليًا 370 ألف طالب سنويًا، 64% منهم من النساء. وذكر أن ثلثي طلاب التعليم العالي في الجزائر يدرسون العلوم الإنسانية والاجتماعية، فيما يدرس الثلث الأخير منهم، العلوم والتكنولوجيا والعلوم الطبية. ومع ذلك، لا تزال لغة التدريس مسألة نقاش أكاديمي وسياسي.

خريطة لغوية معقدة

وقالت حياة مسخّر، أستاذة اللغة الإنجليزية في المدرسة العليا للأساتذة في بوزريعة بالجزائر العاصمة، إن للجزائر خريطة لغوية معقدة. وأوضحت أن اللهجة العربية الجزائرية (الدارجة)، تمثل اللغة اليومية لغالبية الجزائريين، فضلًا عن التحدّث بأشكال أخرى من اللغة العربية، وتنوعات إقليمية من الأمازيغية.

«طلاب العلوم والطب، وبعد الدراسة باللغة العربية في المدارس، يواجهون صدمة لأن اللغة الفرنسية هي لغة التدريس في الكليات العلمية»

خولة طالب الإبراهيمي
أستاذة اللسانيات بجامعة الجزائر 2

وأشارت «مسخّر» إلى أن الأمازيغية تم اعتبارها لغة وطنية في العام 2002، ومن ثم لغة رسمية في العام 2016. وفيما تعدّ اللغة العربية لغة التدريس بجميع مراحل الدراسة، يتم تدريس اللغة الفرنسية منذ الصف الثالث، واللغة الإنجليزية بداية من الصف السادس، فيما تعدّ الأمازيغية مادة دراسية في مدن مختلفة. وفي الجامعات، ظلت الفرنسية اللغة الأساسية لتدريس الطب والعلوم، على الرغم من توجهات في السنوات الأخيرة للتحول إلى اللغة الإنجليزية. (اقرأ المقال ذي الصلة: «الجزائر: خطوات رسمية لإلغاء تدريس الفرنسية بعد عقود من قانون التعريب»).

إصلاح تعليم اللغة العربية

من جانبها، قالت خولة طالب الإبراهيمي، أستاذة اللسانيات، ومديرة مركز أبحاث اللسانيات واللغويات الاجتماعية والتعليمية في جامعة الجزائر 2، إن الجزائر تتبع سياسة تعليمية، أو لغوية تفاعلية غير حقيقية. وأضافت أن «الافتقار إلى الديمقراطية أفرز سياسة من أعلى إلى أسفل، دون وجود مجال للنقاش الحقيقي مع المواطنين».

ورأت «الإبراهيمي» أن سياسة التعريب المتبعة في الستينيات لإعادة اللغة العربية لغة رسمية، نجحت في بعض المستويات، فاللغة العربية هي اللغة الوطنية الأولى في جميع المؤسسات، واللغة الأولى في جميع مراحل التعليم. ومع ذلك، وفيما يتعلق بسياسة اللغة، والتي تعني التدخل الواعي لتغيير استخدام اللغة في المجتمع، «يمكن القول إن الجزائر قد فشلت».

كما دعت الأكاديمية الجزائرية إلى إصلاح تعليم اللغة العربية، وقالت: «نحن لا ندرس اللغة العربية كلغة حديثة أو حية. نحن نُعلم لغة قوية للغاية جعلت الطلاب غير قادرين على إتقانها بعد التخرج. نحن بحاجة إلى إصلاح أساليبنا في تدريس اللغة العربية وزيادة كفاءة المعلمين». (اقرأ المقال ذي الصلة، «الفُصحى والعامية: حواجز ترسمها التقاليد»).

كما أشارت إلى أن طلاب العلوم والطب، وبعد الدراسة باللغة العربية في المدارس، يواجهون صدمة لأن اللغة الفرنسية هي لغة التدريس في الكليات العلمية. وتابعت «منذ ثلاثة عقود وأنا أسأل عن تكلفة تعريب جميع المدارس وترك الجامعات. هناك، يجد الطلاب أنه من واجبهم إعادة فرنسة أنفسهم مرة أخرى». كما دعت «الإبراهيمي» أيضًا إلى عدم تسييس مسألة تدريس الأمازيغية والفرنسية. وقالت إن اللغة الفرنسية لا تزال تُمثَّل على أنها لغة القوة الاستعمارية السابقة، لكن «جيل الشباب لا يرى الفرنسية بالطريقة التي ينظر بها آباؤنا إليها».

آفاق التحول إلى الإنجليزية

وبدورها، دعت «حياة مسخّر»، وهي مستشارة سابقة للمجلس الثقافي البريطاني في الجزائر، إلى تعزيز تدريس اللغة الإنجليزية. وقالت إن العديد من الأكاديميين وصناع سياسات التعليم العالي يعتقدون أن اللغة الإنجليزية لغة التنمية، وأنها اختيار استراتيجي للتعليم العالي.

«هناك طلب متزايد على اللغة الإنجليزية من طرف الطلاب، وأعضاء هيئة التدريس والموظفين غير الأكاديميين، بدليل معدلات التسجيل المرتفعة في مراكز اللغة الإنجليزية الخاصة، والدورات المكثفة في الجامعات، لتلبية احتياجات التنقل والنشر الأكاديمي».

حياة مسخّر
مستشارة سابقة للمجلس الثقافي البريطاني في الجزائر

وفيما تشير «مسخّر» إلى «فشل محاولة سابقة لإدخال الإنجليزية في المدارس الابتدائية في العام 1993»، تقول إن هناك طلبًا متزايدًا على اللغة الإنجليزية من طرف الطلاب، وأعضاء هيئة التدريس والموظفين غير الأكاديميين، بدليل معدلات التسجيل المرتفعة في مراكز اللغة الإنجليزية الخاصة، والدورات المكثفة في الجامعات، لتلبية احتياجات التنقل والنشر الأكاديمي، وفق قولها.

وأضافت: «يمكن للغة الإنجليزية أيضًا تعزيز البروز الدولي لمؤسساتنا، وتعزيز قابلية توظيف الخريجين إذا ما أتقنوها كمهارة إضافية. وعلى المدى الطويل، تتطلع وزارة التعليم العالي الجزائرية حقًا إلى تعزيز اللغة الإنجليزية في الجامعات لزيادة قبول الطلاب الأجانب وتعزيز الجاذبية والقدرة التنافسية». لكن هذا التحول لا يمكن أن يحدث بين عشية وضحاها، على حد قولها، لأنه «رغم وجود الدافع، لكنه يحتاج إلى تخطيط استراتيجي، لتحديد أولويات القطاعات التي تحتاج إلى اللغة الإنجليزية، وإعداد الميزانية اللازمة، لأن هذا التحوّل سيكون مكلفًا».

وتدعم «مسخّر» التعددية اللغوية الشاملة، حيث تقول: «علينا نزع الطابع السياسي عن الجانب اللغوي، وعدم اختيار لغة على حساب أخرى، أو إضافة اللغة الإنجليزية، وحذف اللغات الأخرى»، في إشارة إلى الجدل الذي يثار بشأن الموقف من اللغة الفرنسية، كلما خيّم التوتر على العلاقات بين الجزائر وفرنسا.

مشكلة بطالة الخريجين

وفي الندوة نفسها، طرح محمد ملياني، أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة وهران 2، قضايا أخرى تواجه التعليم العالي، بما في ذلك محتوى التدريس «الذي عفا عليه الزمن، وتقنيات التقييم التقليدية، والنظام الذي يُخرّج الكثير من الطلاب، دون توفير وظائف لهم». (اقرأ المقال ذي الصلة: «من الجزائر: نظرة على الجامعات والبطالة»). ودعا «ملياني» صانعي السياسات، إلى التركيز على الجودة، ونسيان التعليم الجماعي. وقال: «عندما تقوم بتعميم التعليم، تفقد الجودة، وعندما تُمركز (التعليم العالي)، فإنك تفقد الإبداع فعليًا».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وحول بطالة الخريجين، رأى «براح» أن دعم برامج ريادة الأعمال يعد جزءًا من حل المشكلة، وأشار إلى التعاون بين مبادرة دار المقاولاتية بالجامعات، والوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية. وأضاف أن الجامعات أطلقت حاضنات لدعم الطلاب في إيجاد أفكار مشاريع بحثية، من خلال شراكات بين التعليم العالي وسوق العمل. وقال «براح» إن الجزائر حددت هدفا بتخصيص 1% من الناتج المحلي الإجمالي لدعم الابتكار، مستدركًا: «لكن الأمر لا يتعلق بالميزانية فحسب، نحن بحاجة إلى تغيير الأمور بشكل تدريجي وترتيب المشهد البحثي لدينا».

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى