أخبار وتقارير

التعليم الفني الليبي في زمن الحرب.. أوضاع متردية ومحاولات للتطوير

بعد إحدى عشرة سنة من الإطاحة بنظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، في العام 2011، يواجه قطاع التعليم الفني في ليبيا، مصاعب شتى، جراء سنوات من الحرب والاقتتال الأهلي، وما ترتب عليه من تداعيات طالت كل مناحي الحياة.

كان نصيب التعليم الفني من تلك التداعيات واضحًا، حيث تمثل في: إغلاق متكرر لمعاهد التعليم التقني والفني، وإيقاف الدراسة في العشرات منها، وتراجع أعداد الطلاب.

يبلغ عدد الكليات والمعاهد التقنية العليا والفنية المتوسطة في ليبيا، نحو 520 مؤسسة تتوزع على أنحاء البلاد كافة، وتخضع جميعها لإشراف مباشر من وزارة التعليم التقني والفني. ويدرس بالمعاهد الفنية العليا، 48 ألفًا و679 طالبًا، يتوزعون على تخصصات متنوعة، مثل: الصحة والسلامة، وشؤون المياه، والمواصلات والنقل، والتقنيات الطبية، وعلوم البحار، وفق مسؤولين بالوزارة.

ضعف المناهج الدراسية

في مقابلة مع «الفنار للإعلام» عبر «زووم»، يعزو عيسى الجدي، مستشار وزير التعليم التقني والفني الليبي، قلة أعداد طلاب التعليم الفني، إلى الأوضاع الأمنية المتردية التي أدت إلى إغلاق العشرات من المعاهد الفنية، بالإضافة إلى «ضعف المناهج الدراسية بشكل أضعف فرص التحاق خريجي تلك المعاهد بسوق العمل».

وفيما تشير تقديرات رسمية إلى وجود 74 جامعة خاصة في ليبيا، يقول «الجدي» إن التوسع في إقامة جامعات وكليات خاصة، «دون ضوابط محددة»، يعد السبب الرئيسي وراء انخفاض أعداد طلاب المعاهد الفنية، «ما يحرم الاقتصاد الليبي من تكوين كوادر فنية مدربة».

«التوسع في إقامة جامعات وكليات خاصة، دون ضوابط محددة، يعد السبب الرئيسي وراء انخفاض أعداد طلاب المعاهد الفنية، ما يحرم الاقتصاد الليبي من تكوين كوادر فنية مدربة».

عيسى الجدي
مستشار وزير التعليم التقني والفني في ليبيا

وبسبب الحرب، تعطلت الموانئ البحرية في البلاد، وتضررت صناعة النقل البحري. وكنتيجة طبيعية لذلك، تراجعت أعداد الدراسين بالمعاهد الفنية البحرية الثلاث في ليبيا، بعدما كانت تستوعب الكثير من الطلاب، وفق شهادات من أكاديميين وطلاب.

وعن ذلك، يقول خالد الدحير، مدير المعهد العالي لتقنيات علوم البحر بمدينة صبراتة لـ«الفنار للإعلام» إن الحرب أوقفت الدراسة بالمعهد الذي تعرض للنهب، وطالت منشآته بعض الأضرار. ويوضح «الدحير»، الذي يشغل منصبه منذ ثلاث سنوات، أن المشكلات الناجمة عن الانقسام السياسي بين بعض المدن الليبية، تسببت كذلك في انخفاض أعداد المغتربين الملتحقين بالمعهد من خارج مدينة صبراتة. ويشير إلى أن الطلاب من خارج المدينة كانوا يمثلون، في السابق، 50% من إجمالي الدارسين، مقابل 9% فقط، في الوقت الراهن.

ويبلغ عدد طلاب المعهد، الذي يعد أقدم معهد بحري حكومي في البلاد (تأسس عام 1998)، نحو ألف طالب، يدرسون في سبعة أقسام علمية. أما في فرع المعهد بمدينة زوارة فيبلغ عدد الطلاب 45 طالبًا، وفي المعهد نفسه بمدينة الخمس فعدد الدارسين يبلغ 90 طالبًا، وفق الأكاديمي الليبي.

ويقول «الدحير» إن أسباب قلة أعداد الدارسين بالمعهد، لا تقتصر على الجانب الأمني فحسب، وإنما ترتبط أيضًا بعدم اعتماد الشهادة الدراسية التي يحملها الطلاب بعد التخرج، من جانب مصلحة الموانئ البحرية، والتي تعتبر الخريجين «غير مكتملين فنيًا» بسبب «عدم توافق المناهج التعليمية» مع معايير المنظمات البحرية الدولية.

دراسة الإناث بالتعليم الفني

ولذلك – والكلام لـ«الدحير» – حاولت وزارة التعليم التقني والفني الليبية، تجاوز هذا الأمر، من خلال توقيع اتفاق مع الجهة المختصة، يمنح  مصلحة الموانئ البحرية، الحق في تصميم مناهج قسمي الملاحة البحرية، وهندسة الميكانيكا، مقابل اعتماد سلطات النقل البحري في البلاد، المناهج الدراسية بالمعهد، حيث يحصل الخريجيون، بعد ثلاث سنوات دراسية، على شهادة معتمدة من وزارة التعليم التقني والفني، تفيد بحصولهم على الدبلوم العالي في تخصصات مثل: تشغيل الموانئ، والملاحة البحرية، والهندسة الميكانيكية.

وفي حين يبلغ عدد الطالبات بالمعهد نفسه نحو ثلاثمائة طالبة، تقول إحداهن، وتدعى سلوى صلاح الدين لـ«الفنار للإعلام» إن سبب انخفاض أعداد الإناث بالمعهد يعود إلى «غياب التطبيق العملي عن أغلب المقررات الدراسية». وتشير أيضًا إلى «نظرة المجتمع التنميطية تجاه كل منتسبة إلى المعهد الفني، باعتبار أن فرص العمل لا تناسبهن وخاصة بعد الزواج».

«من أسباب قلة أعداد الدارسين بالمعهد، عدم اعتماد الشهادة الدراسية التي يحملها الطلاب بعد التخرج، من جانب مصلحة الموانئ البحرية، والتي تعتبر الخريجين غير مكتملين فنيًا، بسبب عدم توافق المناهج التعليمية مع معايير المنظمات البحرية الدولية».

خالد الدحير
مدير المعهد العالي لتقنيات علوم البحر بمدينة صبراتة

محاولات للتطوير

بحسب عيسى الجدي، مستشار وزير التعليم القني والفني الليبي، فإن الوزارة صممت برنامجًا لتطوير مناهج المعاهد التابعة لها بمدن ليبيا كافة، بهدف مواكبة المستجدات في كل تخصص دراسي، بالإضافة إلى ترميم مقار المعاهد والكليات التي تضررت خلال السنوات الأخيرة، وتنفيذ برامج للصيانة اللازمة. ويقول «الجدي»: «نعمل على تطوير المناهج، بشكل دوري، بما يواكب التطور التقني والمعرفي الذي يشهده العالم، وذلك من خلال لجنة فنية استشارية، تتولى، منذ العام الماضي، متابعة تنفيذ الخطة طويلة الأجل المعتمدة من الوزارة، بمراجعة وتقييم وضع الأقسام العلمية القائمة لغرض تطويرها بما يتماشى مع توجهات ورؤى الوزارة، ومتطلبات سوق العمل».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وبدوره، يرى «الدحير» أن النهوض بالتعليم الفني في ليبيا، ينبغي أن يشمل ثلاث مسارات رئيسية، مع تصميم شراكة فعالة بين الجهات الحكومية التي تتقاطع تخصصاتها مع مجال الدراسة في هذه المعاهد. وهذه المسارات الثلاث، تتلخص في: توفير سوق عمل لخريجي هذه المعاهد الفنية، وتعزيز التدريب العملي، أو الميداني للطلاب خلال الدراسة، وإعداد أساتذة متخصصين في الجوانب الفنية والتعليمية على حد سواء، وذلك حتى «تتمكن مؤسسات التعليم الفني في ليبيا من الحصول على شهادات اعتماد دولية، تساعد الخريجين في الالتحاق بسوق العمل».

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى