أخبار وتقارير

تحديات البحث العلمي بمؤسسات التعليم العالي الفلسطينية.. جدل أكاديمي

تواجه مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، تحديات عدة أمام جهود الارتقاء بالبحث العلمي. وفيما يعزو أكاديميون تعثر تطوير القدرات البحثية بهذه المؤسسات، إلى «قيود الاحتلال الإسرائيلي»، يشير آخرون إلى أسباب أخرى.

وفي ندوة نظمتها، مؤخرًا، منظمة «علماء من أجل فلسطين»، التي تستهدف تعزيز التعاون العلمي الفلسطيني مع مجتمع التعليم حول العالم، قال يوسف نجاجرة، الباحث في مجال عقاقير مكافحة السرطان، إن الأمر «صعب ومعقد للغاية».

وأضاف «نجاجرة»، وهو عميد كلية الصيدلة الأسبق بجامعة القدس: «نحن نواجه جميع أنواع المشكلات، بداية الافتقار إلى ثقافة العمل الجماعي، ونقص التمويل، وفقر البنية التحتية، وصعوبة نقل وإرسال العينات إلى الخارج. كما تعلمون، نحن شبه دولة ولسنا دولة مستقلة».

كما أشار الأكاديمي الفلسطيني إلى «عدم وجود إنتاج معرفي مهم، أو قفزة هائلة في البحث العلمي منذ نشأة السلطة الوطنية الفلسطينية، على الرغم من وجود أكثر من 50 مؤسسة للتعليم العالي في فلسطين، بينها أكثر من 17 جامعة خاصة». وذكر أن عدد مؤسسات التعليم العالي بالأراضي الفلسطينية «كبير بالنسبة إلى حجم أمة تعدادها 5 ملايين نسمة، بالمقارنة مع دول أخرى».

دراسة العلوم الطبيعية

وفق «نجاجرة»، فقد بلغ عدد الطلاب بالجامعات الفلسطينية، خلال العام الماضي، أكثر من مائتي ألف طالب بمختلف المراحل الدراسية. وقال إنه لاحظ تضاؤل عدد دارسي العلوم الطبيعية والرياضيات، بواقع 7 آلاف طالب، غالبيتهم من الإناث، مقارنة بـ 29 ألف طالب ممن درسوا بالكليات النظرية، ليصبحوا معلمين، و21 ألف طالب يدرسون الآداب، و10 آلاف يدرسون العلوم الاجتماعية، و59 ألفًا يدرسون إدارة الأعمال والقانون، و47 ألفًا يدرسون الطب والرعاية الصحية.

«من الصعب إقناع الطلاب بدراسة العلوم الطبيعية في ظل عدم وجود تمويل كاف للبحث العلمي، أو فرص عمل مناسبة».

يوسف نجاجرة
أكاديمي فلسطيني

وعلق الأكاديمي الفلسطيني على تلك الأرقام قائلًا إنه في غضون سنوات قليلة «لن تكون هناك دراسة للعلوم الطبيعية، وستختفي الرياضيات من فلسطين قريبًا»، مشيرًا إلى «إغلاق أقسام الرياضيات، والعلوم الطبيعية بجامعة بيت لحم، وعدم وجود إقبال على تلك العلوم بجامعة القدس».

وواصل الحديث عن الظاهرة نفسها، فقال إنه من الصعب إقناع الطلاب بدراسة العلوم الطبيعية في ظل عدم وجود تمويل كاف للبحث العلمي، أو فرص عمل مناسبة. وزاد أن مشكلات البحث العلمي في فلسطين، لم تتغير منذ عشرين سنة. وأوضح: «لدينا الأفكار لكن ينقصنا التمويل، وتخصيص ميزانية للبحوث العلمية، وهذا لن يحدث تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي».

العنف ضد الجامعات الفلسطينية

من جانبه، طرح ديفيد كاتنبرغ المحاضر في العلوم، وعضو منظمة «علماء من أجل فلسطين»، مسألة تصاعد العنف ضد الجامعات الفلسطينية، وزيادة تواتر الأخبار عن اقتحام بعضها، واعتقال أفراد الأمن، والطلاب، ومداهمة الكليات، متسائلًا عن كيفية الرد على ذلك بالشكل القانوني. وبدوره، قال مايكل لينك، والذي شغل منصب المقرر الخاص للأمم المتحدة، المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة حتى آذار/مارس الماضي: «هذه واحدة من العديد من القصص التي تعبر مكتبي بانتظام فيما يتعلق بتشغيل الجامعات ومعاهد التعليم العالي. تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل متكرر بمداهمة الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية. هناك طلاب توقفوا عن الدراسة، وجرى تدمير مرافق جامعية».

وأضاف أن الطلاب، وأساتذة الجامعات الفلسطينية يعانون، وكذلك المعلمين في المدارس الذين يواجهون قيودًا على الحركة بجانب المضايقات والسجن، بالإضافة إلى أن «الجزء الأكبر من تمويل الجامعات غير مستقر».

معاناة الطلاب

وعن عملها بالضفة الغربية، قالت ناردين ناصر، معلمة الكيمياء بإحدى المدارس الثانوية في بيت لحم، إن حوالي مليون و800 ألف فلسطيني، يعيشون داخل إسرائيل، ما يجعل تعليمهم خاضع لإدارة السلطات الإسرائيلية، وفق قولها.

وأوضحت «ناصر»، التي درست الهندسة الكيميائية بجامعة أستون في برمنغهام بالمملكة المتحدة، أن 53% فقط من الطلاب الفلسطينيين يستطيعون الالتحاق بالمدارس العامة في إسرائيل، بينما يضطر 47% منهم إلى السفر، يوميًا، إلى المدارس التي تتبع السلطة الفلسطينية، لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف المدارس الخاصة داخل إسرائيل، بالإضافة إلى «عدم سماح السطات الإسرائيلية لهم ببناء مدارس، أو مستشفيات، أو منازل داخل المناطق التي تديرها بالضفة الغربية».

«لدينا الكثير من الطلاب المبدعين، لكن يتم سحق أحلامهم في ظل الوضع الذي نعيشه. ولأنهم يعرفون مستويات البطالة، فلا يملكون ترف دراسة ما يحبون، بل يفكرون في معرفة ما هو جيد لمستقبلهم في ظل هذا الوضع».

ناردين ناصر
معلمة فلسطينية

وذكرت أن الطلاب الذين يعيشون في هذه المناطق، يواجهون ضغط السفر يوميًا، حيث يتعين عليهم عبور نقاط تفتيش عدة. وتضيف أنه كلما زاد عمر التلميذ، أصبحت حياته أكثر صعوبة، «باعتباره يمثل تهديدًا للحكومة الإسرائيلية، ما يدفع الطلاب الصغار إلى ترك الدراسة في نهاية المطاف».

وبحسب دراسة أجرتها ناردين ناصر، فإن 99.2% من الفلسطينيين يتابعون دراستهم حتى الصف الرابع، لكن هذه النسبة تنخفض إلى 63% لمن يتابعون دراستهم حتى الصف الثاني عشر «بسبب الحواجز الأمنية والتضييق على الطلاب». كما تشير إلى تدني جودة التعليم بالمدارس التي تديرها السلطة الفلسطينية، بسبب زيادة عدد السكان، ما يجعل المدارس تعمل على فترات، وتشهد ارتفاعًا في أعداد الطلاب مقارنة بالمدرسين، كما تعاني من ضعف البنية التحتية.

ورغم عملها في مدرسة خاصة، إلا أنها تعاني أيضًا من صعوبات يومية، تتعلق بعدم جهوزية المختبرات، إما لأسباب مادية، أو لأنها بحاجة إلى مواد غير مسموح بها. وتقول «ناصر» إن ذلك يؤثر على الصحة النفسية للأطفال بشكل كبير. وتضيف: «لدينا الكثير من الطلاب المبدعين، لكن يتم سحق أحلامهم في ظل الوضع الذي نعيشه. ولأنهم يعرفون مستويات البطالة، فلا يملكون ترف دراسة ما يحبون، بل يفكرون في معرفة ما هو جيد لمستقبلهم في ظل هذا الوضع».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وعن تجربتها الشخصية، قالت إنها درست الهندسة الكيميائية، مدفوعة بالشغف إزاء إجراء البحوث، والالتحاق بالعمل في مصنع، أو مختبر. وأضافت أنها، على الرغم من استمتاعها بالتدريس، إلا أنه لم يكن حلمها، موضحة أنها اكتفت بالعمل المدرسي بسبب بعد المسافة بين مسكنها، ومرافق البحث، واضطرارها إلى السفر اليومي عبر نقاط التفتيش.

وحول النقطة نفسها، تحدث «نجاجرة»، قائلًا إنه لا يستطيع حضور مؤتمر لدى أي جامعة يتطلب الوصول إليها عبور نقاط التفتيش، أما إذا حاول السفر خارج فلسطين، فهذه «مشكلة كبيرة، بالإضافة إلى تقييد وصول الأكاديميين الأجانب إلى الجامعات الفلسطينية».

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى