أخبار وتقارير

شيرين أبوعاقلة.. «سنديانة القدس» التي ماتت واقفة

في صلابة أشجار السنديان، اعتادت المراسلة الفلسطينية شيرين أبوعاقلة، الوقوف أمام الكاميرا لنحو ربع قرن، تحكي وتتقصى وترصد، عبر الشاشة، قصة شعبها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

بين ميادين الكر والفر، وردهات المستشفيات، وأطلال الأبنية المدمرة، مضت الإعلامية المقدسية تنسج سيرتها المرئية على مهل، منذ التحاقها بقناة «الجزيرة» في العام 1997، وحتى يوم أمس الأول (الأربعاء)، الموافق الحادي عشر من أيار/مايو 2022، حين استقرت رصاصة من جنود جيش الاحتلال في رأسها، أثناء تغطيتها لاقتحام إسرائيلي لمدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة، وفق بيان من شبكة «الجزيرة».

ولدت شيرين نصري أبو عاقلة في العام 1971، بمدينة بيت لحم، ودرست في مدرسة راهبات الوردية في القدس، وعملت منذ تخرجها في العديد من وسائل الإعلام والمؤسسات الدولية، إلى أن استقر بها الأمر مراسلة لقناة «الجزيرة»، حيث أصبحت واحدة من أبرز مراسلي الأراضي المحتلة.

بين الدراسة والممارسة

لم تفصل «أبوعاقلة» في تجربتها المهنية بين الدراسة والممارسة، حيث ارتبطت مع جامعة بيرزيت الفلسطينية بعلاقة خاصة، فكانت واحدة من المدربين الإعلاميين، ونقلت تجربتها لطلبة الجامعة عبر تدريسها مساقات في التقارير التلفزيونية لطلبة الإعلام.

لم تفصل «أبوعاقلة» في تجربتها المهنية بين الدراسة والممارسة، حيث ارتبطت مع جامعة بيرزيت الفلسطينية بعلاقة خاصة، فكانت واحدة من المدربين الإعلاميين، ونقلت تجربتها لطلبة الجامعة عبر تدريسها مساقات في التقارير التلفزيونية لطلبة الإعلام.

وبحسب تقرير للجامعة، واصلت شيرين أبو عاقلة دراستها في صفوف طلابها، فحصلت في العام 1997 على دبلوم إذاعي من مركز تطوير الإعلام في الجامعة، وكانت قد درست من قبل بجامعة اليرموك الأردنية.

حين كانت «شهيدة الحقيقة»، كما وصفتها بعض عبارات الرثاء، في أوج مجدها المهني، لم تتردد في العودة إلى مقاعد طلب العلم، فالتحقت بالفوج الأول من دبلوم الإعلام الرقمي بجامعة بيرزيت، في العام 2020.

المهارات قابلة للتعلم

وحين أنهت تلك الدراسة، وقفت تتحدث باسم الخريجين، لتقول: «اليوم أقول بثقة إن الحديث عن تطور الإعلام الرقمي، لم يعد ذاك الغول الذي يصيبني بالذعر كما كان الحال قبل عامين ونصف، إذ اعتقدت حينها أن تعلم هذه المهارات سيكون حكرًا على جيل فتح عينيه على هذا النوع من التكنولوجيا، لكنني اكتشفت أن المهارات قابلة للتعلم، ولم يعد ذكر صحافة الموبايل أو استخدام البرامج المتعددة كالفوتوشوب والإنفوغراف يسبّبان لي الخوف، فقد أتقنت بعضًا منها وصرت على دراية كافية بمبادئ بعضها الآخر، وبات التطور اليومي الذي أراه على الشاشات، وعبر وسائل التواصل، أمرًا اعتياديًا».

منحة دراسية

وفي خطوة تعكس تقدير جامعة بيرزيت لدور ومكانة الإعلامية الراحلة، فقد أعلنت، عبر موقعها الإلكتروني، الخميس، عن إطلاق جائزة «شيرين أبو عاقلة للتميز الإعلامي»، كجائزة سنوية تستهدف الإعلاميين الفلسطينيين، وتهدف إلى تحفيز الإبداع والعمل الإعلامي النوعي الذي يتناول قصة فلسطين.

وتأتي هذه الجائزة، التي سيعلن عنها في 11 أيار من كل عام، وهو تاريخ استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة، كتكريم لدورها الوطني والإعلامي، حيث «ساهمت في إيصال الصوت الفلسطيني للعالم عبر تغطية اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة على شعبنا»، وفق بيان من الجامعة التي أعلنت كذلك عن تخصيص منحة دراسية سنوية باسم شيرين أبو عاقلة لإحدى طالبات الإعلام المتميزات أكاديميًا، كتشجيع للتميز الأكاديمي الإعلامي، على أن يتم الإعلان عن تفاصيل الجائزة والمنحة الدراسية، وشروطهما قريبًا.

تجربة إنسانية

«أخاف طبعًا.. لكن بلحظة معينة تنسى هذا الخوف.. يتراجع هذا الشيء.. نحن لا نرمي حالنا (أنفسنا) في الموت».

شيرين أبو عاقلة مقابلة سابقة مع فضائية «النجاح» الفلسطينية

في مقابلة تلفزيونية، يعود تاريخها إلى نحو خمس سنوات مضت، تتحدث شيرين أبوعاقلة إلى فضائية «النجاح» الفلسطينية، عن جوانب إنسانية من تجربتها. وعلى مدار حوالي أربع وأربعين دقيقة، يستطيع المشاهد التوقف، اليوم، أمام إجابات قد تقدم تفسيرًا لجسارتها التي عُرفت بها عند تصديها لتغطية أحداث ساخنة بالأراضي المحتلة.

وردًا على سؤال عما إذا كانت تخاف من الرصاص أو قنابل الصوت، وسر قوتها خلال تغطية المواجهات، نجدها تجيب قائلة: «أخاف طبعًا.. لكن بلحظة معينة تنسى هذا الخوف.. يتراجع هذا الشيء.. نحن لا نرمي حالنا (أنفسنا) في الموت». وفيما تشير إلى محاولاتها لحماية الطاقم الذي يرافقها في العمل الميداني، قبل اهتمامها بالظهور على الشاشة، تؤكد أن «رقم واحد هو سلامة الطاقم».

وقبل أن تنهي الرصاصة الأخيرة حياتها، تخبرنا «أبوعاقلة» أنها لم تُصب يومًا في أية مواجهات، وإن كان تنفس قنابل الغاز قد ترك آثاره في رئتيها، حتى أصبحت متاعب التنفس تلازمها، كواحدة من آثار العمل اليومي.

عمل قريب من الناس

وعن مرحلة ربما تكون خافية على كثير من الناس، تروي شيرين أبوعاقلة، كيف درست الهندسة في بواكير تجربتها مع التعليم العالي، قبل أن تتحول إلى دراسة الإعلام. والقصة باختصار، كما روتها في المقابلة نفسها، أنها كانت الأولى على صفها الدراسي، فكان الأهل يأملون في أن تتخصص ابنتهم في شيء علمي. وفي ذلك الوقت، رأوا أنه من المريح لها، كفتاة، أن تدرس الصيدلة، لكنها لم تلحق بالكلية، وتم ترشيحها لدراسة الهندسة.

لم تستغرق الكثير من الوقت حتى تقرر أنها لا ترى مستقبلًا لها في الهندسة، ومنها تحولت إلى الإعلام بحثًا عن «عمل قريب من الناس». وانطلاقًا من شغفها بالكتابة في دراستها المبكرة، اختارت دراسة الصحافة المكتوبة، على أمل العمل بالصحف المطبوعة، قبل أن تمضي بها المقادير نحو الإعلام المسموع والمرئي من بعده.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وبابتسامة، ولمعان خاطف في العين، ترد بكلمات سريعة، على سؤال حول ما إذا كانت فكّرت ذات مرة في الهجرة إلى خارج فلسطين، فتقول: «ولا مرة.. أنا أصلًا من القدس». قالتها في نبرة مباهاة يحتفظ بها الفلسطينيون إزاء مدينتهم المقدسة.

الأشجار تموت واقفة

مثلما كتب الشاعر الفلسطيني الراحل معين بسيسو «الأشجار تموت واقفة»، في ترميز لقوة الإرادة، ودّعت شيرين أبوعاقلة دنيانا مرفوعة الرأس. والمتأمل في الإدانات، والتنديد، والصلوات، والمراثي التي رافقت موتها، يجد في مأساة رحيلها تجسيدًا لما كتبه، قبل عقدين، شاعر فلسطين الأشهر، محمود درويش، حين قال في قصيدته «جدارية»: «لم يمتْ أحد تمامًا، تلك أرواح تغيَّر شكْلها ومقامها».

اقرأ أيضًا

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى