أخبار وتقارير

علي المقري بعد تكريمه من فرنسا: حرب اليمن أبعدتني عن مصادر الإلهام

بعد سنوات من إقامته في باريس، بعيدًا عن اليمن الذي شبّ فيه، وكبر، وكتب الشعر والرواية، أعلن الروائي اليمني علي المقري، قبل أيام، تلقيه رسالة من روزلين باشلو، وزيرة الثقافة الفرنسية، تخبره فيها بقرار حكومة بلادها، منحه وسام الفنون والآداب بدرجة «فارس».

اضطر الكاتب، الذي يعيش في فرنسا منذ العام 2015، بدعوة للإقامة الأدبية تلقاها من معهد العالم العربي، للبقاء هناك حتى اليوم، بسبب تداعيات الحرب في اليمن، وتحذير مقربين له من ملاحقته، من جانب ميليشيا الحوثيين، حال عودته إلى بلده.

و«وسام فارس» في الفنون والآداب، أرفع الأوسمة الفرنسية، ويتم منحه كمكافأة للمبدعين والمتميزين أدبيًا، وفنيًا، نظير مساهمتهم في فرنسا، وفي العالم أجمع.

يقول «المقري» في مقابلة هاتفية مع «الفنار للإعلام» إنه لم يكن على علم بترشيحه للحصول على هذا الوسام، إلى أن فوجئ برسالة تصله عبر البريد المنزلي تزف إليه خبر التكريم، مع توقيع الوزيرة الفرنسية.

«أعيش منفى مضاعفًا، وأفتقد كل تفاصيل حياتي في اليمن؛ حيث الزاوية المخصصة للكتابة بمنزلي في صنعاء، والتي اعتدت فيها كتابة أعمالي الأدبية، وسط كتبي المتراكمة حولي».

علي المقري روائي يمني مقيم في فرنسا

بدأ مسيرته الأدبية كمحرر ثقافي لمنشورات أدبية عدة في اليمن، قبل أن يستهويه عالم الرواية والأدب ليبدأ في كتابه نصوص نثرية، ويحترف، لاحقًا، كتابة الروايات. وتُرجمت أعماله إلى أكثر من لغة، منها: الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والكردية والفارسية.

يرى علي المقري أن منحه الوسام الفرنسي الرفيع بمثابة «تقدير وتحية للأدب العربي، ومكأفاة لكتابة أدبية لها خصوصيتها السردية والثقافية المختلفة». ويضيف أنه من شأن هذه الجائزة، إلقاء الضوء على آداب العالم العربي «التي تكاد تكون مهمشة بالنسبة للترجمة، وليست منتشرة على مستوى اللغات الأجنبية في ترجمتها، أو الاهتمام بطباعتها بلغات متعددة».

أصدر «المقري» أكثر من عشرة كتب، ومن هذه المؤلفات: رواية «طعم أسود.. رائحة سوداء» (دار الساقي، بيروت، 2008)، و«اليهودي الحالي» (نفس الناشر، 2009)، و«حُرمة» (نفس الناشر، 2012)، و«بخور عدني» (نفس الناشر، 2014)، و«بلاد القائد» (منشورات المتوسط، ميلانو، 2019).

أُختيرت روايتيه «طعم أسود.. رائحة سوداء»، و«اليهودي الحالي»، ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية في دورتيها لعامي 2009 و2011، ونالت روايته «حُرمة»، في ترجمتها الفرنسية، جائزة التنويه الخاص من جائزة معهد العالم العربي للرواية، ومؤسسة جان لوك لاغاردير في باريس 2015، كما جاءت روايته «بخور عدني»، في القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد 2015.

بين الوطن والمنفي

رغم سنواته في منفاه الاختياري بباريس، وتمتعه بالحرية في الكتابة، «بعيدًا عن حملات التكفير التي طالت أعماله الأدبية»، كما يقول، إلا أنه ما يزال «يكابد مشاق الاغتراب بعيدًا عن موطنه».

ويوضح، بنبرة لا تخفي الحنين إلى طقوسه اليومية في اليمن: «أعيش منفى مضاعفًا، وأفتقد كل تفاصيل حياتي في اليمن؛ حيث الزاوية المخصصة للكتابة بمنزلي في صنعاء، والتي اعتدت فيها كتابة أعمالي الأدبية، وسط كتبي المتراكمة حولي. أفتقد هوامشي وطقوسي التي كانت محفزًا أساسيًا، ومصدر إلهام لكتاباتي».

ويضيف، في معرض تفسيره لمشاعره تلك، أن الاعتياد على أمكنة محددة في اليمن، لممارسة طريقة الكتابة، ونوع الأكل والشرب، يساعد على الاستمرارية، وهو شعور يفتقده صاحبه عندما يترك الوطن بشكل مفاجئ، فيجد أنه فقد شيئًا مألوفًا.

«أغلبية الأدباء المقيمين في اليمن، لم يعودوا قادرين على الحصول على متطلبات الحياة الأساسية، من كهرباء، أو مياه نظيفة، فضلًا عن تقاضي رواتب منتظمة، بسبب الحرب».

علي المقري

استلهم «المقري» قضايا الحياة اليمنية، في أكثر من رواية، وهو ما يعزوه إلى مسعاه الدائم، لـ«استكشاف الذات الإنسانية، واستحضار أسباب قلقها، من خلال التعرض للمشكلات التي تواجه الإنسان، سواء كانت في حرية تعبيره، أو بسبب التمييز تجاهه بسبب لونه، أو هويته الجنسية، أو بسبب تهميشه من قبل سلطة ديكتاتورية».

ويقول إنه لو كان في اليمن، اليوم، لاستطاع الكتابة أكثر عما هو عليه الآن في فرنسا. ويضيف أن الحرب انتزعته بقوة من بلده، وجعلته يشعر بأنه مغترب لا يستطيع الحصول على الأشياء التي كانت مصدر إلهام، وتحفيز له على الكتابة. لكن لم يحل ذلك الشعور دون قدرته على الاندماج مع المجتمع الفرنسي. ويقول إنه تمكن بفضل خبراته الشخصية، ومعرفته بالثقافة الأوروبية من التأقلم سريعًا، والانخراط في حياته الجديدة، في البلد المضيف.

الأدب اليمني في زمن الحرب

خلال مقابلتنا معه، يسلط الكاتب اليمني البارز، الضوء على أوضاع الأدب في بلاده خلال الحرب الدائرة رحاها منذ بضع سنوات. ويقول إن غالبية الأدباء والكتاب اليمنيين فقدوا أعمالهم، بسبب هذه الحرب، ولجأ كثيرون منهم إلى مهن بديلة، حتى يتمكنوا من الاستمرار على قيد الحياة.

كما يشير إلى أن أغلبية الأدباء المقيمين في اليمن، لم يعودوا قادرين على الحصول على متطلبات الحياة الأساسية، من كهرباء، أو مياه نظيفة، فضلًا عن تقاضي رواتب منتظمة. ويضيف أن غياب هذه الأشياء «تجعل أي كاتب، أو أديب غير قادر على الكتابة والتفكير»، وفق قوله.

ويلفت علي المقري إلى أن الحرب أعاقت تطور الحياة الأدبية في بلاده كثيرًا. ويقول إنه على الرغم من القيود والرقابة التي فرضتها السلطة في أوقات سابقة قبل الحرب الأخيرة، إلا أن الحركة الأدبية كانت تنشط عبر مظاهر مختلفة. وفيما يخطط الكاتب اليمني لرواية جديدة، يقول إنه يأمل في الاستمرار في الكتابة «في حرية وأمن»، وأن يعود إلى اليمن بعد أن تستقر الأوضاع.

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى