أخبار وتقارير

مشروع فلسطيني لحفظ التراث الثقافي بالقدس عبر ترميم المخطوطات التاريخية

يجمع مشروع لحفظ التراث الثقافي في القدس، منذ عامين، ثلاث من أقدم المكتبات الفلسطينية بالمدينة المحتلة، من خلال العمل على ترميم، وتوثيق مخطوطات تاريخية، في مسعى لمواجهة محاولات إسرائيلية للاستيلاء عليها.

يهدف المشروع، الذي تشارك فيه مكتبة الخالدية، والمكتبة البديرية، ومكتبة دار إسعاف النشاشيبي، وتموله مؤسسة «أليف» السويسرية، إلى تهيئة البيئة المناسبة للحفاظ على المخطوطات في درجة حرارة ورطوبة معينة، للحفاظ عليها من التلف، بالإضافة إلى فهرستها إلكترونيًا، تمهيدًا لعرضها على شبكة الإنترنت.

ويقول خضر سلامة، مدير مكتبة الخالدية، في اتصال هاتفي مع «الفنار للإعلام» إن المخطوطات جزء من تراث وتاريخ الشعب الفلسطيني، وتحكي ثقافة وعادات قطاع عريض من الناس، وتعكس أنماط معيشتهم، وطريقة تفكيرهم.

سير العائلات المقدسية

وبحسب مدير المكتبة، فإن المشروع يستهدف ربط المكتبات الأهلية، أو الشخصية، أو العائلية الموجودة بالقدس ببعضها البعض، من أجل تسهيل مهمة العثور على المخطوطات والوثائق الأرشيفية، للباحثين في المستقبل. ويشير إلى أن المكتبات الثلاثة تجسد «التاريخ الجمعي لأهالي مدينة القدس»، بحسب تعبيره.

تأسست المكتبة الخالدية، في العام 1900، وهي أول مكتبة عربية عمومية تؤسس بمبادرة شخصية في فلسطين. وشهدت المكتبة، التي تقع في البلدة القديمة في القدس، محاولات للاستيلاء عليها منذ عام 1967، لكنها باءت بالفشل بفضل المقاومة المستميتة لأفراد العائلة الخالدية، سواء الذين يعيشون في القدس أو في الشتات، وفق مديرها.

«الحفاظ على ما تبقى من مخطوطات، يحتاج إلى استراتيجية لتعزيز مشروعات الترميم والحفظ، ودعم مالي من المؤسسات الثقافية، حتى يصبح هذا التراث متاحًا للباحثين والدارسين».

مفيد جلغوم   أستاذ التاريخ بجامعة القدس المفتوحة

تضم المخطوطات والوثائق، محل المشروع، سير العائلات التي تشكل تاريخ مدينة القدس، من واقع الصحف والمجلات وبعض الوثائق المكتوبة بخط اليد في الفترة الممتدة بين عامي 1896 و1930. وتضم هذه الوثائق النادرة، التي يعمل الفريق على فهرستها، وثيقة حول أول صلاة للنساء داخل قبة الصخرة بالمسجد الأقصى عام 1952، ووثيقة أخرى حول أضرحة ثلاثة من الأمراء الخوارزميين المحاربين الذين شاركوا في تحرير القدس من الصليبيين، خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر من الميلاد.

من جانبها، قالت دعاء قرش، مديرة المشروعات بمكتبة دار إسعاف النشاشيبي، عبر البريد الإلكتروني لـ«الفنار للإعلام» إن الوثائق والمخطوطات التي يشملها المشروع، تتعلق بالعائلات المقدسية بشكل خاص، والتي وصل عددها إلى حوالي خمسمائة مخطوط يعود معظمها إلى مئات السنين، مشيرة إلى أن موضوعاتها تشمل، بشكل عام، الفقه الإسلامي، والأدب العربي، وما شابه.

وتضيف أنه يوجد بفلسطين، والقدس تحديدًا، الآلاف من المخطوطات القديمة، والمحفوظة في مجموعات مختلفة لدى الأوقاف الإسلامية، أو المكتبات العائلية. وتوضح «قرش»، وهي أمينة المكتبة أيضًا، أن معظم هذه المخطوطات «تعاني من الاهتراء، وعدم الحفظ في ظروف مناسبة، مما استدعى تأسيس بعض المختبرات الخاصة بالترميم، وأهمها: مركز ترميم المخطوطات التابع لدائرة الأوقاف الإسلامية داخل الحرم الشريف، والآخر في أبو ديس (بلدة شرق القدس)، بالإضافة إلى مختبر جديد بالمكتبة الخالدية».

ومن شأن التنسيق بين المكتبات – تقول دعاء قرش –  أن يعزز، بشكل شمولي، دور هذه المكتبات التي تقدم خدمة ثقافية للجمهور المقدسي، وللباحثين بشكل عام. ومكتبة «دار إسعاف النشاشيبي»، هي المكتبة العامة الفلسطينية الوحيدة بالقدس الشرقية التي تستقبل الجمهور، وتعمل بنظام إعارة الكتب، حيث إن المكتبات الأخرى بالمدينة المحتلة، ليست مفتوحة للجمهور بشكل دائم، بسبب قلة الموارد، بحسب أمينة المكتبة.

كيف يتم ترميم المخطوطات؟

«معظم المخطوطات تعاني من الاهتراء، وعدم الحفظ في ظروف مناسبة، مما استدعى تأسيس بعض المختبرات الخاصة بالترميم، وأهمها: مركز ترميم المخطوطات التابع لدائرة الأوقاف الإسلامية داخل الحرم الشريف، والآخر في أبو ديس (بلدة شرق القدس)، بالإضافة إلى مختبر جديد بالمكتبة الخالدية».

دعاء قرش مديرة المشروعات بمكتبة دار إسعاف النشاشيبي

خلال المشروع، المقرر أن ينتهي في حزيران/يونيو المقبل، تبدأ عملية ترميم المخطوطات بتوثيقها، وفحص حالتها، لتحديد ما تتطلبه من ترميم، ثم البدء في أكثر من مرحلة، أولها: التنظيف الميكانيكي باستخدام فرشٍ ناعمة، وإسفنج خاص، ثم تنضيف رطب عن طريق الغسيل بالكحول والماء، حتى لا يذوب الحبر المستخدم في المخطوطة، ثم الترميم، والتجليد من خلال استخدام ورق وصمغ، كما يشرح لنا هذه العملية، رامي سلامة، مسؤول ترميم المخطوطات بالمشروع.

ويقول خبير ترميم المخطوطات، لـ«الفنار للإعلام»: «لا نستطيع ترميم المخطوطات كافة؛ لأنها تحتاج إلى وقت، ودعم مادي كبير. ولذلك اخترنا عشرين مخطوطة فقط لترميمها، في ضوء علاقتها بالمدينة المقدسة، وعدد أوراقها».

بدورها، تقول شيماء البديري، أمينة المكتبة الرقمية بالمكتبة الخالدية، لـ«الفنار للإعلام»، إن فهرسة، وترميم المخطوطات، تستهدف حمايتها من التلف، بعدما تآكل الورق، بسبب تخزينها في أماكن رطبة.

«أهمية استثنائية»

ويقول مفيد جلغوم، أستاذ التاريخ بجامعة القدس المفتوحة، إن المشروع يكتسب «أهمية استثنائية» في ظل احتضان مدينة القدس آلاف المخطوطات، والتي استخدمت في التعليم، والبحث، والمطالعة. وقد انتقلت عشرات المخطوطات المقدسية إلى الخارج، بعد سقوط الدولة العثمانية، قبل أن يتعرض جزء كبير منها للسرقة بعد النكبة الفلسطينية، في العام 1948، حيث «سرقت المجموعات الصهيونية، وقتها، ما كان لدى العائلات الفلسطينية من كتب ومكتبات»، بحسب الباحث الفلسطيني.

ويضيف «جلغوم»، في اتصال هاتفي مع «الفنار للإعلام» أن الحفاظ على ما تبقى من مخطوطات، يحتاج إلى استراتيجية لتعزيز مشروعات الترميم والحفظ، ودعم مالي من المؤسسات الثقافية، حتى يصبح هذا التراث متاحًا للباحثين والدارسين، على أن تتولى المكتبات المساعدة في الترميم والحفظ، وفق معايير دولية. وطالب بأن تولي المؤسسات الثقافية، أهمية خاصة بمقترح إنشاء متحف للمخطوطات الفلسطينية بالقدس.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

وفيما يقدم الباحث الفلسطيني تعريفًا للمخطوطات بأنها الدلائل المكتوبة على ورق بخط يد العلماء، أو طلابهم، خلال الفترات الزمنية التي مرت على القدس، فإنه يحذّر مما يعتبره «محاولة للتخلص من الرواية المكتوبة كدليل أثري، وتاريخي، وجغرافي، واجتماعي حول تاريخ المدينة المقدسة».

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى