أخبار وتقارير

الأكاديمية جيهان السويحلي.. من مشاق النزاع الأهلي الليبي إلى تحديات المهجر في بريطانيا

منذ انتقالها إلى بريطانيا في أواخر العام 2013، لدراسة الدكتوراه في تخصص الرياضيات بجامعة ريدنج البريطانية، واجهت الأكاديمية الليبية جيهان السويحلي، صعوبات أكبر بكثير من تحديات البحث العلمي التي تشغل بال المبتعثين في الغالب.

فمع انقطاع مخصصاتها المالية من الحكومة الليبية لعدة أشهر، واكتشاف إصابتها بمرض السرطان، ومواجهة مصاعب تتعلق بالاندماج في مجتمع المهجر، وجدت «السويحلي» نفسها أمام قائمة استثنائية من التحديات.

وتروي الأكاديمية الليبية، جوانب من قصتها، في مقابلة عبر برنامج «زووم» لـ«الفنار للإعلام»، ضمن سلسلة حلقاتنا التي نقدمها في إطار إحياء ذكرى يوم اللاجئ العالمي، والتي تحين في العشرين من حزيران/يونيو، كل عام.

تقول الباحثة المولودة بمدينة مصراتة الليبية، في العام 1971، إن الصعوبات المادية «فاقمت من مشاعر الغربة والانعزالية عن المجتمع الجديد الذي انتقلت إليه، بسبب عدم القدرة على الالتحاق بدورات تدريبية وتأهيلية، وعدم الانتظام في الذهاب إلى الجامعة بشكل مستمر».

وقد عملت «السويحلي» بالتدريس في كلية التربية بجامعة مصراتة لخمسة أعوام، ثم انتقلت إلى بريطانيا كمبتعثة من السلطات الليبية، قبل أن تتعثر مشروعات الابتعاث جراء تبعات الحرب الأهلية، والنزاع على السلطة الذي تشهده ليبيا منذ العام 2011.

 ورغم حصولها على درجة الدكتوراه في أيار/مايو 2020، إلا أنها تستبعد فكرة العودة إلى الديار حاليًا، بسبب أوضاع ليبيا غير المستقرة، والتحاق أبنائها بمدارس بريطانية، وكذلك مواصلة علاجها من الإصابة بمرض السرطان، والتي اكتشفتها خلال سنوات دراسة الدكتوراه.

«أطالب المؤسسات، والمنظمات الدولية، بتقديم مزيد من الدعم للباحثين في دول النزاع لاستئناف أبحاثهم، وتوفير منح ومبادرات تؤمّن لهم مواصلة مسيرتهم العلمية في ظل صعوبات الحياة الجديدة بالمهجر».

جيهان السويحلي أكاديمية ليبية في بريطانيا

وتعمل «السويحلي»، في معهد كابلان الدولي بلندن، بدوام جزئي. وتشمل مهامها بالمعهد: تدريس الرياضيات والإحصاء للطلبة الوافدين، لإعدادهم لفترة تصل لنحو سنة، للالتحاق بالجامعات البريطانية. وعن تلك التجربة، تقول إن الحصول على فرصة عمل في المجال الأكاديمي بجامعات أوروبا، بشكل دائم، أمر «شديد الصعوبة»، في ظل ارتفاع أعداد الحاصلين على درجة الماجستير والدكتوراه، سواء من داخل أوروبا أو من خارجها، والتنافس الشديد على شغل المناصب.

وتتحدث الأكاديمية الليبية عن مواجهتها مصاعب اجتماعية، عندما قررت استكمال دراساتها العليا بإحدى جامعات طرابلس، عقب تخرجها في كلية التربية بجامعة مصراتة بتقدير امتياز. وتقول إن الأمر قوبل بتحفظ من الأسرة بسبب بعد المسافة بين المدينتين.

وخلال تجربتها في الاستفادة من الابتعاث على نفقة الحكومة الليبية، لم يخل الأمر من متاعب، حيث اضطرت، نتيجة انقطاع المخصصات لعدة أشهر، وإلغاء بعض المستحقات، إلى السكن بعيدًا عن مقر الجامعة، واختارت الاستقرار في بلدة سويندون البريطانية، لتوفير فارق التكلفة في أسعار السكن.  كما تشير إلى أنها اضطرت للعمل في مهن أخرى لتتمكن من مواصلة الدراسة، وخاصة بعد تخفيض المخصصات للمبتعثين، وتعثر توفيرها لأشهر.

في بلدة سويندون، لم تجد جيهان السويحلي كثيرين غيرها يتحدثون اللغة العربية، ومع بعدها عن مقر الجامعة، فقد اكتفت – مضطرة – بالذهاب مرات محدودة، ما أعاق قدرتها على الاندماج مع المجتمع الجديد سريعًا، وجعلها تعيش «معزولة»، بحسب قولها. وقد شملت الصعوبات، تأخر الباحثة الليبية في الحصول على تدريب خاص يمتد لنحو عام للحصول على شهادة تأهيل بتدريس الرياضيات في بريطانيا، بسبب «تكلفته المادية الباهظة».

أمام تلك التحديات، لم يتأثر المسار الدراسي لـ«السويحلي» كثيرًا، حيث حرصت على مواصلة الدراسة في كل الأحوال، إلى أن اكتشفت إصابتها بسرطان الثدي، في كانون الأول/ديسمبر من العام 2015. عندئذ، اضطرت إلى التوقف عن الدراسة لسنة كاملة، حيث خضعت خلالها لعمليتين جراحيتين، يفصلهما العلاج الكيماوي، وتلاهما العلاج الإشعاعي، وتنتظم حاليًا في تلقي العلاج الهرموني الذي تقدمه السلطات الصحية البريطانية بالمجان.

بين تحديات التعلم والمرض

وعن تجربة المرض والتعلم، تقول إن الصعوبات التي واجهتها خلال مراحل حياتها، ساعدتها في تحمل الإصابة بالسرطان، وأشعلت بداخلها الأمل في نيل درجة الدكتوراه.

من جانبها، تعتقد سكينة النجار، أستاذة الرياضيات بكلية التربية في جامعة مصراتة، أن السمات الشخصية لجيهان السويحلي، لعبت دورًا كبيرًا في التغلب على الصعوبات التي واجهتها. وتشير في تصريح لـ«الفنار للإعلام» إلى أن هذه السمات تشمل: حسن التصرف، والهدوء، والاتزان، وقوة الشخصية، والثقة بالنفس.

وقد تزاملت الأكاديميتان الليبيتان، في برنامج  الدراسات العليا لنيل درجة الماجستير بجامعة مصراتة، قبل أن تتوثق العلاقة بينهما خلال سنوات التدريس بكلية التربية في الجامعة نفسها. وتضيف «النجار» أن «السويحلي» «نجحت في تغيير الصورة النمطية عن الباحث الليبي في الخارج، وسلطت، عبر تجربتها، الضوء على الصعوبات التي واجهها باحثي دول النزاع، سواء في بلدانهم، أو عند الانتقال للخارج». وتوضح أن دعم هذه التجارب «أمر مهم لدورهم الضروري في بناء مؤسسات التعليم، في بلدانهم الأصلية، في مرحلة إعادة الإعمار لاحقًا».

مطالب بمزيد من الدعم

في ضوء هذه التجربة، تطالب «السويحلي» المؤسسات، والمنظمات الدولية، بتقديم مزيد من الدعم للباحثين في دول النزاع لاستئناف أبحاثهم، وتوفير منح ومبادرات تؤمّن لهم مواصلة مسيرتهم العلمية في ظل صعوبات الحياة الجديدة بالمهجر. وتضيف: «الهواجس تطاردني، من تجديد الإقامة، وما يرتبط بها من البقاء لأشهر في انتظار القرار، وخاصة مع اعتيادي نظام الحياة في بريطانيا، وعدم قدرتي على استيعاب متطلبات العيش في ليبيا».

وعلى الرغم من الصعوبات التي ما تزال تواجهها، إلا أن الأكاديمية  الليبية تفضل البقاء في بريطانيا عن العودة إلى ليبيا «بسبب اضطراب الأوضاع، واستمرار علاجها». وتقول إن  الحياة في ليبيا «أسهل كثيرًا من الحياة في بريطانيا، لأن الكثيرين من حولي سيكونون داعمين لي، لكن فكرة اندلاع الحرب تخيفني، فضلًا عن عدم توفر العلاج والتعليم الجيد».

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى