أخبار وتقارير

دماء في ساحات جامعات عربية.. كيف تتصدى السياسات الأكاديمية للعنف المتصاعد؟

تسلط بعض وقائع العنف، التي شهدتها ساحات جامعية عربية، مؤخرًا، الضوء على السياسات الأكاديمية الخاصة بتوفير بيئة آمنة للمجتمع الطلابي، والجامعي بشكل عام، ومدى صمودها أمام تفاقم الأمور إلى حد يكاد يصل بها إلى وصف «الظاهرة» التي تنتشر في أكثر من بلد عربي.

فبعد مقتل طالبتين في مصر والأردن، خلال الأيام الماضية، أعلنت السلطات العراقية، أمس (الثلاثاء)، مقتل عميد كلية القانون في جامعة صلاح الدين، كاوان إسماعيل، وأستاذ الهندسة بالجامعة نفسها، إدريس حمة خان، أمس (الثلاثاء)، على يد طالب سبق فصله من جامعة سوران الحكومية.

نيرة أشرف وإيمان رشيد

وشهدت جامعة المنصورة، شمال مصر، جريمة قتل للطالبة نيرة أشرف، الأسبوع الماضي، بطعنات من سلاح أبيض على يد زميل لها، على خلفية طلبه الزواج منها، وفق ما أفادت وسائل إعلام محلية. ولم تمض أيام قليلة على مقتل نيرة أشرف، حتى بوغت المجتمع الأكاديمي العربي، بحادث مماثل في الأردن، حيث لقيت الطالبة إيمان رشيد، مصرعها بعدما تعرضت لإطلاق نار في جامعة العلوم التطبيقية الخاصة، شمال العاصمة عمّان.

وبحسب أكاديميين، فإن هذه الوقائع لا تنفصل عما شهدته من جامعات عربية عدة، طيلة الأعوام الماضية.

ويقول عبد الرزاق العيسى، وزير التعليم العالي العراقي الأسبق، إن  تنامي حوادث العنف في الجامعات العربية «مرتبط بالتوسع الكبير» في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من جانب هذه الشريحة العمرية، والتي ساعدت على الترويج لهذه الحوادث، كـ«رد فعل طبيعي للطلاب»، تجاه مسببات المشكلات داخل الحرم الجامعي.

«تنامي حوادث العنف في الجامعات العربية مرتبط بالتوسع الكبير في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من جانب هذه الشريحة العمرية، والتي ساعدت على الترويج لهذه الحوادث».

عبد الرزاق العيسى وزير التعليم العالي العراقي الأسبق

ويضيف في تصريح هاتفي لـ«الفنار للإعلام» أن المناهج التعليمية خضعت لتدخلات «سلبية»، وتم «توظيف المواد القيمية سياسيًا لصالح تيارات متنازعة في العمل العام»، مشيرًا إلى أن القيم الاجتماعية، أو الدينية داخل هذه المناهج «ارتبطت بهوية الحزب، أو التنظيم الذي يسيطر على السلطة، والتي منحت مبررات لاعتماد العنف كأحد وسائل الدفاع عن النفس داخل المؤسسات التعليمية».

مدونات سلوك لمواجهة العنف

عامل آخر يفسر ارتفاع هذه الحوادث في الجامعات، وهو «غياب مدونات لمواجهة العنف»، والتي تُعنى بضبط السلوك الیومي، المھني والشخصي، لتدعم النزاھة والاستقامة الأخلاقية في الحرم الجامعي، وتفرض التزامات قانونية على الجميع، بحسب «العيسى». ويوضح وزير التعليم العالي العراقي الأسبق أن جامعات العراق، وكثير غيرها من الجامعات العربية، «تفتقر إلى مدونات من هذا النوع».

بالمثل، يؤيد نذير عبيدات، رئيس الجامعة الأردنية، مطلب تفعيل مدونات للسلوك داخل الجامعات العربية. ويدعو في اتصال هاتفي مع «الفنار للإعلام»، إلى تحديث هذه المدونات باستمرار، في ضوء متغيرات الوقائع، والمستجدات التي قد تطرأ على سلوك الطلاب والأساتذة على حد سواء.

ويقول «عبيدات»، الذي يقود شبكة الجامعات الأردنية، إن الاضطرابات الاجتماعية، والاقتصادية، والنفسية «الواسعة الناجمة عن تفشي فيروس كورونا خلقت عند آلاف الطلاب ميولًا للعنف الاجتماعي، والقسوة كوسيلة وحيدة لتفريغ طاقتهم، وغضبهم من الظروف الاقتصادية الصعبة».

وتشير دراسة سابقة بعنوان «الطلبة والعشيرة والدولة: أزمة المشاركة الطلابية في الجامعات الأردنية»، للأكاديمي، ووزير الثقافة الأردني الأسبق، باسم الطويسي، إلى أن العشائرية الطلابية تعد أحد أسباب العنف». وتصف الدراسة بيئة التعليم العالي في الأردن بأنها «أُخليت من العمل السياسي التقليدي والأيديولوجي، ولم يتم ملء الفراغ بعمل طلابي مهني، أو سياسي شرعي قائم على التعدد».

مادة للإرشاد النفسي

«تزايد حالات العنف الطلابي يعود إلى غياب برامج التأهيل المتخصصة في تقديم الدعم النفسي لطلاب الجامعات. وانتشار اضطراب القلق الاجتماعي أحد مظاهر توليد العنف».

رضوان أبو ركبة أستاذ علم النفس بجامعة الأقصى في غزة

وتمتد آثار العشائرية الطلابية، بحسب معد الدراسة، إلى كونها «سببًا رئيسيًا في التشوه الكبير في الثقافة السياسية للطلبة، ما يعني أن جامعتنا تنتج أجيالًا غير قادرة على استيعاب فكرة الدولة المدنية المعاصرة، وتحول الأدوات الديمقراطية في المشاركة والتمثيل، إلى أدوات تنتج ظواهر أصبحت واحدة من أكثر مصادر تهديد بنية الدولة، واستقرارها، بعدما كانت العشيرة في حدودها الطبيعية قوة بنائية أساسية في تأسيس الدولة واستقرارها».

في ضوء ذلك، يدعو «عبيدات» إلى تصميم برامج اجتماعية وثقافية داخل الجامعات العربية، لتلبية الاحتياجات النفسية للطلاب، وتساعدهم على تجاوز صعوبات واقعهم، إلى جانب تشجيعهم على العمل السياسي خارج أسوار الجامعة. كما يقترح رئيس الجامعة الأردنية، إيجاد مادة رئيسية تهتم بالقضايا السلوكية والمجتمعية كمقرر دراسي إلزامي، وزيادة الأنشطة الطلابية لتفريغ طاقات الطلاب النفسية، مع تطبيق قوانين الجامعة بشكل «أكثر صرامة» بعد تغليظ العقوبات الإدارية في لوائح عملها.

في السياق نفسه، يعزو رضوان أبو ركبة، أستاذ علم النفس بجامعة الأقصى في غزة، تزايد حالات العنف الطلابي، إلى غياب برامج التأهيل المتخصصة في تقديم الدعم النفسي لطلاب الجامعات العربية. ويقول في تصريح لـ«الفنار للإعلام» إن انتشار اضطراب القلق الاجتماعي «أحد مظاهر توليد العنف».

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

 ويُشدد «أبو ركبة» على أهمية إدراج مادة للإرشاد النفسي، لتكون مقررًا إلزاميًا على طلاب الجامعات، مع أهمية تفعيل دور وحدات الدعم النفسي بالجامعات، في التوعية بخطورة العنف، وتنظيم جلسات لمن يتعرضون لاضطرابات قد تدفعهم إلى ارتكاب العنف.

اقرأ أيضًا:

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى