أخبار وتقارير

مطالب أكاديمية بتغيير نظم القبول في الجامعات العربية: «لا تواكب متغيرات التعليم وسوق العمل»

فيما تواصل الجامعات العربية، هذه الأيام، تلقي طلبات الالتحاق بصفوفها من الطلاب الجدد، يثير نظام القبول، في غالبية تلك الجامعات، والقائم بشكل أساسي على نتيجة الامتحان النهائي للشهادة الثانوية العامة، جدلًا بسبب اعتماده على معيار شبه وحيد للجدارة، وهو مجموع الدرجات.

ويطالب أكاديميون بتطوير هذا النظام في ضوء التغيرات التي طرأت على العملية التعليمية، والتجارب الدولية في القبول الجامعي. وبحسب هؤلاء، فإن نظام القبول الجامعي الحالي، المعروف في بعض الدول العربية باسم «التنسيق»، يتسبب في خلق ضغوط اجتماعية، واقتصادية، ونفسية على الطلاب، وأسرهم، بسبب الاعتماد على معدل الثانوية العامة كمحدد أساسي للقبول، فضلًا عن عدم مراعاته لاحتياجات سوق العمل، في ظل وجود اختصصاصات «مشبعة» رغم الإقبال المرتفع عليها  لأسباب مجتمعية.

مقياس غير عادل

ويقول محمد طالب عبيدات، رئيس جامعة جدارا الأردنية الخاصة، في اتصال هاتفي مع «الفنار للإعلام» إن الاعتماد على امتحان الثانوية العامة كمعيار وحيد للقبول بالجامعات مقياس «غير عادل»، ويتجاهل التطورات في التجارب العلمية في القبول الجامعي، والتي تعتمد على معايير ترتبط، بشكل رئيسي، بمدى ملائمة شخصية الطالب للتخصص الذي يلتحق به.

الاعتماد على امتحان الثانوية العامة كمعيار وحيد للقبول بالجامعات مقياس «غير عادل»، ويتجاهل التطورات في التجارب العلمية في القبول الجامعي.

محمد طالب عبيدات رئيس جامعة جدارا الأردنية الخاصة.

ويضيف المسؤول الأكاديمي أن مقاييس دخول الجامعات انحصرت في نتائج المرحلة الثانوية، ورغبة الطالب والأسرة، بالإضافة إلى الرسوم الجامعية، وتتجاهل معايير رئيسية مثل شخصية الطالب، واحتياجات سوق العمل، وموائمة عقلية الطالب مع التخصص الذي يدرسه. ويقول إن الكثير من هؤلاء الطلاب يلتحقون بتخصصات «مشبعة» بسبب سمعتها في الثقافة المجتمعية، مثل دراسة الهندسة، والطب في الأردن على سبيل المثال. ويوضح أن هذه الظاهرة تؤدي إلى ارتفاع نسب البطالة، فضلًا عن عجز كثير من الطلاب عن استكمال دراستهم، والاضطرار إلى الالتحاق بكلية أخرى.

وتشير بيانات رسمية، إلى ارتفاع نسب البطالة في صفوف خريجي الهندسة بالأردن، خلال السنوات الأخيرة، وسط مطالبات نقابية  بخفض أعداد المقبولين في برامج دراسة هذه التخصصات.

وبالمثل، يرى إبراهيم الحمود، أستاذ القانون العام بجامعة الكويت، أن النظام المعتمد في غالبية الجامعات العربية، يتحمل المسؤولية عن تراجع المستوى التعليمي لخريجي الكليات، وخصوصًا في جامعات الخليج، والتي تنعكس على اقتصاديات هذه الدول حيث تضطر إلى سد العجز في احتياجاتها في سوق العمل عبر استقطاب عناصر من الخارج.

ويقول «حمود»، الذي شغل، في وقت سابق، منصب رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس بجامعة الكويت، في اتصال هاتفي مع «الفنار للإعلام» إن الدولة هي المسؤولة بشكل رئيسي، وليست الجامعات، لأنها تصميم سياسات القبول، وفلسفة عمل الجامعات من مسؤولية الدولة، ويوضح أن التغيير في نظم القبول يبدأ من وضع تشريعات جديدة تلزم الجامعات بها.

ويضيف الأكاديمي الكويتي أن نظام القبول الجامعي يعزز من تأثر خيارات الكثير من الطلبة، بالحالة السائدة في المجتمع دون النظر للمستقبل، حيث يتأثرون برغبات أسرهم، والنظرة المجتمعية للتخصص دون اعتبارات للمستقبل البعيد، أو مدى ملائمة شخصياتهم لطبيعة الوظائف التي يتقدمون لها.

خيارات الطلاب ومتطلبات سوق العمل

ومن جهته، يقول الأكاديمي التونسي نبيل القاضي، لـ«الفنار للإعلام» إن اختيار الطلاب لتوجههم الجامعي موضوع ذو حساسية بالغة، بما يستدعي الاعتماد، بشكل رئيسي، على اكتشاف شخصية الطلاب، وطبيعة احتياجات سوق العمل، عبر مزيد من التعاون بين الجامعات والمدارس الثانوية.

ويضيف «القاضي»، وهو الرئيس السابق لكلية الخوارزمي الدولية بالإمارات، أن هناك فجوة في التعاون بين الجامعات والمدارس الثانوية في العالم العربي، سواء في مساعدة الطلاب على تلبية متطلبات سوق العمل، أو التعرف على ميول هؤلاء الطلاب وقدراتهم، موضحًا أن طريقة التعلم في الجامعات تختلف تمامًا عما تتبعه المدارس.

هناك فجوة في التعاون بين الجامعات والمدارس الثانوية في العالم العربي، سواء في مساعدة الطلاب على تلبية متطلبات سوق العمل، أو التعرف على ميول هؤلاء الطلاب وقدراتهم.

نبيل القاضي الرئيس السابق لكلية الخوارزمي الدولية بالإمارات.

وبحسب الأكاديمي التونسي، فإن الطريقة الجيدة للقبول الجامعي، تعتمد على درجات الطلاب في امتحانات الثانوية العامة لاكتشاف تميزهم في مواد بعينها، وتوجيههم لكليات محددة، بعد خضوعهم لفترة تحضيرية، واختبارات تهدف إلى اكتشاف مدى استعدادهم لنظم التعليم في هذه الكليات، مع خضوعهم كذلك إلى اختبارات لاكتشاف شخصية وميول كل طالب.

ومن واقع  خبرته الممتدة لنحو 13 عامًا، في عدد من جامعات الخليج، يقول «القاضي» إن الاعتماد على نظام التنسيق كمعيار وحيد للقبول الجامعي، أمر ينتهي بالطلاب إلى خيارات «غير مناسبة» لقدراتهم أو شخصياتهم.

أنظمة بديلة مطروحة

وفي المقابل، يوصي الأكاديمي التونسي بضرورة التنسيق بين المدارس الثانوية والجامعات، حتى يكون هناك تعاون بينهما بشكل أكبر في إعداد البرامج التعليمية، ووضع متطلبات القبول، في ضوء معايير جديدة تشترك مع التنسيق، بنسب محددة، في تقرير مصير الطالب من القبول أو عدمه. ويوضح أن هناك مرونة، وطرقًا مختلفة للربط بين عملية قبول الطالب والبرنامج الجامعي المتقدم إليه، مشددًا على أن نظام التنسيق المعتمد على الدرجات فقط، كمعيار وحيد، لا يدعم الوصول إلى القرار الصحيح في ظل متطلبات تعلم وسوق عمل مختلفة تمامًا؛ تبحث عن القدرة على الابتكار، وتحدي الصعاب، والتأقلم مع المجهول، أكثر من تطبيق نماذج درسها الطلاب في جامعاتهم.

على سبيل المثال، يشير نبيل القاضي إلى مشاركته – خلال عمله كأستاذ في علوم الحاسب الآلي، بمؤسسة (Epitech) الفرنسية المعنية بدراسات هندسة الكمبيوتر لنحو ثماني سنوات – في إلغاء أى متطلبات لقبول الطالب بالهيئة الأكاديمية الفرنسية، سوى اجتياز المتقدم لفترة تجريبية تمتد لأسبوعين، لاكتشاف استعداده للتعامل مع نظم التعليم المتبعة في الجامعة، مدى قدرته على تحمل الضغوط. ويختم قائلًا أنه يقدم مقترحات بشأن تغيير طريقة القبول في الجامعات العربية، بشكل دائم، لكن  هناك سلطات إشرافية تحدد معايير القبول في الجامعات، وليس بمقدور الجامعات تغييرها من تلقاء نفسها.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

كما يقترح الأكاديمي الأردني محمد طالب عبيدات، نظام بديلًا للقبول بالجامعات العربية، يقوم على خضوع الطالب لسنة تحضيرية، يختار خلالها المواد التي تناسب مؤهلاته الدراسية، ودرجة استعداده للتخصص الراغب في دراسته، اعتمادًا على نتيجة الثانوية العامة، أو وضع معايير إضافية تشترك، بنسب محددة، مع نتيجة الثانوية العامة، مثل: امتحان للقدرات والمهارات، ومقابلة شفوية لقياس قوة شخصية الطالب، وطريقة ونمط تفكيره. ويقول «عبيدات»:«اعتماد مجموع الثانوية العامة كمعيار وحيد للالتحاق بالمرحلة الجامعية ظلم حقيقي للطلبة، وحان الوقت لإدخال نظم جديد للقبول في الجامعات، وخاصة في ظل التغيرات الكبيرة التي طرأت على سوق العمل، والتخصصات الجديدة التي ظهرت في الكليات».

اقرأ أيضًا:

التوزيع الجغرافي والقبول الإقليمي أبرزها.. 10 معلومات عن تنسيق الجامعات المصرية

80 جامعة عربية ضمن الأفضل عالميًا في أحدث تصنيف من «كيو إس»

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى